خصائص التربية النبويَّة (2)

التدرُّج في الأمور:

من خصائص التربية النبويَّة أنها تتناول الأشياء تدريجياً بالتعاقب بين ما يبتدأ به، وما ينتهى إليه، فلا تتناول الأمور فجأة وإنما تتناولها بالترتيب والتعقيب وهو ما خصَّه الله تعالى به في تربيته الإنسانيَّة، وأجلى مظاهر ذلك تكوین الهيكل الإسلاميّ من حين أنَّه ابتدأ أمراً خفيَّاً إلى أن أصبح قوة تستوعب العرب ثم إنَّها تستوعب الأمم.

فدعوته الكريمة انقسمت من أجل ذلك إلى ثلاثة أطوار أصلية، كما هو قريب من الأطوار الإنسانيَّة إذ الإنسان يتدرج في ظهوره من كونه جنيناً إلى كونه غلاماً وإلى كونه ناشئاً إلى أن يصبح هَرِماً.

فالطور الأول للدعوة وهو ما كان في ظروف لا تسمح لها أن تنشر إلا في محيط خاص فكان النواة الأولى، والبذرة الصالحة للإسلام ودام طور سرية الدعوة ثلاث سنوات كان فيها الدين يتدرج كما يتدرج الصبي في مشيته.

وأتى بعده طور الجهر بالدعوة، وهو في ذاته ترتيبي إذ ابتدأ الأمر بالجهر بالدعوة بإنذار العشيرة في خصوص الأقربين: ﴿وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ٢١٤ وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ٢١٥ فَإِنۡ عَصَوۡكَ فَقُلۡ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تَعۡمَلُونَ٢١٦ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ٢١٧﴾[الشعراء:214-217]

فالجهر بالدعوة تركز أولاً على إنذار عشيرته الأقربين لأمرين:

أولها: التدرُّج في الدعوة لتستوعب من تحلُّ قلبَه الهدايةُ من أقاربه ليمتاز المتفهِّمون من ذويه صلى الله عليه وآله وسلم لدين الله المبعوث به خاتم الأنبياء من غيرهم حتى يكون جوه العائلي قد نقده الظرف الذي ابتدأت فيه الدعوة تظهر في ثوب آخر، وهو الجهر بها.

وثانيها: أنَّ التبليغ إذا كان في الأقارب يوقع في الأذهان أنَّ دعوة الإسلام من أعزِّ ما تنطوي عليه الجوانح إيماناً لأنها إذا انتشرت في الاقارب الأدنين كان ذلك دليلاً على صدق مُبلِّغها لأنه لو كان فيه مَغْمز لعلمه أقاربه.

فإقبالهم على الدعوة عنوان على صفائها، وتبرئتها من الشوائب فالترتيب في خطوات الدعوة سر، وإظهار للدعوة في ظروف مهيئة لها الانتشار الواسع، وإعداد القلوب لقبولها.

وما جاءت المقاومة حين اتسعت خطى الدعوة حتى نبتت الجذور، وأصبح الاقتلاع ليس بالأمر السهل.

فكانت كل المحاولات لإحباط انتشار الإسلام محاولات فاشلة باءت بالخيبة والخسران فلم تؤثر في الوقوف في وجهه.

ثم جاء انتقال الإسلام من مكة إلى المدينة لأنَّ أرضها خصبة للدخول في الإسلام، فكانت الهجرة فُرقاناً بين الحقِّ والباطل وخطا الإسلام خطواته في الهجرة على تدرُّج يناسب الهجرة إلى أن جاء نصر الله ودخل الناس في دين الله أفواجاً وأصبح الإسلام مزدهراً.

كانت أطوار الدعوة تربية للمجتمع الإسلاميّ في كونه يأخذ بالتدرج في إقامة أموره، وبذلك يبني الصروح العالية، ولهذا لم يأذن عمر في التوغل في أفريقية لعمرو بن العاص وما ذكره صاحب معجم البلدان من أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص: «لا تدخل أفريقية فإنها مفرقة كأهلها غير مجتمعة، ماؤها قاس ما شربه أحد من العالمين إلا قست قلوبهم»، لم يبعثه على ذلك التطير باسمها، وإنما أراد أن يحافظ على جيوش المسلمين، خوفا من التطويح بهم دون أن يحتاط في الأمر.

انتهاج منهج التدرج:

ما انفكَّ قادة المسلمين عن دخول عظائم الأمور إلا بعد التهيئة، والاستعداد التام، وكان ذلك في عصور متعددة. ومما يذكر من الأخذ بالتربية النبويَّة الداعية إلى أن الإقدام على الشيء إنما يكون بالتدرج للوصول إلى الأهداف، وبلوغها على وجهها الصحيح ما أثبته المؤرخون من حياة عبد المؤمن بن علي فإنه خاض معركة من أكبر المعارك في اطراد الرومان(*) من بلاد المغرب عندما تمركزوا في شطوط أفريقية وتملكوا أكثرها، وكاد استيلاؤهم يأتي على أفريقية حين استعد الاستعداد التام فكانت جيوشه العظيمة تقطع المسافات البعيدة. وقد مهدت لها الوسائل الكافية لبلوغ الغايات. [ (*) وهم السكندينافيون الغزاة البحريون، ومنهم روجر الغول الذي فتح صقلية وأقام مملكة صقلية. ومنها استحوذ الورمان على سواحل افريقية أنظر فيما يتعلق بالنورمان الموسوعة العربية الميسرة]

وبذلك أنقذ المهدية، وحاصرها برا وبحرا باسطول عظيم أعدَّه لغرض إنقاذها، فتمَّ له ذلك رغم حصانتها وقوة أسوارها مما جعلها أعز من بيض الأنوق ومع ذلك أنقذها من مخالب أولئك المتسلطين.

كان فتح المهدية في سنة (555) وقد ذكر النحاني في رحلة الجيش العظيم المنظم الذي سار به عبد المؤمن بن علي لفتح المهدية وما ذكره أن الجيش في سيره كان أميالاً لطوله. وكان هذا الجيش بتكبيرة إمام واحد، ولا يتخلف منه أحد. [انظر ص /346].

وتم له مراده، وأنقذت أفريقية من الكفر، فلم تلحق بصقلية التي ضاعت على المسلمين في عصور القهقرى.

ولما تأخر العالم الإسلاميُّ وغطَّ في نومة الجهل والتأخُّر، والبعد عن فهم مبادىء الإسلام في تنشئته الشعوب باغتته المدنيَّة الغربية فانبهر لها وأراد اللحاق بها، غير أنه أراد الوصول إليها فجأة دون قطع المراحل اللازمة، ظاناً أنَّ اللحاق بالمدنية الغربية إنما يكون باشتراء ما تخرجه مصانعها فأقبل عليها بنهم. فلم يستفد منها وتلاشت بين يديه، وضاعت في ذلك أموال طائلة.

وقد تنبَّه لعدم فائدة الارتماء في الأخذ بأسباب المدنيَّة الحديثة دون أن يكون هناك إطار صالح للأخذ بها الشيخ الوزير أحمد بن أبي الضياف (1291) الجدير بأن يلقب بابن خلدون الثاني في كتابه: (إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان).

فكتب فصولاً تعمَّق فيها غاية التعمق بيَّن فيها كيف وصل الإفرنج إلى مدينتهم الباهرة وهو: (تدرج عقلاء الإفرنج في أسباب العمران سبب النجاح فيما وصلوا إليه).

وانظر حال الإفرنج الذين بلغ العمران في بلدانهم غاية يكاد السامع أن لا يصدق بها إلا بعد المشاهدة كيف تدرجوا في أسبابه تدرجاً معقولاً، فإنهم أسسوا قوانین عدل، حتى استقرَّ الأمن وذاقوا لذاته، وتفيئوا ظلاله، فأقبلوا على شؤونهم واشتغلوا بما يوسع دائرة عيشهم وثروتهم، فقوي الأمل واستقام العمل فدعتهم الحاجة إلى كثرته فجعلوا المعامل لالآت الغزل والنسيج وتليين الحديد، حتى إنهم تصرفوا فيه تصرف النجار في لين أخشابه، وغير ذلك مما توفر الدواعي على الاحتياج إليه، فكثر المصنوع فاحتاجوا إلى إنفاقه بالبيع والشراء خارج بلدانهم وأعوز شيء على ذلك الخلطة فسهلوا طرقها في البحر بالسفن الجارية وفي البر بأمن السبل وتمهيد الطرقات، حتى صارت العجلات تصل إلى كل موضوع وتسير في قنن الجبال سيرها في البسائط ثم جعلوا أماكن لتبديل ما يجرها من الحيوانات طلباً للسرعة فطوت كثير المراحل في قليل الزمن.

وجعلوا البريد يحمل مكاتیب الخلطاء تسهيلاً لأسباب الخلطة، ولما أفعمت عندهم سيول العمران والحضارة جعلوا طريق الجديد، تطير به العجلات، بالبخار، حتى كادت أن تصير بلدانهم داراً واحدة.

واقتضت نهاية الحضارة ونقل الأخبار بجذب المغناطيس المسمى بالتلغراف [كان اختراع التلغراف (البرق) سنة 1256]، وهو من أعاجيب الدنيا، ومظهر من آثار العقول الصافية، الناشئة في مهد الأمن، المغذية بلبان الحرية، حتى إن الإنكليز جعلوه في البحر الكبير، فانقطع فأعادوه ثم انقطع فاعادوه، وذلك من مال أغنيائهم لا من مال دولتهم، وكان فعلهم ابتغاء للربح من الأجر على نقل الخبر وهم يربحون منه الآن الربح الذريع، والله أعلم ما وراء ذلك مما أهَّلَ الله له النوع الإنسانيَّ.

وهذا التدرج هو الذي أعانهم على ما يطلبونه من العمران وسهَّل عليهم أسباب الحضارة من غير تكلف، وذلك أنَّ الأمر الضروري - إذا تمَّ على أحسن حال، طلب بطبيعة الأمر الحاجي: لما في الطباع من طلب التزيد، فإذا تم طلب بطبعه أول درجات التحسين، ولم يزل يتدرج فيه بحسب قبوله واستعداده ولو طمحت أنظارهم إلى التحسين من أول الأمر ما حصلوا هذه الدرجة، وهذا معلوم بالمشاهدة، فانظر إلى التلغراف بهذه الحاضرة التونسية فإنَّ دخله ربما لا يفي بأجر من فيه من العملة وانظر إلى مثله في بلدان أوروبا.

ومن استعجل الشيء قبل إبانه، عوقب بحرمانه - سنة الله في عباده وبلاده. [الاتحاف ج1 ص/72 ط2].

يری ابن أبي الضياف أن الحضارة لا تَينع، ولا تؤتي أكلها إلا إذا كانت هناك حرية تنطلق فيها الأفكار إبداعاً واختراعاً.

وبنى نظريته المتقدمة على الحياة الأوروبية التي ما عرفت تقدم الحضارة إلا بعد ما حصلت على الحرية في شعوبها، وركز على إنكلترا التي نمت فيها الحضارة واتسع مداها أكثر من غيرها.

ولعله إنما ركَّز عليها لأن حريتها حصلت تدريجية، ولم يجرِ في أرضها من الدماء ما جرى في أرض فرنسا.

وليس الأمر مقصوراً على أوروبا في الحرية فإنَّ المسلمين في عصورهم الذهبية تمتعوا بحرية في ظلِّ الإسلام لم يتمتع بها جيل مثلهم، ولذلك استطاعوا أن يرتفعوا بالمدنيَّة الإسلاميَّة إلى القمة وأن يكونوا قادة الدنيا.

اغتنام الفرص الحياتيَّة للتربية:

وتختص التربية النبويَّة بأنها تغتنم بعض الفرص لإبداء تربية خاصة مثل اغتنام فرص تأبير النخل التي رمت إلى غاية بعيدة تظهر من التمعُّن فيما رواه لنا الحديث النبويُّ، وهو عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم سمع أصواتاً فقال: ما هذا الصوت؟ قالوا: النخل يؤبرونها. فقال: لو لم يفعلوا يصلح. فلم يؤبروا عامئذ: فصار شيصا [الشيص التمر لا يشتد نواه]، فذكروا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إن كان شيئا من أمر دنیاكم فشأنكم به، وإن كان من أمور دينكم فإليَّ) ابن ماجه ج 2 ص /852.

وأوضح من هذا الحديث ما رواه سمَّاك من أنه سمع موسى بن طلحة بن عبيد الله يحدث عن أبيه قال: مررت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فرأى قوماً يلقِّحون النخل فقال: ما يصنع هؤلاء؟

قالوا: يأخذون من الذكر فيجعلونه في الأنثى، قال: ما أظن ذلك يغني شيئاً، فبلغهم فتركوه فنزلوا عنها.

فبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنما هو الظن إن كان يغني شيئاً فاصنعوه فإنما أنا بشر مثلكم، وإن الظن يخطىء ويصيب، ولكن ما قلت لكم قال الله فلن أكذب على الله. رواه ابن ماجه ج 2 ص / 825.

حرَّض هذان الحديثان على تربية حيويَّة لا معدل عنها في حياة الإنسان وهي إجراء التجارب فيما يعرض من الأمور استجلاء للحقيقة، واستطلاعاً على باطن الأمور، والتجربة اختبار الأشياء والغوص فيها حتى يتبين ما كان خافياً عن الأنظار ويتضح اتضاح النهار.

وهي أصل في الحياة كلها فإذا ما خلت عن التجربة كانت الحقائق منقلبة، والمعرفة مفقودة إذ كيف يتجلى باطن الشيء دون إجراء التجربة عليه.

فهذان الحديثان أوضحا للصحابة رضوان الله عليهم أن الأشياء قبل إجراء التجربة عليها من قبيل الظنون وهو شأن البشر فإنهم أمام ظنون لا تتميز صحتها من سقيمها، ولا تتجلى خفياتها إلا بعد التجربة.

فالتأبير للمزروعات الذي هو من صنع الإنسان أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يوضح للصحابة أنَّه قبل التجربة من قبيل الظنون كما جاء في إحدى روايات الحديث: (ما أظن ذلك يغني شيئاً).

والظنون الترددات الراجحة بين طرفي الاعتقاد غير الجازم، منها ما هو يثبته الواقع ومنها ما يزيفه الاختبار: فالتظني في مقام التردد لا يجدي نفعاً، فلا بد من اجتلاء الحقيقة الناصعة تمييزاً بين الصحيح والسقيم.

ولإبعادهم عن التظني أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمراً حيوياً تتوقف عليه المعيشة وهو استصلاح النخل بالتأبير فذكر أن التأبير يظن أنه لا يعني شيئاً.

وبمقولته هذه عرض عليهم الظن في موقف من أدق المواقف لكي يقفوا على الاختبار، فحين اختبروا ذلك اتضح لهم أن الظن لا يغني شيئاً إلا بعد الاختبار.

وبعد تجربتهم أجلى لهم فائدة استجلاء الأمور مما يؤدي إلى اتضاح ما كان محل تردد أو توقف فقال: «إنما هو الظن، إن كان يغني شيئا فاصنعوه»، أي: اختبروا أموركم كلها عند التردد والموقف غير القار، فما أجلاه الاختبار وأبان صحته فخذوه وما كان غير ذلك فدعوه.

دعاهم إلى أنَّ الأخذ بالشيء أو تركه موقَّف على ما يتجلى من صحة وغيرها فما بانت فخذوا به، وما لم تتضح صِحَّتُه فدعوه.

والآخذون بهذا القانون الإنسانيِّ هم أقوم البشر على الطريقة لأنَّ مواقفهم مُتضحة جليَّة لا لبس فيها ولا التواء.

فالساسة الذين غاصُوا على الحقائق واتبعوها وساروا على منهاجها الواضح لا تلتوي عليهم الوقائع وبذلك يسلمون من الخطأ فترتاح لهم النفوس وتجري أحكامهم على ما يرضي.

والممتاز من الرجال هو العارف المجرِّب للناس فلا يغتر بالظواهر لعرفانه بالدخائل، فلا يطمع في غفلاته، ولا يخاتل.

ولم تهمل اللغة الاعتناء بالمجرَّب فأطلقت عليه المحنَّك وهو الذي أحكمته التجارب، والأمور ومثل المحنك الحينك.

وإنما دفع الحديث المتقدم إلى التجربة لأنها من أهم أسباب التفهم للروح الحقيقية للبحث العلمي فأمر الطبيعة إذا كان مبنيَّة على النظريات - وهي ظنون في ظنون لم تَسْبِرْها التجربة ولا البحث الكاشف - مآله إلى الركود الفكري فيجمد العقل فلا يخطو أية خطوة لاستنباط القوانين الصحيحة في أي فنٍّ وعلم.

ومن البلية أننا في عصور التدني التي مرَّت بالعالم الإسلامي أغفلت الحنكة وتلقاها من انعكاسات النور الإسلامي غيرنا فاستفادوا منها أيما استفادة، فهذا (غاليليو) بتجربته من البرج المائل في (بيزا) حين أرسل جسمين أحدها يزن مائة رطل والآخر يزن رطلاً واحداً يسقطان بسرعة واحدة خلافا لتعاليم (أرسطو).

وحطَّم هذا المحنَّك تعليماً عشَّش في الأذهان قروناً وهو باطل ولو أراد أحدٌ اختباره لاتَّضح له سقمه لكنَّ الغفلة عن التجربة أدَّت إلى أنَّ الرأي السقيم الصادر عن (أرسطو) عمَّر قروناً مُتطاولة إلى أنَّ جاء هذا النابغة فأبدى أنه لا يتصل بالواقع بأدنی سبب، وبذلك انساق العلماء بعده إلى ضرورية التجربة في الأشياء حتى يقرها الاختبار العميق، ويبرزها مجلاة في ثوب الحقيقة.

فما دعا إليه العالم الإيطالي (غاليلو) أرشدنا إليه ديننا الحنيف ونبَّهنا إليه تنبيهاً يوقظ العقل ويدعو إلى الغوص إلى الأعماق منذ قرون سابقة، وإنما غفلة المسلمين في قرون سير القهقرى هي التي وقفت بالعقول وحالت دونها فلم تستفدْ من التربية النبويَّة الاستفادة الحقَّة.

يحتار العقل حين يرى ترك الاختبار مع أن القرآن يرى في الوقائع ما هو اختبار كما جاء في غزوة أحد.

﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: 179] فالله سبحانه وتعالى أرى المسلمين بهذا الاختبار ما تظهر به المنطويات في النفوس من الإيمان أو النفاق وبذلك يتميَّز الخبيث من الطيب.

فهو تعريف وإرشاد إلى الاختبار بالتجربة فما كان مُجدياً في التفرقة بين الرجال لمعرفة الخبيث من الطيب منهم هو مُجْدٍ في كل شيء حتى لا تتعمَّر العقول بالخرافات وهو ما طبَّقه ابن خلدون في علم التاريخ في تاريخه بعرض الحقائق التاريخيَّة على الاختبار العقلي.

للمقالة تتمة في الجزء التالي.

المصدر: المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة النبويَّة، الدوحة، محرم 1400هـ.

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين