رابطة علماء فلسطين تشارك في لقاءين بعنوان: التحكيم ودوره في تعزيز سيادة القانون

 
شاركت رابطة علماء فلسطين في لقاءين بعنوان: "التحكيم ودوره في تعزيز سيادة القانون" الذي عقده المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات يوم الاثنين الموافق 3/6/2013 في قاعة مطعم السلام بمدينة غزة، ويوم الثلاثاء الموافق 4/6/2013 في قاعة مطعم النافورة بمحافظة خان يونس، وذلك بحضور عدد من المستشارين القانونيين والمحامين ورجال الإصلاح.
 
حيث شارك النائب في المجلس التشريعي ورئيس رابطة علماء فلسطين د. سالم سلامة بورقة عمل قدمها في هذا اللقاء بعنوان: "دور رابطة علماء فلسطين في الإصلاح وتعزيز القضاء" قال فيها: " الحمد لله الذي حكم فعدل، وأمرنا بالعدل، فقال جل من قائل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل:90) وقال أيضاً: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } (النساء:58)، وليس هناك عدل على وجه الأرض إلا ما كان من عند الله سبحانه وتعالى، لأنه الأعلم بما يصلح العباد، وأن قضاءه أحكم للقضاة والمتقاضين، بل إقامة حكم الله ولو كان حداً من حدوده سبحانه خير للناس الذين يشكون قلة المطر من أن يمطروا أربعين صباحاً، أخرج الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عَنْ أَبِي زُرْعَةَ قَالَ: " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِقَامَةُ حَدٍّ بِأَرْضٍ خَيْرٌ لِأَهْلِهَا مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً "، وفي رواية الإمام ابن ماجه في سننه عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِقَامَةُ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فِي بِلَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".
       والتحكيم الشرعي يلتزم ما أنزل الله سبحانه وتعالى على رسوله محمد r من وحي، ولا ينظر إلى أي شيء من قوانين الأرض ما دام هناك نص في كتاب الله أو سنة رسول الله r ، قال تعالى: { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ } (المائدة:49) والقاعدة الشرعية: لا اجتهاد مع النص.
من أجل ذلك يهرع الناس إلى التحكيم الشرعي لأسباب كثيرة أذكرها منها على عجل:
1-      إنه حكم الله العليم الحكيم، وفيه مرضاته سبحانه وتعالى.
2- إنه لا مقارنة بينه وبين الأحكام الأرضية التي لا تراعي الأبوة ولا البنوة ولا القرابة في بعض الأحكام، خاصة في مسألة التأديب، أو الشرف أو العلم.
3-      إنه أسرع بكثير من المحاكم العادية صلحاً كانت أو بداية أو استئنافاً أو محكمة عدل عليا.
4- كثيراً ما يأتي المتخاصمان للقضاء، فنسير بهم إلى المصالحة بالرضا، وهذا أخف على النفس الإنسانية التي تقبل الأمر صلحاً ولا تقبله أحياناً قضاءً، قال تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الحجرات:9)
5- مجيء الطرفين إلى لجان الصلح والقضاء باختيارهما، بينما الذهاب إلى القضاء إما بالإكراه أو الجبر دون الرضا منهما أو من أحدهما.
6- قبول الطرفين للجان التحكيم الشرعية، صلحاً وقضاءً لما فيه من مرونة وأخذ وعطاء، وستر للمحارم والعيوب والأعراض التي يجب ألا يطلع عليها أحد إلا المحارم أو ذوي الشأن.
7- خروج الطرفين راضيين بما يكون من أحكام شرعية، فما أحله الشارع الحكيم هو حلال لك وما حرمه عليك أو حرمك منه فهو حرام عليك، ولأن عدم القبول هو رد لحكم الله سبحانه وتعالى، وقد يندرج الراد لحكم الله تحت تهديد الله ووعيده بقوله: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } (المائدة:44) وقوله أيضاً: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (المائدة:45) وقوله أيضاً: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (المائدة:47)، بالإضافة إلى أننا في لجان القضاء الشرعي، نقوم بجعل الطرفين المتخاصمين يوقعان على مشارطة التحكيم، والمسماة (سند التحكيم)، ويوقع على السند نفسه الكفيلان بتنفيذ الحكم الصادر عن لجنة القضاء الشرعية، ويجب أن يصرح المتخاصمان بقبول الكفيلين، وإلا فعلى من لا يُقْبَل كفيله أن يأتي بكفيل آخر يرضى به خصمه، لتسهيل تنفيذ القرار، كما نقوم بسماع حجتي الطرفين المشفوعة بالقسم أمام بعضهما البعض -في أغلب الحالات– وسماع الشهود –تحت اليمين الشرعية- من الطرفين أمام المتخاصمين، وجعل المتخاصمين يناقشان الشهود، ويختتم المحضر بتوقيع الطرفين، والشهود على شهادتهم.
وحتى لا يذهب عمل لجان الإصلاح، والتحكيم الشرعي سدى، وحتى لا يستطيع أحد المتخاصمين فسخ القرار عبر المحاكم العادية، اتفقنا مع المجلس الأعلى للقضاء، ومع القضاة في المحاكم على أن أي قرار يصدر من لجان التحكيم الشرعي المعتمدة، والقائمة على الخطوات المذكورة آنفاً، سيجري اعتماده، ولن يستطيع أحد من المتخاصمين أن يفسخه، وستقوم المحاكم عبر قضاتها باعتماد الحكم الشرعي، خاصة إذا كانت القضية محولة من النيابة أو المحكمة، وإذا حاول أحد المتخاصمين فسخ قرار التحكيم الشرعي، فيطلب القاضي تزويده بملف القضية، وعندها سيصدر قراره باعتماد الحكم الشرعي، وسيخسر رافع القضية بالفسخ ويتحمل مصاريف القضية كلها.
ولتسهيل العمل بالتحكيم الشرعي واعتماده، يجب على اللجان المختصة –لجان القضاء– أن تقوم بالخطوات المطلوبة لحسن السير بالقضية على أحسن وجه، ولذا قمنا بعمل ورشة وجلسات مع إخواننا في المجلس الأعلى للقضاء، واتفقنا على عمل دورات للتحكيم الشرعي ، وتدريب الأخوة القضاة الشرعيين على مراعاة طرق السير في القضية ، وأصول التحكيم حتى إصدار القرار ليعتمد القرار دون أي تأخير بإذن الله .
وللعلم ، فإن إخواننا في المجلس الأعلى للقضاء أخبرونا أنهم لا يستطيعون أن يردوا حكماً شرعياً ، ولكن قد يردون الإجراءات التي لم يقم المحكمون بمراعاتها وإتمامها لدى سيرهم في القضية . لذا يجب علينا أن نسرع في العمل لإنجاز هذه الدورات في التحكيم الشرعي حتى نخفف عن محاكمنا وقضاتنا وعن المتخاصمين نفقات التحاكم ، ونفقات المحامين الذين قد يستغلون الأمر بإطالة أمد التحاكم في المحاكم العدلية ، عبر طلب تأجيل بعض الجلسات إلى أن يأتي المحامي بشيء مما يثبت ما يذهب إليه ، وقد لا يستطيع إثبات ذلك فيكون قد ذهب الوقت، ويخسر الطرف الثاني وقتاً هو بحاجة إليه.   
لذا نحن في رابطة علماء فلسطين ، والتي استطاعت أن تفتتح خمسة وأربعين مقراً للجان الإصلاح والقضاء الشرعي  في القطاع ، واستطاعت أن تحل أكثر من (15350) خمسة عشر ألفاً وثلاثمائة وخمسين قضية ما بين قتل وقصاص وجراحات وحوادث طرق (وفاة وإصابات) ، وحقوق مالية ومعنوية ، وإرث إلى غير ذلك ، وإن كان أغلبها حل بالتراضي .
قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة " أي درجة الصيام النافلة وصدقة نافلة والصلاة النافلة " ، فقال أبو الدرداء : قلنا بلى يا رسول الله ، قال : إصلاح ذات البين ) ..
إن الإصلاح بين الناس عبادة عظيمة.. يحبها الله سبحانه وتعالى .. فالمصلـح هو ذلك الذي يبذل جهده وماله ويبذل جاهه ليصلح بين المتخاصمين .. قلبه من أحسن الناس قلوباً .. نفسه تحب الخير .. تشتاق إليه .. يبذل ماله .. ووقته . ويقع في حرج مع هـذا ومع الآخر. ويحمل هموم إخوانه ليصلح بينهما ..
كم بيت كاد أن يتهدّم .. بسبب خلاف سهل بين الزوج وزوجه .. وكاد الطلاق .. فإذا بهذا المصلح بكلمة طيبة .. ونصيحة غالية .. ومال مبذول .. يعيد المياه إلى مجاريها .. ويصلح بينهما ..
كم من قطيعة كادت أن تكون بين أخوين .. أو صديقين .. أو قريبين .. بسبب زلة أو هفوة .. وإذا بهذا المصلح يرقّع خرق الفتنة ويصلح بينهما ..
كم عصم الله بالمصلحين من دماء وأموال.. وفتن شيطانية.. كادت أن تشتعل لولا فضل الله ثم المصلحين..
فهنيئـاً لمـن وفقـه الله للإصلاح بين متخاصمين أو زوجين أو جارين أو صديقين أو شريكين أو طائفتين .. هنيئاً له .. هنيئاً له .. ثم هنيئاً له ..
إن ديننا دين عظيم .. يتشوّف إلى الصلح .. ويسعى له .. وينادي إليه .. ويحبّب لعباده درجته .. فأخبر سبحانه أن الصلح خير قال تعالى " فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما والصلح خير "
قال أنس t  ( من أصلح بين اثنين أعطـاه الله بكل كلمة عتق رقبة ) .. وقال الأوزاعي رحمه الله : ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة من إصلاح ذات البين ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءة من النار ..
أجاز الإسلام أيضاً الكذب للإصلاح بين أهل الخصومة فقـال عليه الصلاة والسلام " ليس الكـذّاب الذي يصلح بين الناس ويقول وينمي خيراً " .. قال ابن بابويه " إن الله أحب الكذب في الإصلاح وأبغض الصدق في الإفساد " فتنبهوا لذلك ..
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، عن النبيِّ r قال : (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أو لَيُوشِكَنَّ الله أَنْ يَبْعَثَ عَليْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ فَتَدْعُونَهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ )) وعن زينب رضي الله عنها : قالت يا رسولَ الله أَنهلِك وفينا الصالحون ؟ قال : (( نعم، إِذا كَثُرَ الخَبَث )) وقال تعالى { فلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ *وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } ولم يقل صالحون، وبالنظر إلى الحديث والآية، يتبين الفرق بين الصالح والمُصلح ؛ فالصالح بلا إصلاح هالكٌ مع الهالكين، بخلاف المصلح، الذي بإصلاحه تُدفع الهلكة عن العباد والبلاد .
قال ابن القيم (( وأيُّ دين، وأي خيرٍ فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تُضيع ودينه يترك وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها، وهو بارد القلب ساكت اللسان شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياستهم فلا مبالاة بما جرى على الدين، وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نُوزع في بعض مافيه غضاضة عليه، في جاهه أو ماله، بذل وتبذل وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه، وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم، قد بُلوا في الدنيا بأعظم بليةٍ تكون، وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم، كان غضبه لله ورسوله أقوى، وانتصاره للدين أكمل ))
وإن كنتَ ممن في قلبه حُرقةٌ على الواقع، واهتمام بأمر المسلمين، أضع بين يديكَ بعض وسائل الإصلاح للمجتمع الذي نحن نعيش فيه، فأنت المسؤول عن أي منكر علمت به، سواء بسكوتكَ عنه أو عدم إنكاركَ له، أو حتى في التواني في استغلال وسائل الإصلاح لتغيير ذلك المنكر .
ولا شك أن الأصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الفور، قال القرافي رحمه الله تعالى : (( قال العلماء : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الفور إجماعاً، فمن أمكنه أن يأمر بمعروف وجب
عليه )) وأُذكركَ بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً (( إن الله ليسأل العبد يوم القيامة حتى يقول : ما منعكَ إذا رأيت المنكر أن تنكر؟!))
وعلى المصلح أن يتأدب بآداب الإصلاح ومن أعظمها :
1 ـ أن يخلص النية لله فلا يبتغي بصلحه مالاً أو جاهاً أو رياء أو سمعة وإنما يقصد بعمله وجه الله " ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً
2 ـ وعليه أيضا أن يتحرّى العدل ليحذر كل الحذر من الظلم " فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين " .
3 ـ ليكن صلحك مبنياً على علم شرعي وحبذا أن تشاور العلماء في ذلك وأن تدرس القضية من جميع جوانبها وأن تسع كلام كل واحد منهما ..
4 ـ لا تتعجل في حكمك وتريّث الأمر فالعجلة قد يُفسد فيها المصلح أكثر مما أصلح !!
5 ـ عليك أن تختار الوقت المناسب للصلح بين المتخاصمين بمعنى أنك لا تأتي للإصلاح حتى تبرد القضية ويخف حدة النزاع وينطفئ نار الغضب ثم بعد ذلك تصلح بينهما .
6 ـ والأهم أيضا التلطّف في العبارة فتقول : يا أبا فلان أنت معروف بكذا وكذا وتذكر محامده ومحاسن أعماله ويجوز لك التوسع في الكلام ولو كنت كاذباً ثم تحذّره من فساد ذات البين وأنها هي الحارقة تحرق الدين .. فالعداوة والبغضاء لا خير فيها والنبي عليه الصلاة والسلام قال " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فيعرض هذا ويعرض هذا " ثم قال عليه السلام " وخيرهما الذي يبدأ بالسلام "
واجبنا تجاه المصلح
علينا أحبتي في الله إذا أتانا المصلح .. الذي يريد الإصلاح .. أن نفتح له أبوابنا وقلوبنا وأن ندعو له وأن نقول له : جزاك الله عنا خيرا .. ثم بعد ذلك نكون سهلين في يده .. نكـون ليّنين في يده .. وإذا طلب منا طلباً أو طلب منا أن نتنازل عن شي فعلينا أن نُقبل إلى ذلك ..
ولا ننسى أن الأصل هو حكم الله سبحانه وتعالى ، وأن القضاء في المحاكم العدلية هو مقتبس في أغلبه من الأحكام الإسلامية .
وأما واقع التحكيم الشرعي في قطاعنا ، فلا يخفى عليكم أن المحاكم غصت بالمتخاصمين ، نظراً لسوء الأحوال الاقتصادية ، وازداد سوءاً مع شدة الحصار الذي يشترك فيه وللأسف العدو مع بني العروبة والإسلام ، وزاد الطين بلة استنكاف أغلب القضاة وأغلب النيابة العامة ، بالإضافة إلى عدم الوفاء بالدين ، وإصدار شيكات مستقبلية على أمل أن يكون هناك عمل ، ويتحسن الوضع ، وتصرفِ الزوج بذهب زوجته بإذنها أو بدون إذنها ، فإنما هو حق لها تطالبه به متى شاءت ، وكثرة الحوادث المرورية ، خاصة الدراجات النارية ، ومركبات ما يسمى بالتكتك ، والسيارات غير المرخصة ولا المؤمنة والسائقين بدون رخصة ، فترفع هذه القضايا إلى المحاكم ، ولذا فنرجو من النيابة أن لا تسرع برفع القضية إلى المحاكم والقضاء ، حتى يأخذ رجال الإصلاح دورهم في تقريب وجهات النظر ، وتخفيف الأمر بالنسبة للحق الخاص ، ويتبقى الحق العام ، وهذا يترك للنيابة والقضاء أن يمضوا فيه الحكم المنصوص عليه في القوانين الفلسطينية .
ولذا نهيب بالمواطنين أن يتحروا الأمور الشرعية في المعاملات أيضاً ، حتى يثبتوا حقوقهم ، ولا تضيع أموالهم ولا جراحاتهم دون أن توثق القضايا المالية والجراحية ، وهذا مما يسهل ويسرع في إنجاز القضية وإنهاء المعاملة. قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة:282) والله أعلى وأعلم وأحكم، وصل اللهم علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ".