حفظ السنة بين العلم والعمل

التقديم للبحث:

هالني ما سمعت ممن يثق بالقرآن قائلاً: لا أثق بالسنة ،

بدأ الشك في الضعيف، ثم في الحسن، ثم في الصحيح، ثم في أئمة الحديث، ثم في السنّة كلها. تلكم هي خطوات الشيطان.

وسرى الداء – للأسف – إلى بعض الشباب الملتزم، وبلبلت الشبهات أفكاره، وزلزلت معتقده، فجلسْت معهم وسردت لهم ما أَعانني الله عليه من الأدلة، فزالت الشبهات والحمد لله . ثم طلبوا مني أن أكتب لتعم الفائدة ويحمي الشباب من هذه الشبهات.

 وسأضرب مثلاً تمهيداً قبل البدء، فأقول مستعيناً بالله :   

 رجل صالح رحل وكان ذا سيرة طيبة، معروفة لأهل بيته، وجيرانه, وأصحابه، وقد شهد له الجميع - بمن فيهم خصومه - بالأخلاق الحسنة.

 كيف يتحدّث الناس بسيرته يا تُرى؟ وكيف ينقلون أقواله وأخباره ؟

 خبر أجمع عليه الجميع, وخبر آخر نقله عنه كثيرون, وقصة حدّث بها مَن كان معه فقط في هذا الوقت, وقول نقله عنه بعضٌ مِن أفراد أسرته, وخبر ذكره واحد من خاصته, وتصرُّفٌ نقلته عنه زوجته, وآخر نقله الصغار. وهكذا نُقلت سيرة كاملة بتفصيلاتها. هذا مِن طرف النّاقلين, فماذا عن المتلقّين ؟

سمع الناس بقصة هذا العبد الصالح بعد أن انتشر خبره وذاع صيته, فكان الناس أمام الأخبار والأقوال أصنافاً, فمنهم مَن لم يصدق إلا ما أجمع الناس عليه, وبعضهم أخذ  بقول الأكثرية, وبعضهم صدق رجلاً واحداً يثق به ثقة كاملة, وآخر صدّق الصغار الأبرياء, وآخر شك في خبر وأيقن بآخر, وهكذا اختلف الناس أمام تلقيهم الأخبار والأقوال من حيث العدد والثقة.

 ثم جاء مَن بعدَهم, فصنّفوا الأخبار المنقولة عن هذا الرجل حسب درجات التلقي والاطمئنان, وعلموا أن هناك قوماً ادّعوا أنهم سمعوا من الرجل أو من أصحابه, فبالغوا في بعض الأخبار من حبهم له، وآخرون دسّوا بعض الأقوال ونسبوها له، تشويهاً لسيرته. 

أخذ هؤلاء المصنّفون الحيطة والحذر, وجعلوا الأخبار درجات وفْق مصادر التلقي  حرصاً منهم على الأمانة في النقل، وأخذ كل واحد من الناس يختار ويصدّق ما يطمئن إليه قلبه.

ولو سألنا عاقلاً أيهما أفضل؟ أن يكتب هؤلاء كل شيء تلَقَّوْه, وينشروا كل ما سمعوه ؟ أم يسجّلوا الأخبار مصنّفةً  كما فعلوا ؟

 هل ما فعلوه من التصنيف - اطمئناناً - خطأ وخطيئة ؟ أم هو ميزة وحكمة ؟ وهل يلامون أم يُشكرون ويُمدحون ؟

جواب العاقل معروف، والناس تدرك بفطرتها المنكر والمعروف،  واللبيب من الإشارة يفهمُ, ومن الأمثلة يدرك ويعلم، وبالأدلّة يحكمُ ويسلّم.

وجاء قوم طبعوا هذه الأقوال كما سمعوها، ونشروا السيرة كما تلقَّوْها، من غير تبديل ولا تحريف, ولا زيادة ولا نقصان, حتى أنهم ذكروا المكذوب على الرجل وبيّنوا أن هذا الخبر مُبالَغ فيه, وذاك مكذوب عليه, ليحذر الناس ولا يفتتنوا, لأن كثرة التداول للخبر- من غير تثبّت - مثل كرةِ ثلجٍ متدحرجة.  وأُسدِل الستار على سيرة الرجل , فلم يستطع أحد بعد هذه التصنيفات وطباعتها إدخال شيء أو إخراج شيء, فصارت حقوق الطبع والنشر محفوظة, وكل من يزيد على ما طُبِع, أو يُنقِص من سيرته وأقواله أو يحذف شيئا – حتى لو كان غير مقتنع به - معرّض للمساءلة القانونية في الدنيا والمحاسبة في الآخرة, فصارت (ماركة مسجّلة )غير مسموح بتقليدها. ورغم ذلك فقد حاول بعضهم التقليد والطباعة والإضافة من غير إذن ذويه, فسارع ذوُوه إلى كشف هذه الأخبار المكذوبة  وفضح أصحابها الكذبة.

 هذا ما يشبه سيرة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وما نقله عنه أهل بيته وصحابته, مع فارق التشبيه بالنبوة والوحي, والذي يقتضي الحذر والحيطة أكثر, لأنها تشريع وعبادة.

 وهل هناك رجل في الوجود عُرفت سيرته وفصّلت أحداثها تفصيلا , وطبعت وانتشرت اختصاراً وتطويلاً, وسُجّلت كل حركة وسكنة في حياته تسجيلاً, وحُلِّلَت مواقفه تحليلاً, ونُخّلت أقواله تنخيلا, مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

 

تحميل الملف