دُعيت ذات يوم إلى غداء، وبدأت طعامي بطبق من الحساء (الشوربة)، ولمّا كنت ميّالاً إلى زيادة الملح في الطعام فقد رفعت المملحة فوق الطبق دون أن أنتبه إلى فتحاتها العملاقة، فاندلقت كميةٌ كبيرة من الملح جعلت الحساء غير سائغ ولا يمكن بلعه، فسكبت منه المزيد والمزيد لأخفّف تركيز الملح، حتى صار غدائي كله حساء في حساء.
تذكرت هذه القصة وأنا أراقب ما يصنعه المبعوث الأممي المنحاز سيّئ الذكر ديمستورا بوفد المعارضة، فهو لم يكتفِ بالضغط الهائل الذي مورسَ على المعارضة ابتداءً حتى تُنتج "هيئة تفاوض عامة" تضم مَن يمثل الثورة بحق ومن لا يمثلها بحق، ومَن يستحق أن يُحسَب على الثورة ومَن لا يستحق، لم يُرضِه ذلك كله، فهو ما زال يراه وفداً "غيرَ مؤتمَن" على أهداف التفاوض الديمستورية الروسية الأمريكية. إنه ما يزال يرى الملح في الطبخة أكثرَ مما ينبغي، فلم يجد طريقةً أفضلَ من سكب المزيد من الحساء في الطبق.
وهكذا رأينا الطيارات الذاهبة إلى جنيف مكدَّسةً بوفود السوريين. أليس السوريون هم مَن سيقررون مستقبل سوريا كما قال السيد الحكيم ديمستورا؟ فليكن، ففي سوريا سوريون كثيرون، لا يلزم أن يكونوا شرفاء ولا يلزم أن يكونوا وطنيين، بل يلزم أن لا يكونوا، فإن مهمتهم هي تخفيف تركيز الملح في الحساء.
وهكذا جرى أمام أعيننا إغراقُ المعارضة بعشرات الشخصيات التي لا يكاد المرء يفرّق بينها وبين ممثلي النظام الحقيقيين، جاءت في وفود موسكو والقاهرة والأستانة وحميميم، دون أن ننسى الإشارة بالطبع إلى وفد نساء ديمستورا الحميم.
* * *
ما الحل؟ الحل سهل: انثروا فوق الطبخة مزيداً من الملح. إنْ كان السيد ديمستورا قادراً على تأليف الوفود فنحن أقدر، وإن يكن في جعبته عشرات من السوريين الذين باعوا أنفسهم له ولمشروعه فإن في جعبتنا من السوريين الصادقين المخلصين الشرفاء آلافاً ومئات ألوف وملايين.
نقول لثوارنا: لتؤلف الفصائل وفداً كبيراً وتذهب به إلى جنيف، وليذهب إلى جنيف وفدٌ من منظمات المجتمع المدني التي أصدرت ذلك الإعلان الرائع غداة جولة مشاورات جنيف في شباط الماضي، ولتجتمع المنظمات الإغاثية والإنسانية وتُخرج من بينها وفداً ترسله إلى جنيف، وليتداعَ إعلاميّو الثورة المستقلون الشرفاء ويؤلفوا وفداً يذهب إلى جنيف... ولا ريب أن في حرائر سوريا من ذوات الدين والخلق والانتماء الوطني الصادق مَن يفوق "نساء ديمستورا" في العدد ويتفوق عليهنّ في الكفاءة، فليذهبنَ أيضاً إلى جنيف. ليتصل هؤلاء جميعاً بالهيئة العليا فينسّقوا معها ويرتّبوا الذهاب إلى جنيف لإفشال خطة الإغراق الخبيثة وتثقيل وزن الثورة على طاولة المفاوضات.
* * *
قولوا للسيد ديمستورا: اصنع ما شئت وسوف نصنع ما نريد. إن كان في القُدور التي تطبخ فيها حَلّك السياسي مزيد من الحساء فإن لدينا من الملح الصافي قَدْرَ براميل، ولسوف ننثرُ منها فوق طبختك المزيدَ والمزيد.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول