تاريخ حلب عند الشيخين «كامل الغزي وراغب الطباخ»

لفت انتباهي صدور كتابين ضخمين عن تاريخ حلب في وقت واحد.

حيث صدر الكتاب الأول «نهر الذهب في تاريخ حلب»، للشيخ كامل الغزي، وذلك ما بين سنتي (١٩٢٢- ١٩٢٦)، تكلم فيه عن حلب وجغرافيتها، وعن مدارسها، وصناعاتها، ونباتاتها، وحيواناتها، وتجاراتها، والأوزان والمقاييس المستعملة فيها، وسكانها من مختلف الملل والنحل، وعن العادات والتقاليد، والنظم الإدارية والمالية، وعن أحياء حلب ومعالمها التاريخية وأوابدها الأثرية.

وفي سنة (١٩٢٥) صدرت الطبعة الأولى لكتاب «إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء» للشيخ راغب الطباخ، الذي تكلم فيه عن تاريخ حلب الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي، في مختلف العصور، كما ترجم فيه لرجال حلب من مختلف الطبقات، منذ القرن الثالث للهجرة حتى سنة ١٣٤٥ هجرية.

فتبادر إلى ذهني تساؤل؛ هو : لماذ يقوم عالمان كبيران بكتابة تاريخ حلب في وقت واحد! لا سيما وأنّ الشيخين رحمهما الله كانا في منطقة واحدة؟ وهل يعقل أنّ الطباخ لم يكن على علم بما يكتبه الغزي عن تاريخ حلب؟ أو العكس.

وبعد البحث عثرت على إجابة عن هذا التساؤل، في مقال منشور بمجلة الرسالة، التي كان يصدرها الأستاذ أحمد حسن الزيات، في /العدد ٩٥٢/ بتاريخ ١-١٠- ١٩٥١، بعنوان : «مع الراحلين»، للأستاذ: محمد عبد الغني حسن (١٩٠٧- ١٩٨٥) الكاتب والباحث المصري، وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، يقول فيه:

…«إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء»… تعدّ هذه الموسوعة التاريخية أحدث المصادر عهداً عن تاريخ حلب بعد كتاب «نهر الذهب في تاريخ حلب» الذي ألفه الشيخ كامل حسين الغزي الحلبي، والذي ظهر مع «إعلام النبلاء» في وقت يكاد يكون واحداً، فقد شهدت سنة ١٣٤٢ هـ مطلع الكتابين اللذين يتّحدان في موضوع واحد، هو التأريخ لمدينة حلب، والترجمة لأعيانها على مر العصور، وكان كل من المؤلفين يعلم عزم صاحبه على التأليف في هذا الموضوع، ومضى كل منهما إلى غايته على منهجه الخاص، وعلى هدى مصادره التاريخية والأدبية الخاصة، ولم يئن أحد الشيخين عنان العزم عن المضي في تأليفه (أَنَى الشيءُ: تأَخَّر وأَبْطأَ)، بل قام بينهما من التعاون العلمي ما يجب أن نسطّره بالحمد، وخاصة عند فقيدنا المترجم له (الشيخ راغب الطباخ). . . فقد زار الشيخ كامل الغزي في منزله، واطلع على أجزاء من « نهر الذهب» ونقل منه - بعد استئذانه - ترجمة ابن أبي طي يحيى بن حميدة الحلبي المؤرخ، المتوفى سنة ٦٣٠ هـ، وترجمة ابن عشائر الحلبي المؤرخ، المتوفى سنة ٧٨٩ هـ، لأنه لم يظفر بهما بعد طويل بحث، فلما رآهما في كتاب الشيخ كامل الغزي استأذنه في نقلهما إلى كتابه.

ولم يقم بين الشيخين (الغزي والطباخ) ما يقوم عادة بين المتنافسين من أهل الصنعة الواحدة، ولم تجد أحدهما يحطّ من قدر الكتاب الذي ألّفه صاحبه، ترويجاً لكتابه، ورفعاً لشأنه على حساب الآخر، بل تجد على الضدّ من ذلك، أنّ الشيخ راغب الطباخ يثني على عمل صاحبه، ويزن عمله وزناً صحيحاً، لا يعرفه إلا من كابد التأليف، ويقول: …«إني من الشاكرين لمساعيه، المقدرين لجليل عمله، فقد عانى في جمع تاريخه ما عانيته، وقاسى ما قاسيته. . . هذا وقد اجتمع عند كل واحد منّا من المواد ما لم يجتمع عند الآخر، واطلع على ما لم يطلع عليه، فسترى في تاريخه ما لا ذكر له عندي، وستجد في تاريخي ما لا تجده في تاريخه، فلا يستغنى بأحدهما عن الآخر، كما قيل: لا يغنى كتاب عن كتاب» أ. هـ

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين