حكم الخروج على النظام السوري المجرم

نص الاستشارة :

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته لقد قرأت فتوى للشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- يقول فيها أن للخروج على الحاكم شرطين أحدهما أن لا يترتب على الخروج عليه مفسدة على المسلمين أو شر أكبر من شره السؤال هو : عندما خرج المسلمون في سوريا على بشار الأسد و نظامه كانوا يعلمون أنه سيحدث شر أكبر من شر بقائه ، لأنهم جربوا ذلك مع أبيه حافظ الأسد فهل هذا يعني أن خروج المسلمين في سوريا على النظام الأسدي لا يجوز ؟ لأن الخروج على هذا التظام المجرم يترتب عليه شر أكبر من شر بقائه أفيدوني لو سمحتم ، لأني منذ أن قرأت كلام الشيخ ابن باز و أنا أفكر في حكم الخروج على النظام السوري و شكرا لكم

الاجابة

 

 

أجاب فضيلة الشيخ طه فارس
إن من يقرأ تسلسل الأحداث في سوريا يدرك تماماً بأن خروج الشباب في أول الأمر إنما كان للمطالبة بالحقوق، بوسيلة شرعية سلمية، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر, ويقولون كلمة عدل، وينطقون كلمة حق، حاملين هم الأمة، محاولين رفع الظلم، باحثين عن الحرية، منددين بالاستبداد، محاربين للقمع، باحثين عن سبل الخروج من هذا المأزق الذي يعيشه الشعب.
 
فلا فتنة، بل الفتنة أن لا يخرج أحد، المصيبة أن يسكت الناس، الكارثة أن لا نجد في المجتمع من يقول: لا للظلم والفساد والمحسوبيات..., الطامة أن يتحول الناس إلى مصفقين، فلا أمر بالمعروف، ولا نهي عن المنكر، وهنا تكون الطامة، وتكمن النكسة، فينتفش الباطل، ويتفرعن الحاكم, وتحل المصيبة، وينزل غضب الله.
وقد جاء في السنن بسند صحيح، عن أبي بكر الصديق _ رضي الله عنه _ قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: « إنَّ الناسَ إذا رأوا الظالمَ فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه».
 
فالمطالبة بالحقوق ليست خروجاً على الحاكم، لأن الخروج لا يكون إلا بالقوة والسلاح، لكن لـمَّا قُوبلت هذه المطالب السلمية بالحديد والنار، والقتل وانتهاك الحرمات والاعتقال، والتعدي على الأعراض والأديان، عند ذلك لم يجد الشباب وسيلة لدفع هذا العدوان إلا بحمل السلاح في وجه هذا النظام المجرم الفاقد لشرعيته، بل لا شرعية له في الأصل، وكان ما كان، ونسأل الله أن يعجل لأهلنا الفرج والنصر القريب ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
 
 بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن مسألة الخروج على الحاكم الظالم مما اختلف فيه الفقهاء، وليس كما يصور بعض العلماء على أنها رأي واحد، وأنه إن ترتب عليه مفسدة، فيجب الصبر على الحاكم.
وإن كان القول بالصبر على الحاكم الظالم إن ترتب على الخروج مفسدة هو قول الجمهور، إلا أن من الفقهاء من قال بوجوب الخروج عليه من باب إنكار المنكر، فقد قال ابن حزم بجواز الخروج؛ لأن الأحاديث المجيزة للخروج على الفاسق الظالم ناسخة في رأيه للأحاديث الآمرة بالصبر؛ لأن هذه الأحاديث وردت في مبدأ الإسلام، ولأن الدليل المحرم يقدّم على المبيح عند تعارضهما، ولقوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى، فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } [الحجرات:9/94] ولأنه يجب على المسلم إزالة المنكر، ولا طاعة في معصيته، ومن قتل دون ماله أو دينه أو مظلمته فهو شهيد. (راجع:الفصل في الملل والنحل لابن حزم: 171/4 ومابعدها)
 
ثم إنه على قول جمهور الفقهاء، فإن تحديد المصالح والمفاسد مما يختلف فيه، فربما كان بقاء بشار وعصابته في سدة الحكم يترتب عليه ضرر أكبر مما ترتَّب عليه الآن.
 
كما أن من العلماء من رأى إن كانت هناك القدرة على إزالة؛ فالقول بالجواز، ومن قتل دفاعا عن الدين، ودرءا لشر الحاكم الفاسق هو من الجهاد في سبيل الله، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم:" أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"، فلا شك أن الجهاد ضده بما هو من الكلمة أفضل من الكلمة، وإن ترتب على ذلك بعض المفاسد، فإن المصالح المترتبة على إزالة حكم بشار أكبر من المفاسد التي تتحقق بالجهاد ضده.
 
وقد بين العلماء أنه عند تزاحم المفاسد والمصالح، فإن كانت المصالح أكبر قدمت المصلحة على المفسدة، وإن كانت المفاسد أكبر قدِّم درء المفسدة، أما إن تساويتا فالراجح أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، غير أنه لا يفهم أنه تقدم درء المفاسد على جلب المصالح مطلقا.
 
كما أن الأحاديث الواردة في الصبر على الحاكم الظالم إنما هو الحاكم الذي جاء ببيعة صحيحة، وهو مطبق لشرع الله تعالى، لكنه قد يحيد عن الطريق أحيانا، وقد يظلم أحيانا، فهذا الذي يحسن الصبر عليه؛درءا للفتنة، أما أمثال بشار، فهؤلاء لا يعد السعي لإطاحتهم من الخروج على الحاكم الشرعي.
 
والخلاصة:
أن ما يقوم به أهل سوريا من الجهاد ضد الطاغية بشار الأسد هو جهاد في سبيل الله يثابون عليه غير آثمين إن شاء الله، بل بشار وعصابته هم الآثمون المجرمون المحاربون لله ولرسوله والمؤمنين .
 
والله أعلم
د. مسعود صبري
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
 ملاحظة : الأخ المفتي من المشتغلين بالفتوى في الأوقاف الكويتية ،وهو من علماء مصر الثقات ، علما بأن لجنة الفتوى في الرابطة أجابت على هذا السؤال ، ولكن لتكرر الاستفتاء أحببنا أن نعرضه على جهات أخرى

 

 

 


التعليقات