جنيف (2) والجلوس مع الوحش

بعد مُضي ثلاث سنوات على الثورة السورية ، ما زال بشار الأسد ينكر وجودها ، ويصر على أنها عصابات مسلحة يجب قمعها بالحل العسكري، ويصر المجتمع الدولي على الحل السياسي في جنيف (2)  ويدعو المعارضة للجلوس على طاولة المفاوضات مع الأسد دون شروط.

الحل السياسي ليس بعيداً عن رؤية السوريين ، بل الكثير من العقلاء منهم يؤمنون به ويتمسكون به ، وعندما خرجت المظاهرات السلمية في الأشهر الأولى من الثورة،لم يكن السوريون يريدون حلاً عسكرياً ، ولكن النظام دفعهم وعن سابق إصرار إلى حمل السلاح،  والانخراط في حرب يعتقد أنه سينتصر فيها.

لم يعترف النظام يوماً بوجود مطالب مشروعة للشعب السوري، ووصل إلى مستويات من العنف غير مسبوقة في التاريخ المكتوب حتى وصفه البعض بـ : وحش غريب ، وأن رئيسه لم يفقد شرعيته فقط بل فقد آدميته.

يطلب المجتمع الدولي من المعارضة السورية الجلوس مع الأسد على طاولة المفاوضات حيث يضع مسدسه بجانب طائراته القاذفة ، والصواريخ الباليستية والبراميل المتفجرة ، وترسانة الأسلحة الروسية المفتوحة ، وفوق ذلك إرادة للقتل والإجرام فريدة من نوعها في التاريخ ، وكذلك إرادة دولية قابلة للصمت على القتل والإجرام.

لم يكن أحد يظن أن تطلق يدا مجرم قاتل في دم مدنيين آمنين كما أطلقت يدا بشار ، ولم يكن يتصور بشر أن يسكت المجتمع الدولي ، المتخم بحقوق الإنسان على ذبح الأطفال بالسكاكين ، وقتلهم بالكيماوي كما سكت عمّا يفعل بشار الأسد .

يقول النظام الدولي للمعارضين السوريين:

إذهبوا وتفاوضوا مع الوحش، والوحوش التي وراءه ـ واقبلوا بما يجود به عليكم، وتوازن القوى على الأرض يحكم بينكم، ولا تؤاخذونا فنحن لا نستطيع إصدار بيان استنكار لقذف المدنيين بالبراميل المتفجرة لأسباب روسية، ولا نستطيع إمدادكم بالأسلحة النوعية لأسباب إسلامية ، ولا نستطيع التدخل العسكري لأسباب أمريكية إنكماشية ، وأصبح بعضنا يفضل بقاء بشار الأسد لأسباب داعشية ، ولا ضير من بقائه رئيساً إذا انتخبه الشعب السوري.

لقد بدأ الوحش حملته الانتخابية لفترة رئاسية ثالثة ، وهو لا يرى في ذلك الترشح أي تعارض مع قتل مائة وخمسين ألف شهيد ، وثلاثمائة ألف معتقل ومفقود ، وسبعة ملايين مهجرين من بيوتهم وقراهم ومدنهم ، ولا مانع لديه من الجلوس على عرش من الجماجم والدماء.

إن مشكلة الشعب السوري مع النظام مُزمنة ومؤلمة ، فقد استمر في حكم سورية لعقود بالقوة العارية،دون أي أفق بالإصلاح ولو بشكل تدريجي ، وأثبت أنه بُنية مافيوية لا تعترف بأنداد أو خصوم أو شركاء ، ولديه دوافع شرسة لحماية إمتيازاته دون أية ضوابط أخلاقية أو وطنية ، وهو يخوض معركة بقاء دموية تتسم باستهانة مروعة بالحياة البشرية وكرامة الإنسان، إن الطبقة العسكرية الحاكمة ي سورية لا تمتلك العقل ، ولا القيم الأخلاقية ، ولا سعة الأفق لأية حلول سياسية ، وهي تعتقد أن ما لم يتم إنجازه بالقتل والإجرام سوف يتم تحقيقه بالمزيد من القتل والإجرام.

هذه هي طبيعة النظام السوري الذي يريد العالم إرغام المعارضة السورية للجلوس معه على طاولة المفاوضات دون أية ضمانات أو ضغوط أو آفاق زمنية، بل إن وزير الخارجية الروسي لافروف ـ الذي لم يتملك يوماً أدنى حس إنساني تجاه عذابات الشعب السوري ـ يدعو لوضع مكافحة الإرهاب في قمة أولويات جنيف (2) وإرغام الشعب السوري على القبول بحكم الطاغية المجرم.

يقول بعض المشفقين إن آلة القتل الأسدية ماضية في طريقها بل أصبحت آلة طائفية بغيضة تساندها قوى إقليمية ودولية أشد بغضاً فدعونا نتصالح مع الأسد وننقذ ما يمكن إنقاذه...

ونسي هؤلاء أن التصالح مع الأسد يعني بقاءه، وبقاء الوحش لن يحل المشكلة ويعني كذلك بقاء كل الشروط الداعية للثورة واستمرارها، وإن لم يحسم  الصراع في هذه الجولة فإنه سيمتد ليكون صراعاً وجودياً مفتوحاً ، لقد جعل الأسد الإجرام منهج حياة ، وتم تكريسه خياراً للبقاء ، وعلى المجتمع الدولي أن يعي هذه الحقيقة وأن يضغط على الأسد كي يتنحى مع أكابر مجرميه ، ويتخلى عن أوهامه بالنصر العسكري ، ويفسح الطريق لتسوية سياسية مشرفة تضمن حقوق الشهداء والمفقودين واللاجئين والنازحين والمشردين ، وتضمن استقرار المنطقة وازدهارها.

إن وقت الشعب السوري من دم ، ومن دفع الدم لن يرضى بأقل من الحرية ثمناً طال الزمان أو قصر....

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين