تمكين المرأة أم تمكين الأسرة؟

تمكين المرأة أم تمكين الأسرة

 

م. منال محمد الفيلكاوي

«كلما كانت دولتك تميل لمساواة الجنسين أكثر؛ زادت الفوارق الشخصية بين الرجال والنساء»، قائل هذه العبارة هو «جوردن بيترسون»، وعندما سألوه: كيف عرفت ذلك؟ شرح بكل دقة كيف توصل لهذه النتيجة التي لا تعتبر اختراعه الشخصي، إنما نتيجة لدراسات وإحصاءات علمية أجريت في إسكندنافيا، وهي من أكثر الدول الداعية إلى المساواة بين الجنسين، لكن من هو «جوردن بيترسون» على أي حال؟

«جوردن بيترسون» عالم نفس سريري ومفكر كندي وبروفيسور علم النفس في جامعة تورنتو، له مجموعة من الفيديوهات على «يوتيوب» مثيرة للجدل في أوساط النسويات والداعين من الرجال والنساء إلى تمكين المرأة ومساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات، و«بيترسون» كما قيل عنه يثير غضب الكثير من الرجال والنساء بآرائه التي يعتبرونها ضد المرأة، لكنه يقول: إن 25 ألف رسالة وصلته من أشخاص لا يعرفهم يخبرونه أنه أنقذهم من حافة الدمار!

يرى «بيترسون» أنه يجب أن تتساوى الفرص التي تمنح للرجال والنساء، ولا يلزم أن تتساوى النتيجة، بل يعتقد أنه من المستحيل أن تكون النتيجة في الاختيار متساوية؛ لأن النساء سيَمِلْن إلى تخصصات معينة ونوعية معينة من الوظائف لو لم تمارس عليهن الضغوط لخوض مجالات يميل إليها الرجال في العادة.

بمعنى أنه لو قررت الدولة أن النساء مسموح لهن الدخول إلى القوات المسلحة أو الجيش؛ فكم من النساء ستختار هذه الوظيفة، إن كانت تجد راتباً أو فرصة مماثلة في تخصصات أخرى؟

ومن ثم قال: كلما كانت الدولة تميل إلى المساواة (التي أعتقد أنها غير عادلة) ازدادت الفوارق الشخصية بين الرجال والنساء، ولن تقل لأن الكثير ممن سينتابهن الفضول لخوض التجربة حتماً سيهربن منها في أقرب فرصة، ويدركن كم أن هذه التجربة غير مناسبة مطلقاً، وقد سمعنا قصصاً كثيرة في هذا الباب.

دراسة: 60% من الرجال يميلون بطبيعتهم إلى العنف وهذا غير موجود عند المرأة

ومن الدراسات التي ذكرها «بيترسون» أن 60% من الرجال يميلون بطبيعتهم إلى العنف، وهذا غير موجود عند المرأة؛ ولذلك تجد أغلب من يدخلون السجون من الرجال وليس النساء، ومن المضحك أنه عندما ذكر هذه الإحصائية في مقابلة تلفزيونية مع مذيعة نسوية حتى النخاع التفت إلى المذيعة، وقال لها: هل ترغبين في المساواة في هذا أيضاً؟ لماذا نقبل أن يكون عدد المسجونين من الرجال أكثر من النساء؟!

هذه الفروق الواضحة -التي لا تحتاج إلى دراسات في الحقيقة لإدراكها- تجعل من المضحك حقيقة أن نطالب بالمساواة؛ فالأولى أن نطالب بالعدالة، بأن يجد الرجال والنساء الفرص ليكونوا أنفسهم ليختاروا وفقاً لرغباتهم لا رغبات البنك الدولي أو لجان الأمم المتحدة والدول الغربية!

إقحام المرأة في مجالات لا تناسبها بدافع إرضاء أطراف معينة غير مقبول بتاتاً

بين النواة والأسرة

والعبء هنا يقع على العقلاء والمفكرين والكتَّاب والخطباء؛ فإقحام المرأة في مجالات لا تناسبها بدافع إرضاء أطراف معينة أمر غير مقبول وغير منطقي بتاتاً.

هل نستقي فكرنا وآراءنا حول ما يناسب المرأة وما يناسب الرجل ممن فشلوا في مجتمعاتهم على الصعيد الاجتماعي والأخلاقي؟ ما حال الأسرة مثلاً في تلك المجتمعات؟ وماذا عن مشكلات المراهقين والمراهقات؟ هل من الممكن أن نلقي نظرة خاطفة على أوضاعهم الاجتماعية والأسرية قبل أن نتبنى ما يقولون؟!

هل أحتاج فعلاً أن أتبنى رأياً في قضية المرأة بخلاف ما ورد في هذا الدستور الفاخر الذي ليس له شبيه ولا مثيل (القرآن الكريم)؟

إذا كان كتاب الله يخبرنا: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} (آل عمران: 36)، ويقول: {بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (النساء: 34)؛ أي أن الرجال لهم تفضيل في جوانب معينة على النساء، كما أن النساء لهن تفضيل في جوانب معينة على الرجال، وهذا يؤكد أن التساوي ليس عدلاً، فلكل جنس (النساء أو الرجال) لهم ما يناسبهم وما لا يناسبهم، فلماذا نسعى إلى تحويلهم إلى شيء واحد متطابق؟!

نحن في هذه الحالة كمن ينادي بتحويل الشحنات الموجبة بالنواة إلى شحنات سالبة، أو تحويل الشحنات السالبة إلى شحنات موجبة؛ لأن كل من يسكن هذه النواة يجب أن يكون متشابهاً!

عندما درسنا النواة (الذرة) ومكوناتها أدركنا أن الله خلق أجزاءها الموجبة والسالبة لتتكامل معاً، ليس لأن الإلكترونات أفضل من غيرها من مكونات النواة.. فهكذا هي الأشياء تختلف وتتمايز وتتكامل في النهاية بتقدير الله جل وعلا.

إنه خلق الله الذي لن نفهمه دون كتابه، إن الكون كله يجري بأمره وبحكمته التي لن يدركها من لم يقرأ دليل الحياة ودستور الكون (القرآن الكريم).

ما النواة في الحياة الإنسانية؟ حتماً إنها الأسرة، وكما أن النواة تحمل نوعين مختلفين من الشحنات، كذلك الأسرة يجب أن تتضمن نوعين مختلفين، فالرجل خلقه الله لأمر، والمرأة خلقها الله لأمر مختلف عن الرجل، بل وجعل تشبُّه أحد الطرفين بالآخر من المحرمات، فكل نوع له ما يميزه وله خصائصه المختلفة عن النوع الآخر، وضرْب نواة الحياة الإنسانية (الأسرة) سيهدم المجتمعات بالضبط، كما أن التلاعب بتركيبة النواة سيولد الكوارث.

علينا السعي إلى تمكين الأسرة كبديل عن دعاوى تمكين الرجل أو المرأة

من الذي يدعو لهدم الأسرة؟ سيقولون: إن موضوع تمكين المرأة أو المساواة بين الرجال والنساء لا دخل له باستقرار الأسرة، إنه العكس تماماً، كل من ينادي بتغيير أدوار الرجل وأدوار المرأة ويحارب المعنى العميق في قول الله تعالى: {بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، وينكر {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى}، كل من يدعو إلى أن تصبح المرأة كالرجل تماماً بأي عذر أو حجة (تمكين.. تحرير.. تطوير المرأة)، أو من يدعو إلى طمس الفوارق بين الجنسين أو الشذوذ، أو تحويل الجنس.. كل هذه الدعاوى تهدم كيان الأسرة، وهذا أهم ما في الموضوع، هذا هو أصل المشكلة؛ لأن هذه الأسرة إن انهارت؛ انهار المجتمع.

من تلك المنطلقات علينا أن نسعى إلى تمكين الأسرة كبديل عن دعاوى تمكين الرجل أو تمكين المرأة!

وهل المرأة دائماً هي شخص ضعيف يحتاج إلى تقوية وتمكين وتحرير من القيود؟

نرفض هذه النظرة للمرأة، نحن نستقي قوتنا ومكانتنا من ذلك الكتاب ومن سُنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وهو القائل: «ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم».

بالطبع، لا ننكر أن المرأة قد يقع عليها الظلم في المجتمعات الشرقية أو الغربية، فعلينا أن نقف ضد الظلم وننادي بأعلى أصواتنا لمساندة المظلوم والضعيف سواء كان امرأة أم رجلاً دون هدم ثوابتنا الراسخة التي أصَّلها كتاب رب العالمين، لست مع الرجل ولست مع المرأة، أنا مع الأسرة ومع المظلوم ضد الظالم أياً كان، ومن المؤسف حجم الخلط الذي يحدث بين رفع الظلم عن بعض النساء وضرب أركان الأسرة بدعوى المساواة وطمس الفوارق، كل هذا التنظير في موضوع تمكين المرأة والمساواة بينها وبين الرجل لا يسمن ولا يغني أحداً حتى الآن، لا الظلم ارتفع عن المرأة التي تعاني من الظلم، ولا ازدادت الأسر استقراراً.

من أجل ذلك نكتب.. من أجل المرأة أولاً.. يقول سقراط: «عندما تُثقف رجلاً تكون قد ثقفت فرداً، وعندما تثقّف امرأة فإنما تثقف عائلة بأكملها».

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين