خواطر في زمن الثورة (6)

لسنا بِدْعاً بين الشعوب ..

ما طالَب قومٌ بما نُطالِب به إلا ولَقوا مثل ما نَلْقى!

أن يتملكنا الإحساس بتَمَيُّز معاناتنا وتفردها، واِستثنائية فواجعنا.. فإن هذا يجعلنا نشعر بالمصيبة مضاعفة، وباليأس قاسياً شائكاً مؤلماً، فضلاً عن كون ذلك يخالف الحقيقة والواقع والتاريخ ..

نحن لسنا بِدْعاً من الناس ..لقد عاشت شعوب كثيرة، هذه الفواجع وخلال سنوات طويلة، ممن هم حولنا، في لبنان، في فلسطين، في العراق ، في البوسنة، في كوسوفا.. كما في أنحاء كثيرة من هذه الأرض المُثقلة بالظلم اليوم.

يمضي القتلة ، وتبقى الشعوب.. وتجيء في كل مرة، من الموت، و تحيا!

إذا تَطَّلعنا، إلى ما حدث في تشيلي -على سبيل المثال- واِنتفاضة شعبها ضد الديكتاتورية في الستينات من القرن الماضي، أو في إسبانيا خلال حربها الأهلية المُروّعة في الثلاثينات، أو في الجزائر وكفاحها العظيم ضدّ الاِستعمار والاِستلاب خلال 130 عاماً، أو في لبنان خلال مأساته سبعة عشر عاماً ، يعاني اِرتدادات الحرب الباردة، والتي لم تكن باردة إلا في عُقر دار مؤججيها فقط!..

لفهمنا أننا لسنا اِستثناءاً من البشر، وأن من قوانين الحياة على هذه الأرض، أن الحرية باهظة الثمن ، وكلما سكت الناس على الظلم كلما اِرتفع ثمن الحرية ..واِرتفعت فاتورة التضحيات .

ما يحدث في سورية وليبيا اليوم، وما رأيناه وعشناه في عصرنا هذا، من الابتلاءات العظيمة، والمحن المهولة، في كل من البوسنة والهرسك وكوسوفا وميانمار والعراق ولبنان وفلسطين وليبيا ، و مختلف بلاد إفريقيا وأمريكا اللاتينية .. ليس إلا التجلي الأوضح للحالة الاِستعمارية التي عمّت وطمّت في القرن العشرين، وللحرب البينية بين أجنحة المجتمع الاِستعماري الدولي، شرقه وغربه، في بلاد المُسْتَعْمَرين، لضمان الأمن والرفاهية والاِزدهار في بلادهم!

إذا اِستطعنا التَّسامي ولو قليلا فوق الألم، يمكننا أن نرى محنتنا، حلقة في سياق سلسلة من مِحَنِ أممٍ سكتت طويلاً عن طُغاتها الفاسدين العُملاء، المُنهمكين في نهب وقمع شعوبهم، لصالح أسيادهم.

شعوب تحمل بِدَوْرِها وِزْر الصمت، والرُكون إلى الظلم والظالمين، من كل نوع وفصيلة، على المستوى السياسي والاِجتماعي والفردي.

ضريبة السكوت عن الظالمين باهظة جداً، وضريبة اِرتكاس الشعوب وإخلادِها إلى الأرض، كالزواحف وذوات الأرجل المفصلية .. أكبر!

رضى الإنسان بالاِنخلاع عن إنسانيته، وتنكبه عن حراسة وحماية حريته وكرامته.. جرائم تفوق في بشاعتها جرائم الطغاة المجرمين!

رؤية المحنة في سياق التاريخ البشري، يخفف من وقع الكارثة..ويعين على تلمس الطريق الصحيح!

كل الشعوب اِبتُلَيت في حريتها وعانَت وصبرت .. كافرها ومؤمنها، وسارت على الجراح والتضحيات حتى اِنتَزَعَت كرامتها من براثن الأغوال.

نحن لسنا بِدعاً من الخَلْق ..فمن آمن واِحتَسَب وتَصَبَّر وحافظ على عهد الشهداء والمُبتَلين، فلَه الأجر والثواب وإحدى الحُسنيين عاجلاً أم آجلاً، ومن نَكَصَ فإنما يَنْكِص على عقبيه ولن يضرنا ولن يضر ربه شيئاً.

صبراً ..صبراً، ثباتاً ..ثباتاً، ولِنَسْتَعِن بالله ولا نعجز.

ولا نكونن ممن إذا مَسَّهُم الخير يَمنَعون، وإذا مَسَّهُم الشَّرّ يَجْزَعون، فلا يعرفون أسفل الوادي من أعلاه!

علينا بالتَّواصي بالصبر والاِحتساب، وكلٌ يبذل ما يستطيع، من نفس أو مال أو مساعدة أو كلمة حق وخير، أو فَلْيُعيرَنّ النَّاس صمته، وليكفْهِم شرَّ ما يُحاك في صدره.

من اِستشهد فقد فاز ونجا.

من اِبتُلي فَحَسبُه الله لا إله إلا هو.

ومن بقي فعليه الاِستمرار في المسير ..حتى النهاية.

#خواطرفي زمن الثورة نوال_السباعي // الجزء الأول

#رتقٌ على جراح_الذاكرة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين