رجال ومواقف: الأمانة في التجارة

رجال ومواقف: الأمانة في التجارة

 

حيدر الغدير

(1)

يونس بن عبيد – غلامٌ شاب هو ابن أخيه

يونس: يا ابن أخي.. إنَّ لي بعض ما يشغلني، وإني سأدع الدكان بين يديك حتى أعود.

الغلام: سوف أقوم بشأنه خير قيامٍ يا عمّاه.

يونس: بورك فيك يا ابن أخي.. وجزيت خيراً.. ترى هل أستطيع الاطمئنان إلى حُسنِ تصرُّفِك؟

الغلام: فلتطمئن يا عمّاه، اذهب واقضِ شغلك وعُد وأنت مطمئن.

يونس: على كلّ حال.. لن أغيب طويلاً يا ابن أخي.. إنما هي ساعةٌ من الزمان.

الغلام: كما يطيبُ لك يا عمّاه.

يونس: أوَ تعرف أثمان ما في الدكان من سِلع؟

الغلام: أعرفُ ذلك جيداً.

يونس: فحذارِ أن يستغفلك أحد.

الغلام: "ضاحكاً" لن يستغفلني أحد يا عَمِّي إن شاء الله.

يونس: وحذارِ أن تستغفلَ أحداً.

الغلام: "ضاحكاً" لا هذه.. ولا تلك.

يونس: هذه العباءات البيضاء التي إلى يمينك كم ثمن الواحدة منها؟

الغلام: أربعمئة درهم.

يونس: أصبت.. والعباءات السود التي إلى يسارك كم ثمن الواحدة منها؟

الغلام: مئتا درهم.

يونس: أصبت يا فتى.. "يضحك" يبدو أنك تاجرٌ بالفطرة يا ابن أخي..

الغلام: سأكون تاجراً كبيراً حين أصير في عمرك يا عمي!.. "يضحكان".

يونس: يا ابن أخي.. لا ترضَ للمشتري إلا ما ترضاه لنفسك، احفظ هذه الوصية جيداً.. إني الآن منصرف.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. "وقع خطاه"

الغلام: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

(2)

الغلام – أعرابي

الغلام: أيها الأعرابي.. ادخل في دكاننا هذا، فإنك تجد بضاعة طيبة. تفضل.. تفضل!..

الأعرابي: "يسمع صوت خطاه يدخل المكان" إني داخل أيها الغلام، فاصدقني في البيع.. "ضاحكاً" وتَساهَل معي في الثمن.

الغلام: مرحباً بك.. مرحباً، سوف تجد ما يسرُّك.

الأعرابي: أرِني هذه العباءة السوداء.

الغلام: خذ.. إنها ستروق لك. "يناوله شيئاً"

الأعرابي: دعني ألبسها "صوت حركة كأنه يلبس العباءة".. إنها عباءة جميلة.

الغلام: انظر إلى نفسك في المرآة.. إنك تبدو فيها شيخ قبيلة له خطرٌ وهيبة.

الأعرابي: عباءة طيبة أيها الفتى..

الغلام: طيبة جداً.. الطول مناسب، واللون جميل، والصَّنعةُ مُتقَنة.

الأعرابي: "ضاحكاً" إنك تُحسِن تزيين الكلام أيها الفتى.. كم تريد ثمناً لهذه العباءة؟

الغلام: أأعجبتكَ.. أعزمت على شرائها؟

الأعرابي: إن شاء الله.

الغلام: خذها بـ"أربعمئة درهم".

الأعرابي: قبلتُ أيها الفتى.. إنها عباءة تستحق، إليك الثمن!.. "يسمع صوت عد الدراهم".

الغلام: شكراً لك.. عباءة مبروكة إن شاء الله.

الأعرابي: إن شاء الله. السلام عليكم.. "يسمع وقع خطاه"

الغلام: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. "بصوتٍ هادئ كأنه يحدث نفسه" صفقة طيبة.

(3)

يونس بن عبيد – الأعرابي

يونس: إن العباءة السوداء التي يلبسها هذا الأعرابي من البضاعة التي في دكاني.. فلا بد أنه اشتراها من ابن أخي في غيابي. لَأسْألَنَّه. "صوته يعلو" أنت.. أنت!.. يا أخا العرب اسمعني قليلاً.

الأعرابي: "متسائلاً" خيراً يا أخي.. أي شيءٍ تريد؟

يونس: قبل كل شيء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعرابي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

يونس: عباءتك جديدة يا أخا العرب.

الأعرابي: إي والله.. لقد اشتريتها قبل قليل.

يونس: كم دفعتَ ثمناً لها؟

الأعرابي: أربعمئة درهم.

يونس: "في دهشة واستغراب" أربعمئة درهم؟

الأعرابي: لا تندهش.. عباءة جيدة اشتريتُها وأنا راضٍ بثمنها.

يونس: ولكني أنا غيرُ راضٍ.

الأعرابي: "في دهشة وتساؤل" ما أنتَ وذاك!؟ أنا اشتريتُ وأنا رضيت.

يونس: يا أخا العرب!.. إن الدكان الذي اشتريتَ منه هذه العباءة هو دكاني.. وإن الفتى الذي باعك هو ابن أخي، وإن هذه العباءة ثمنها مئتا درهم فقط.

الأعرابي: إن ابن أخيك ما غشني، عرض عليَّ هذه العباءة فسُرِرتُ بها، ودفعت ثمنها أربعمئة درهم وأنا راضٍ ومقتنع.

يونس: "في صوتٍ حادٍّ سريع" لكني والله غير راضٍ وغير مقتنع.

الأعرابي: إن هذه العباءة تساوي في بلادنا خمسمئة درهم.

يونس: لكن ثمنها في دكاني مئتا درهم فقط.. "في صوت حازم" والله لَتَذهبَنَّ معي إلى الدكان.. ولَأرُدَّنَّ لك مئتي درهم.. يا أخا العرب!.. إن النصح في الدين خيرٌ من الدنيا وما فيها. هيا بنا إلى الدكان.. هيا.

 

 

(4)

يونس – الغلام – الأعرابي

يونس: يا أخا العرب إليك مئتا درهم.. وبارك الله لك في العباءة.

الأعرابي: جزيت خيراً.. إنك والله تاجرٌ صَدوق. إني منصرف.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. "صوت وقع خطاه"

يونس: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. "صمت قصير، ثم يتحدث يونس في صوت غاضب إلى الغلام"

يونس: يا لُكَع!.. كيف تبيعه عباءة ثمنها مئتا درهم بأربعمئة درهم؟

الغلام: والله ما أخذها إلّا وهو راضٍ بها.

يونس: فأين النُّصحُ للمسلمين؟ أما تخاف الله!؟ أما تستحي!؟

الغلام: ما غششته يا عم، لقد ارتضاها بأربعمئة.

يونس: وإن يكن.. هلّا رضيتَ له بما ترضاهُ لنفسك؟  "ثم في لهجة هادئة ناصحة":

 يا ابن أخي إني والله أريد الخير لك ولنفسي.. لا تعد إلى مثل هذه الفعلة قط.. فإن النصح في الدين خيرٌ من الدنيا وما فيها.. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همِّنا ولا مبلغ علمنا.. واجعلنا من الراشدين.

*****

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين