تصفية

إنّ التكلّم عن أيّ شخص بواقعية وموضوعية يُبرّأ ساحة الكاتب أو المتكلم من تهمة التعدّي أو الانتهاك بحق أحد، لا سيما إذا كان الكلام يدور حول شخصيّة مُعادية للإنسانية عموماً، قائمة على العنصريّة والطائفيّة، فعندئذ يُباح التشهير بهؤلاء، أو التحذير منهم، أو التشفي بوقوعهم وهلاكهم، فلا حظر أو جناية في ذمِ المجرم وإجرامه، والمفسد ومفاسده.

إنّ عمليةَ تصفية مجرم حرب كـ"قاسم سليماني" عملٌ يَستحقّ الفرح والشكر بكلّ معنى الكلمة، فهذا الرجل الذي عاث في الأرض فساداً، فقتل العباد واعتقلهم وشردهم ونكّل بهم، ودمّر البلاد فخرّبها وأخرجها عن إمكانية العيش فيها، من العار أن يسكت عنه المجتمع الدولي إلا إذا كان حليفاً مع ذاك المجرم وحكومته. ويُعتبر "سليماني" المعروف بالخبث والإرهاب والعنف والحقد المدبّر لأبشع العمليات الإرهابيّة التي قادها الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس والحشد الشعبي وبقية الميليشيات الطائفية العاملة في إنهاءِ الوجودِ السنّي في المناطق المذكورة.

لقد مرّ عامان على محو ذِكر ذلك الإرهابي "سليماني" ولا أُنكر بأنّه كان الرقم الصعب في الإجرام لدى حكومة طهران وميليشياتها في المناطق التي تحتلها، لما له من امتيازات واسعة في القرار والتنقل والإمداد، بل وكذلك كانت يده مُطلقة في عقد الاتفاقيات الدفاعيّة والتحالفات بين حكومته وباقي الحكومات الـخـُلبيّة التي تُسيطر عليها إيران كدمشق وبغداد وصنعاء وبيروت.

كان خبر مقتل "قاسم سليماني" خبراً مُفجِعاً لدى إيران، فقد كان هذا المجرم الرابط الأبرز لعلاقات إيران العسكريّة الخارجيّة مع الدول التي تتعامل معها، والتي تحمل فكر المقاومة (إن صحتْ التسمية) تلك المقاومة التي أهدافها الظاهرة ضرب إسرائيل - المزعومة - وإضعافها، أمّا هدفها الحقيقي العملي هو حماية الكيان الصهيوني، وضرب المشروع السنّي العربي، وتحقيق حُلم إيران في الإمبراطورية الفارسيّة.

نعم إنّ نُفوقَ سليماني كان له تأثير سلبيٌ - نوعاً مَا - على المناطق العربية المحتلة من قِبل إيران، وهذا التأثير يظهر من حيث التحرك والتوسع والأسلوب في التعامل على الأرض مع المليشيات الأخرى والتنسيق معها، وهذا ظاهراً. بالإضافة إلى أنّه سيعود على حلفاء إيران العرب أيضاً بالقلق من العراب الإيراني الجديد، الذي سيكمل مسيرة "سليماني" الإجراميّة، فخوفهم نابع لا من حيث أنّ البديل نزيهٌ أو حمامة سلام، أو ساعي خير، إنّما قلقهم بأن يكون الخَلَف أقلَّ إجرامٍ ودموية من سَلَفِهِ، فحكوماتنا العربية تبحث عمَن يقمعُ شعوبها ويبقي عروشها، وهذا ما كانت تراه في النافق "سليماني".

وبرأيي أنّ إيران تلك الدولة القائمة من على الفساد والطغيان والإجرام والتي تملك مشروعاً خبيثاً ضدّ المسلمين والعرب، لن تتوانى في إخراج أكثر من مجرم خَلفاً لـ"سليماني"، مع أنّ مَقتله كان ضربةً مُصدّعة لها، ولكن لم تكن القاضية. وهذا ما نراه على الأرض اليوم، فالقواعد العسكرية الإيرانية الميلشياوية في سورية كما هي، والدعم الإيراني العسكري من تسليح وإرهابيين في تزايد، والمشروع التوسعي قائم حيث باتتْ دمشق القديمة في قبضة الشيعة، وحلب وحمص كذلك الأمر، أمّا التوسع الطائفي فهو يمتدّ أكثر عبر تحويل العديد من مساجد السنّة إلى حسينيات في حمص وحلب ودير الزور، والسيطرة على الموارد والنفط والتجارة ومشاريع ما يسمى إعادة الإعمار، ومعامل المخدرات بأنواعها والكبتاغون لا تفتر في تصدير بلائها لتلويث البلاد المجاورة، فكلّ ذلك قائم على قدم وساق، فضربة تصفية "قاسم سليماني" لم تُضعف المشروع الإيراني، بل كانت كالمثل السائد "الضربة التي لا تقتلك تقويك" مع الأسف الشديد، لذلك يحتاج هذا المشروع لضربة قاتلة، ولا شكّ أنّها قادمة لا محالة.

ولست متشائماً ولا داعياً لليأس أبداً .. بل عندي أملٌ كبير في يقظة قريبة، والتي ستكون الضربة القاتلة للمشروع الإيراني، والتي تتمثل بصحوة حقيقية للمسلمين، وإدراكهم ما يحاك ضدّهم في طهران وقُم، واجتماع الدول المسلمة والعربية على كلمة واحدة في إخراج إيران من دائرة البلد المسلم أو الصديق والحليف، فعزلة إيران بداية لتجفيف منابعها وتحييد إجرامها وفسادها، وتقليص نفوذها، وإسقاط مشروعها الخبيث، ولا أستبعد أن تخرج تلك الصحوة الثورية من العمق الإيراني.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين