رسالة مفتوحة بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لاحتلال العراق


أصدرت الأمانة العامة لهيئة علماء المسلمين في العراق رسالة مفتوحة إلى الشعب العراقي بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لاحتلال العراق وفيما يلي نصها:
رسالة مفتوحة
بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لاحتلال العراق
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فتمر علينا اليوم الذكرى الثانية عشرة للاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق؛ وما يزال بلدنا يرزح تحت نير احتلالين بغيضين يعيثان فيه فساداً ويسومان أهله سوء العذاب، ويتحكمان بمصيره، ويقرران سياساته التي لا تخدم أحداً سواهما، مستعينين عبر هذه السنين العجاف بعدد من الذين لا يدينون للعراق بالولاء، ولا ينتمون إليه إلا بالاسم فقط.
وشكل الاحتلال الرئيس بتعاون وتخادم عالي المستوى من الاحتلال الرديف؛ حكومات احتلالية متعاقبة في إطار ما أطلق عليها (العملية السياسية) التي صيغت فكرتها على أساس التوافق المحاصصي الطائفي والعرقي المستقوي بالخارج على إرغام الداخل وتهميش المجتمع وبناء مؤسسة الإقصاء، بواسطة آليات الاستبعاد _ بمختلف ألوانها وأشكالها ـ لكل مخلص للبلد من أبنائه الرافضين للاحتلال وهيمنة العدو التأريخي، فأوغلت هذه الآليات في دماء العراقيين وسرقت أموالهم واعتقلت أبناءهم ونساءهم.
وحول الطارئون على العراق والمارون بساحته للانتفاع والمتاجرة البلد إلى دولة بائسة تتصدر قائمة الدول الفاشلة في العالم، وتقبع في المرتبة (١٧٠) لقائمة منظمة الشفافية الدولية لعام (2014م) متذيلة بذلك مؤشر (مدركات الفساد)، ومتصدرةً المراكز الأولى للدول الأكثر هشاشة في العالم حسب تصنيف صندوق السلام العالمي، ومحتلةً المرتبة السادسة عالمياً من حيث الدول الأعلى خطراً في غسيل الأموال، حسبما ورد في تقرير صادر عن (معهد الحكومة) في بازل بسويسرا، وارتفع معدل الفقر عام 2014م إلى 30%؛ بحسب المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط الحكومية نتيجة ارتفاع عدد اللاجئين؛ الذين اضطروا للنزوح عن مناطقهم بسبب الأعمال العسكرية.
هذا على صعيد الجوانب الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، أما على صعيد الواقع السياسي؛ فإنه لا يمكن لمنصفٍ إلا أن يحكم عليه بأنه فاشل بامتياز، ويرهن حاضر العراق ومستقبله بكارثة حقيقية تهدد العراقيين جميعاً، ولا تستثني أحداً، ما لم تعالج الأمور فيه علاجاً جذرياً يستأصل الداء ويحسم المشكلة الرئيسة ويعالج آثارها وتداعياتها الخطيرة وفق خطة عامة ورؤية سليمة لمصلحة العراق والعراقيين؛ وبدون تعويل على العملية السياسية ومحاولة بث الروح فيها، الذي يعد ضرباً من العبث والسعي وراء سراب لن يزيد من يركضون وراءه إلا مزيدا من التعب والنصب بدون طائل، فالسعي وراء أوهام الترقيع لن يعود بالضرر على مرتكبيه فقط؛ بل سيجعل العراق يخسر الكثير من الوقت الثمين والجهود المبذولة، ويعرضه للتشظي وفقدان مقومات وجوده كدولة يوماً بعد يوم.
وهنا نود الإشارة إلى ما يعكسه حال العراق على بلدان المنطقة ولاسيما العربية منها، فمما هو معلوم أن العراق قطب الرحى في دائرة الأحداث في المنطقة وفقدانه أو تركه يموج هكذا في بحر مآسيه؛ سيعود على الدول المجاورة له بالضرر والانكشاف أمام من يتربص بها الدوائر، ولا سيما من إيران التي عودتنا على إساءة الجوار، فضلاً عن إحكامها السيطرة على أمور الحكم في بغداد وإمساكها بزمام الأمر فيه؛ حتى أصبح ساسة العراق ناطقين باسم المصالح الإيرانية ويداً ضاربة لها، وتبع العراق في حاله هذا، سوريا واليمن اللتين غزتهما الجهة نفسها، ومن قبلهما لبنان الذي استوطنه الشلل (المعطِّل) وكان وما يزال يهدد استقراره.
إن الوقائع المتقدمة تدل دلالة واضحة على فداحة ترك العراق يواجه مصيره منفرداً بلا داعم ولا نصير، وإن التخلي عن العراق ​طيلة السنين ​الماضية؛ ​خطأ فادح لا ينبغي الاستمرار فيه، وإن مواجهة تمددات التغول الإيراني ينبغي أن تكون من نقطة انطلاقتها الأولى في العراق.
وفي مثل هذه الأيام والعراقيون يواصلون تصديهم للمشروعين الأمريكي والإيراني؛ تمر علينا هذه الذكرى الأليمة مع فقدنا لمقاوم كبير عرف بالعراق وعرف العراق به، وعمل على التعريف بقضية بلده المذبوح بسكين الاحتلال في كل المحافل الدولية (الشيخ الدكتور حارث الضاري) فقيد العراق و(فقيد أمته) كما تعارف على ذلك محبوه من أبناء الأمة؛ الذي ما فتيء يطلق تحذيراته من المشروعين البغيضين في كل محفل، حاملاً همّ الأمة وهموم وطنه، ومجسداً إياها بمواقف مشهورة ومواقف معلومة؛ شهدت السنوات الأخيرة تحقق كثيرٍ مما حذر منه وأشار إليه مراراً وتكراراً.
إن هيئة علماء المسلمين تعاهد الله سبحانه بأن تبقى متمسكة بأهدافها وبثوابتها ونهجها الذي أرساه مؤسسوها ومنشؤها، ومحافظة على خط سيرها الذي نهجه أمينها العام الراحل، ووفية لقيم الثبات والمنعة التي تميز بها هذا النهج، ومدافعة عن حرية شعبنا العراقي وكرامته وحقوقه، وراصدة كل المؤامرات التي تحاك ضده من أية جهة كانت داخلية أو خارجية، وساعية مع كل المخلصين لرفع الظلم وإحقاق الحق ونشر قيم العدل والمساواة.
وأخيراً، نحيي أبناء العراق المخلصين الذين يذودون عن حمى بلدهم بكل الطرق والوسائل الممكنة، ونكبر عالياً وقفة كل المخلصين الذين أثبتوا أنهم صمام أمان لوحدة العراق والحفاظ على هويته ومقدراته، فكانوا كما عهدناهم أمل العراقيين في التغيير والتحرير، وندعو الله تعالى لشهدائنا بالرحمة والرضوان، وما النصر إلا من عند الله العزيز القدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأمانة العامة لهيئة علماء المسلمين في العراق
20 جمادى الآخرة/ 1436هـ
9/4/2015م