رابطة العلماء السوريين تعزي الأمة الإسلامية بوفاة علامة الفكر والدعوة والتربية الأستاذ الكبير محمد قطب

 

تتقدم رابطة العلماء السوريين للأمة الإسلامية الكبرى في مشارق الأرض ومغاربها بأصدق التعازي بوفاة العالم المفكر  الكبير والداعية  القدير والمجاهد بفكره وقلمه الأستاذ محد قطب الذي وافته المنية صباح يوم    الجمعة (رابع جمادى الآخرة سنة 1435هـ رابع نيسان سنة 2014م) عن قرابة مائة عام ،وصلى الناس عليه عشاء في الحرم المكي الشريف الذي جاوره لأكثر من أربعين عاما مدرسا  ومحاضرا وكاتبا منقطعا في محراب العلم والفكر والدعوة إلى الله على بصيرة.

 

لقد ودعت الأمة بوفاته قطبًا من أقطابها، وعلمًا من أعلامها، وقلمًا من أقلامها، ونجمًا من نجومها، وَهَبَ عمره من أوله إلى آخره لها ولدينها، ودعوتها وثقافتها، وحضارتها وتراثها.

ودعت الأمة هذا المفكر الكبير بعد حياة حافلة في خدمة الفكرة الإسلامية والدعوة الإسلامية، ولقد لقي ما لقي، وقاسى ما قاسى، في سبيل دعوته وفكرته؛ دخل السجن، وسُقِي المر، وتحمَّل الأذى، وتلقى نبأ قتل الظالمين أخاه سيد قطب صاحب (العدالة) و(الظلال) و(خصائص التصور الإسلامي ومقوماته)، بصبر جميل ،فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. وردد ما قاله يعقوب: { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } [يوسف:18].

 

كان محمد قطب آخر عضو في أسرة قطب إبراهيم، وهم أطياف أربعة: سيد، ومحمد، وأمينة، وحميدة. وكانوا كلهم من أصحاب القلم، ومن أهل الفكر والدعوة إلى الإسلام.

 

كان أول كتاب قدمه في عالم الفكر والتأليف هو: (الإنسان بين المادية والإسلام). فدّل على أصالةٍ في فكره، وتمكُّن في علمٍه، ونبوغٍ في مواهبه.

وما زال - بعد استشهاد أخيه سيد -   يحمل الراية، ويمد المكتبة الإسلامية بكتبه الإسلامية ، وكلها قذائف في وجه الباطل، وكواكب في سماء الحق، ويمد الجامعات بما يمد به شبابها من فكر وثقافة، حتى استقرَّ به المقام في مكة -حرسها الله- يدرِّس لشبابها، ويهيئهم لحمل أمانة العلم والدعوة ، وقد تتلمذ عليه كثيرون، ونهلوا من علمه وفكره وبصيرته.

 

وقدم للمكتبة الإسلامية روائع الفكر، فكتب بعد كتابه الأول: " الإنسان بين المادية والإسلام": (شبهات حول الإسلام)، و(منهج التربية الإسلامية)، و(منهج الفن الإسلامي)، و(جاهلية القرن العشرين). ،و  (واقعنا المعاصر)، و(مذاهب فكرية معاصرة)، و(كيف نكتب التاريخ الإسلامي)، و(دراسات قرآنية)، و(حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية)، و(مفاهيم ينبغي أن تصحح) وغيرها.

ومن أهم كتبه (منهج التربية الإسلامية) بجزئيه، وقد نال على تأليفه لهذا الكتاب جائزة الملك فيصل، وهو جدير بذلك.

 

انتقل في أوائل السبعينيات الميلادية مدرسًا في قسم الدراسات العليا بجامعة الملك عبد العزيز بمكة، والتي سميت بعدُ بجامعة (أم القرى)، واستفاد منه طلابه، وتعلقوا به، وأنزلته المملكة  منزلته، التي يستحقها، فكان محاضرًا في كل الجامعات وشتى المناسبات، وحظيت كتبه بالشهرة والانتشار، وطلب منه وزير التعليم العالي الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ بإشارة من الأستاذ محمد المبارك أن يكتب (منهاج التوحيد) لطلاب الثانوية، فألف كتاب (التوحيد) بأجزائه الثلاثة، وقرأه ألوف الطلاب وانتفعوا به، وقد أخرج فيما بعد كتبه التي كتبها في منهج التوحيد إلى كتاب سماه: "ركائز الإيمان"، وهو من كتبه التي يستفاد منها كسائر كتبه.

إن محمد قطب- بكتبه المتنوعة في موضوعاتها وموادها، أو في محاضراته الشائقة المركزة وفي إنتاجه الغزير- أصبح يمثِّل مدرسة إسلامية في الدعوة والتربية، والحوار والفكر الإسلامي، الذي يتميز بالأسلوب النيِّر، الذي يخاطب العقل، ويحرك العاطفة، ويحاور الآخر، ويرد على الغرب، كما يرد على المخالفين، ويثير في الشباب اعتزازًا خالصًا للإسلام، وتكاتفا عليه، وجهادا في سبيله، ورفضا لما سواه.

كان محمد قطب - كما قال الدكتور القرضاوي- في عالم الدعوة والثقافة الإسلامية في دنيا المسلمين: نورًا يهدي، وغيثًا يُحيي، وروحًا يسري، وصوتًا يدوِّي، وعزمًا يقوّي، وشمسًا تشرق، وشهابًا يثقب ويحرق، ولكنه لا يحرق إلا الشياطين.

اللهم ارحم آل قطب الأبرار، وارحم محمد قطب واغفر له، وعافه واعف عنه، وتقبل منه، واكتبه في عبادك المرضيين، وعلمائك العاملين، ودعاتك الصادقين، وأسكنه الفردوس الأعلى، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، واحشرنا في زمرتهم يا رب العالمين.