زلزال القرن.. رسالة عزاء

زلزال القرن.. رسالة عزاء

موفق شيخ إبراهيم

 

ثمَّة في الكون محاور راسخة هي نواميس ثابتة، أما ما دونها من الأغلفة والنسُج التي تطوف بها، فهي نظم متطورة. ولم يستطع الإنسان رغم إبداعاته المتتالية أن يتحرَّر من سلطان الموت! بل أيقن أنه ناموسٌ كونيٌّ راسخٌ ومستقرٌّ، لا تجدي معه أيَّة حيلة، ولا يمكن أن يتخلَّص منه بأيَّة وسيلة، لأنَّ العلم صفة كاشفة للأشياء على حقيقتها دون أيَّ تأثير فيها، ولا يزال الإنسان يموت بنفس الطريقة التي يموت بها أضعف مخلوق، على سطح هذه المعمورة.

والكونُ وُجِد أولاً كما شاء مولاه، ثمَّ وُجِدَ العلمُ نتيجة طول تأمل العقل فيه. والعلم تابعاً للكون وليس العكس، والإنسان مقودٌ في هذا الكون وليس قائداً، والقابض على زمام رحلة الإنسان في هذه الحياة، والذي يمسك نواميس الكون في قبضة عجيبة لا تُغلَب، هو ذاته سبحانه الذي نسَّق مظاهر الكون مع بعضها، في نِسَبٍ متكاملةٍ متكافئةٍ، وكذا هو القائل: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيَّدة}. وهو القائل أيضاً تبارك في علاه: {نحن قدَّرنا بينكم الموت}. أي قدرناه زماناً ومكاناً وحالاً.

هذا ولا يزال الموت لحظةً صادمةً وفكرةً مؤرقةً، ورهبةً كامنةً سرعان ما تتفجَّر. وكلما ظننَّا أننَّا ألفناه لكثرته حولنا، اكتشفنا أننا نعود معه إلى المربع الأول وإلى الرجفة الأولى والصدمة الأولى والدهشة الأولى والأسئلة الأولى عن لقائنا به، متى؟ وأين؟ وكيف؟ أحسن الله ختامنا، وهوَّن علينا معالجة الفراق الأشدِّ بين الروح وجسدها.

فإذا أرخى الليل سدوله بأنواع الخطوب، وتراكبت أطباق البلاء، طبقاً على طبق، وأكَلَنَا الدهر لحماً ورمانا عظماً، واستيأس أهل الإيمان، وبلغت القلوب حناجرها، وزلزلت النفس زلزالها، فلنتذكر أن سلعة الله غالية، وأن مسار الحياة تكتنفه المخاوف وتحيط به المنغِّصات من كل جانب.

الدُّنيا وُضعَت للبلاء؛ فينبغي للعاقل أن يُوطّنَ نفسَه عَلى الصبر، والله لم يعدنا بالرخاء، بل وعدنا بشيء من الخوف، وبنقص من الأموال والأنفس والثمرات، يعقبها بشارة للصابرين، وكم من بلاءٍ كان سبباً للنجاة في الحياة الآخرة؟!. وأما المترفون والماديون والملحدون، فلهم شأن آخر فلا غرابة إن كانوا في بعض الأحايين في منأىً عن هذا الابتلاء.

ومن هنا فمن الضرورة بمكان، أن يوقن آحادنا، بأن حياتنا الحقيقية تبدأ بعد الموت، {وإن الدار الآخرة لهي الحيَوَان لو كانوا يعلمون}.

وأن يوقن أيضاً بقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ}. قال ابن عباس رضي الله عنهما: بأمر الله، يعني: عن قدَره ومشيئته".

ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعَوَّضه عما فاته من الدنيا هدىً في قلبه، ويقيناً صادقاً، وقد يخلف عليه ما كان أخِذ منه، أو خيراً منه. قال عليُّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} يعني: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

وختاماً فهذا نداءٌ لمن فقد صفيِّاً من أحبته أقول فيه: "خالص العزاء بالأصفياء الذين فارقتهم. مصابكم مصابنا فلنصبر ولنحتسب. عليهم شأبيب الرحمة وسحائب الرضوان، وبوَّأهم المولى أعلى المنازل. أكرمهم الباري بمقام الشهادة السامي, وإن صلابة الإيمان وصلادة العقيدة، كفيلتان أن تنزلا السكينة على قلوبكم". ونخاطب الباري سبحانه، مبتغين العناية منه لكل مصابٍ، فنقول: "اللهم أذن له في شفائك، ووجَّه إليك وافد السلامة بامتنانك، إنك أنت الرؤوف، الرحيم، المنعم، المتفضِّل".

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين