الأستاذ الدكتور الشيخ منير محمد الغضبان في ذمة الله
وترجل شيخنا وأخونا وأستاذنا أبو عامر وأبو عتبة؛ د. محمد منير غضبان، صاحب المؤلفات القيمة الكثيرة في الفكر الإسلامي المعاصر، الذي أغنى المكتبة الإسلامية بعدد كبير جداً من الكتب الأصيلة. اللهم لا تفتنّا بعده، ولا تحرمنا اجره واغفر لنا وله، واكتب لنا وله يا رب أجر المجاهدين المهاجرين، وعوّض أهله والمسلمين خيراً. اللهم تلقه بالبشرى والسرور، والأمن والأمان، واجعل قبره روضة من رياض الجنة، وصبّرنا وأهله ومحبيه. إنا لله وإنا إليه راجعون. أعظم الله أجر أحبتي أولاد الفقيد عامر وعتبة، وأجر أستاذنا الفاضل شقيق الفقيد المربي الفاضل أبي نجيب وولديه نجيب وحسام غضبان. وأعظم الله أجر آل غضبان حيثما كانوا بفقد علم من أعلام الأمة ورمز من رموز الحركة الإسلامية المعاصرة، إنا لله وإنا إليه راجعون. وهذا حوار معه
الشّيخ منير الغضبان.. شيخ منير حقّاً.. ولكنّه ليس غضبان أبداً.. فهو دائم الابتسامة، حاضر البديهة، فكه الطرفة.. عرفته ساحات العلم –مساجد وجامعات- غزير الإنتاج، متّصل العطاء، يُلامس بأبحاثه ومؤلّفاته ما يستجدّ على السّاحة الإسلاميّة من معضلات تتطلّب حلولاً..
ومن مستجدّات تستوجب اجتهاداً فقهياً يقوم على دعائم من فكر "منير" معاصر، وقلب ذكي ينفذ إلى أعماق المسائل المطروحة فيخرج بأصداف الحوارات واللآلئ والآراء.
أما ميدان الدّعوة فقد كان شيخنا في موقع الصّدارة منه، إذ شغل المواقع المتقدّمة فيه.. في فترة من أحلك ليالي المحنة فلم يبخل بعطاء، ولم يضنّ بجهد أوجهاد..
طرحنا بين يديه هذه النّقاط الملحّة.. فجاد بهذه الآراء التي لا غنى للجيل المؤمن عنها:
س1: هل لكم أن تُقدّموا للقرّاء بطاقتكم الشّخصيّة ؟
ولدتُ في التل 10/3/1942. ودرستُ فيها حتى السنة الأولى الثانويّة.
وتابعتُ بقية دراستي في العاصمة دمشق. وعملتُ معلماً وكيلاً في السنة الثانية الثانوية حيث تقدّمت للشّهادة الثانوية خارج الانتظام الدراسي. درستُ الصف الخاص وعملت في التعليم الابتدائي عشر سنوات 1962-1972.
ثمّ تعاقدّت مع الرئاسة العامة لتعليم البنات في المملكة العربية السعودية حيث عملت موجّهاً تربوياً لمدة عامين 1972-1974.
ثمّ موجّهاً لمادة العلوم الدّينيّة بالعاصمة الرياض لمدة خمس سنوات 1974-1980.
وتفرّغت بعدها للعمل الدّعوي لمدة سبع سنوات 1980-1986. ثمّ تعاقدّت بجامعة أم القرى بمكة المكرمة منذ عشر سنوات تقريباً حتى الآن 1986-1995 وطبيعة العمل مستشاراً بحثياً للدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرّمة.
س2: دراستكم: الشّهادة ـ سنة التّخرّج ـ مكان الدّراسة ؟
1- ليسناس في الشريعة من جامعة دمشق عام 1968.
2- دبلوم عام في التربية من جامعة دمشق عام 1969.
3- دبلوم خاص لغة عربية من معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة 1972.
4- ماجستير في الأدب العربي من المعهد المذكور بالقاهرة 1978.
س3: ما أبرز إنتاجاتكم الأدبية والفكرية.. والصّحف التي تنشرون فيها ؟
1- أبو ذر الغفاري-الزاهد المجاهد، طُبع في دمشق، 1970م، ثمّ عمان.
2- الأخوات المؤمنات-الرياض 1967، ثمّ عمان (وقُرّر كتاباً مساعداً بالسعودية لمدة خمس سنوات).
3- من معين التربية الإسلامية، الرياض ، 1976، ثمّ عمان.
4- معاوية بن أبي سفيان الصحابي المجاهد، دمشق ، 1977.
5- الحركات القومية الحديثة في ميزان الإسلام، 1981، الرياض، ثمّ عمان.
6- المسيرة الإسلامية للتاريخ،1981، الرياض، ثمّ عمان.
7- إليك إيّتها الفتاة المسلمة، 1977، الرياض، ثمّ عمان/طبعات مزيدة ومنقّحة.
8- هند بنت عتبة، 1978، الرياض، ثمّ عمان.
9- التحالف السياسي في الإسلام، 1983، عمّان، ثمّ القاهرة طبعة مزيدة ومنقحة.
10- المنهج الحركي للسيرة النبوية، بثلاثة أجزاء 1984، عمان ثمّ القاهرة (عشر طبعات).
11- فقه السيرة النبوية، 1988، مكّة المكرمة، كتاب مقرر في معظم جامعات المملكة السعودية.
12- المنهج التربوي للسيرة النبوية، الجزآن الأول والثاني، 1990.
13- المنهج التربوي للسيرة النبوية، الجزء الثالث، 1993.
14- تحت الطبع (المنهج التربوي للسيرة النبوية بأربع مجلّدات-التربية القيادية-
15- أصول تدريس التربية الإسلامية (كتاب مقرر بمعهد المعلمات بالسعودية) مع آخرين 1977.
16- دراسات عديدة متنوّعة ومحاضرات في كثير من المؤتمرات العلمية والإسلامية بالعالم.
17- مقالات معظمها بمجلة المجتمع وحضارة الإسلام (الدمشقيّة) تربو على ثلاثين مقالة.
18- كتابان مخطوطان أحدهما مجلّد ضخم عن تاريخ سوريا حتّى اليوم، والثاني نظرات في كتاب الجهاد للدكتور البوطي.
19- كتاب مخطوط عن الحركة الإسلاميّة في سورية بثلاث مجلدات (التجربة الذاتيّة).
س4: الإنتاج الذي تعتزّون به أكثر من غيره... ولماذا ؟
الإنتاج الذي أعتزّ به أكثر من غيره هو المنهج التربوي للسيرة النبوية عموماً، والتربية القيادية منه (المجلّدات الأربعة) الذي هو تحت الطبع، لأنّه يمثّل قمة نضجي من جهة، ويمثل منهجاً للحركات الإسلامية وعمليات البناء الداخلية من خلال السيرة النبوية.
حيث يُجيب على السؤال: كيف تمّت تربية الجيل الأول. وتبني نظريّة تربية القيادات ابتداءً. وبعدها تتمّ التربية العامّة.
س5: العمل الحالي ؟
أعمل مستشاراً بحثيّاً بجامعة أم القرى للدراسات العليا فيها.
س6: نبذة عن مجالات العمل السابقة ؟
تمّ الحديث عنه في السؤال الأول لكنني أضيف إليه أنه قد حيل بيني وبين التعليم الثانوي والمتوسّط. وحتّى ولو ساعات عندما تفرّغت لكلية التربية ورفضوا أن يعطوني إلاّ ساعات موسيقى ورياضة وهي التي درستها في المرحلة المتوسطة، وعشت ثلاث سنوات في بلد ليس فيها مسلم واحد وأهلها نصارى ودروز للحيلولة دون الصلة بأبناء بلدي أو غيرها من المسلمين.
كما أُضيف إليه نبذة عن حياتي الدعوية التي ابتدأت ببيعة السباعي رحمه الله وأنا في الثامنة من عمري إلى أن انتظمت في أسرة في الثانية عشر من عمري. إلى أن تدرّجت في الدعوة كمسؤول أسرة فبلد فجهاز فمكتب، فمساعد لنائب المراقب العام، فنائب للمراقب العام.
فمراقب عام إلى أن عدت إلى الخط الأمثل جندياً في الدعوة وهو خير المواقع.
س7: الآمال التي عزمتم على تحقيقها، ماذا تحقّق منها، وما الذي لم يتحقّق بعد ؟
تتناسب آمالي مع واقعي. خاصة للسنوات العشر الأخيرة. حيث أُنجز كل عام كتاباً يربو على 400 صفحة، في المجال الذي أكتب فيه.. أما الآمال التي لم تتحقّق فهي تحرير بلدنا الشام لقصورنا عن المنهج الصحيح في عمليات البناء.
س8: السّاحة الأدبية تعجّ بأدعياء الأدب ورافعي راية الحداثة، كيف تنظرون إلى هذا الواقع.. وماذا تقولون لهؤلاء ؟
هذا سؤال خاص بالأدب والأدباء. لكنّي أقول إنّ هذا الزّمن عموماً يسود فيه السّفهاء والأدعياء ويُحارب فيه الصّالحون إنّه زمن الزبد في كلّ شيء.
فالعاهرون والعاهرات نجوم. واللاعبون الرياضيّون أبطال، ومدّعو الأدب والحداثة أدباء. والأيام دول تخفض العالي وتُعلي من سفل.
س9: أعداء الإسلام يتّهمون الإسلاميين باحتكار الحقيقة، وبالتالي نفي الآخر.. كيف تردّون على هذه الفرية، وما حكم الإسلام تجاه الرّأي الآخر ؟
نعم إني أعترف وقد يُبالغ الأعداء في تجسيد هذه الحقيقة وتضخيمها. لكننا نحن نحمل أمراض مجتمعنا كله، ومن أمراض مجتمعنا الكبرى: الفرديّة، والرغبة في التسلّط ورفض النقد، ونفي الرأي الآخر.
مثلنا مثل دعاة الأحزاب الأخرى غير أنّ الغلالة الرّقيقة التي تغطّينا هي الإسلام، والتي تُغطّيهم هي القومية أو الوطنية أو الاشتراكية وهو من أقتل الأمراض فينا.
إنّنا في صفّ الحركة الإسلامية الواحدة نفتقد حريّة إبداء الرّأي الآخر والدفاع عنه.
وتجربتنا المريرة التي تحمل في ثناياها محاولات سجن الآخرين وتشريدهم والتضييق على أرزاقهم لخلافهم لنا في الرّأي وهم أبناء صفّنا بحاجة إلى مراجعة وتقويم.
وإعادة النظر في بُنياننا كلّه. فكيف بنا مع غيرنا. أما الإسلام شريعة الله تعالى للبشر فليس كذلك. والله تعالى أراد أن يكون في خلقه المؤمن والكافر } هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ { (التغابن:2) يعني الاعتراف بالرأي الآخر ضمن تنظيم محدد رسمه الله تعالى لخلقه ونحن مكلّفون بتنفيذه "ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً جرعة ماء".
س10: الأمة العربية والإسلامية تمرّ بمرحلة غاية في الدّقة والخطورة.. كيف تنظرون إلى ذلك، وما الدّاء في رأيكم، وما الدّواء ؟
نعم الأمة الإسلامية تمرّ بمرحلة غاية في الدّقة والخطورة. لكنّي أنظر إلى هذه المرحلة بعين التفاؤل والثقة بقدر الله الغالب.
فإذا كانت أكبر قضية المسلمين في هذا العصر هي قضية تحكيم شريعة الله فقد أصبحت قضية العصر كلّه ولم تعد قضية قطر، وحين نفتح المذياع فأخباره كلّها نحن في كل مكان في الأرض. وما هذه المعارك إلاّ من أجل هذه القضية هذا أوّلاً.
وثانياً: إذا كانت قضية فلسطين هي أكبر قضايانا وأكبر اهتمامنا فأعجب من الذين ينوحون على الأمة لمسارعة قادتها نحو السلام.
إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّد طرفي المعركة: "لا تقوم الساعة حتّى يُقاتل المسلمون اليهود" إلى آخر الحديث.
وقد وجد الطرف الثاني اليهود بالتأكيد. أما الطرف الأول فلا يزال مغيّباً منذ قرابة نصف قرن لأنّ المقاتلين فيه أصحاب الرايات الجاهلية من القوميين والاشتراكيين والعلمانيين، والمسلمون في صفوفهم للشهادة والموت فقط.
فهل يُريد إخواننا المتباكون النائحون نصف قرن آخر حتّى تتميّز القضية وتسقط الرايات الجاهلية؟ أليس عليهم أن يكونوا سعداء في أن تسقط رايات أدعياء المعركة الجاهليين. ويتحرر الصف.
وتتحقّق المعادلة بين المسلمين واليهود؟!! ليحين نصر الله وتحقيق موعوده.
إنّ عليهم أن يسعدوا أن الوحيدين في الساحة اليوم والمؤمنين بالمعركة وحتميتها مع اليهود هم المسلمون فقط. فأيّ نصر وتحرّر يعدل هذا النّصر.
} إِلاّ تَنْصُرُوهُ { –كلّ أهل الأرض- } فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ { (التوبة:40).
وثالثاً :
إن العالم كله وأجهزة إعلامه إنّما تتحدّث عن المعارك في الأرض مع الأصولية ومع الإرهاب. ويعنون بذلك دعاة الإسلام فيها.
وبغضّ النظر عمّا يُريدون –ألم يُصبح الإسلام هو الطّرف الثاني في المعركة أمام النظام العالمي الجديد الذي يُريد أن يفرض قيمه ومبادئه وعلمانيّته؟!!
وهل يقول اليوم أحد في العالم –لا- لنظام الإرهاب الدولي الجديد إلاّ الإسلام.
لقد استيقظ المارد من سباته. ولم يبق إلاّ أن يأخذ طريقه الحقّ ليُنقذ نفسه ويقود العالم.
س11: ماذا يجول في الخاطر وتودّون أن تقولوه للقارئ ؟
الذي يجول في الخاطر هو الهمّ المؤرّق الذي يحمله كلّ واحد منا. كيف نخرج من التّيه. ونعود إلى أرضنا وبلادنا ونتابع رسالتنا حتّى تكون كلمة الله هي العليا.
والذي أقوله في هذه العجالة: إنّنا بحاجة أن نعترف أوّلاً: إنّنا في التّيه. وثانياً: عندما نعترف ليس الحل أن نمضي في الإصلاحات الهامشيّة الجزئيّة. ونحن في موقعنا نفسه. فهذه لن تُغيّر شيئاً إلاّ خسران الزمن والإمعان في التّيه.
ثالثاً: يجب أن نملك الشجاعة لنعود إلى نقطة البدْء. ومرحلة الصّفر لنمضي في الاتجاه الصّحيح.
ونملك القيادة الشُّجاعة التي تُعلن الحقيقة وتعزم على العودة إلى نقطة الانطلاق الأولى مهما امتدّ الزمن وإلاّ فالمسير في الضلال والمتابعة فيه لن يقود إلى الهدى.
لابدّ من العودة إلى الوراء ولابدّ من الشّجاعة في العودة. ولابدّ من استئصال الأدواء التي أوصلتنا إلى هذه النقطة. في عزيمة صادقة وقيادة تاريخية عالية.
فلنعمل إذا كنا نفقد الشجاعة المطلوبة على تكوين قيادات شابّة ولو خلال عشر سنوات نأخذها من الشهادة الثانوية ونرعاها. ونصطبر عليها حتّى تقودنا بعد ذلك.
وإذا كنّا نستعظم الزّمن ونحسبه بالأيام فعلينا أن نذكر أنّه قد مرّ على محنتنا ثلاثة عشر عاماً كنا نملك خلالها القدرات اللازمة لتكوين هذه القيادات ولا نزال. فماذا فعلنا؟
الجواب يعرفه كلّ أخ معنا.
} إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ { (آل عمران:140).
(خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) (الأنبياء:37).
"ولكنّكم تستعجلون".
( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) (آل عمران:137).
وبين يدينا أعظم نموذج في الوجود وفي عمليات بناء الأمم نموذج السيرة النبوية وهذا ما أسعى جاهداً لإبرازه فيما أساهم في كتابته.
س12: أفراد الأسرة الكريمة.. هل يحمل أحد منهم نفس اهتماماتكم، وطريقة تفكيركم، ومنظاركم للحياة بشكل عام ؟
معظم أفراد الأسرة يعيشون نفس اهتمامي وليس بالضرورة أن يحملوا طريقة تفكيري. وليست هذه ميزة تُحسب لي ولهم.
أمّا المنظار إلى الحياة فيبرز في شخصي الآخر –عامر- على تنوّع الخلافات، كما يختلف الإنسان مع نفسه في مراحل حياته.
المصدر : رابطة ادباء الشام
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول