بيان هيئة علماء المسلمين في لبنان حول طرح الزواج الوضعي وقضية عرسال:

 
 
 
إن الله جل وعلا قد كلف العلماء بيان الأحكام الشرعية وإنذار الناس وتحذيرهم مما يؤدي بهم إلى الضلالة، وجعلهم شهوداً على الخلق. قال تعالى﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ وقال ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ فمن واجب العلماء تنبيه الأمة إلى كل ما يضلها عن دينهم، ومن ذلك ما يتعلق بمشروع قانون الأحوال الشخصية اللاديني المسمى بالزواج المدني كم أن من واجب العلماء أن يقفوا في وجه المخططات الخبيثة التي ترمي لزرع الفتن وتفجير الساحة الاسلامية وأن يكونوا السد المنيع أمام محاولات استهداف المسلمين واستئصال المؤامرات المشبوهة التي تحاك لهم ومنها ما وقع مؤخراً في بلدة عرسال.
 
وانطلاقاً من هذا الدور وبعد سلسلة مشاورات ولقاءات فإن هيئة علماء المسلمين تعلن ما يلي:
 
في موضوع الزواج المدني:
 
أولاً: إن الزواج المسمى مدنياً هو في حقيقته زواج وضعي في مواجهة الزواج الشرعي وهو زواج لاديني يتنكر لمرجعية الدين الاسلامي لدى المسلمين ويتعمد تجاهل أحكام الشريعة الاسلامية الغراء في مجال الأسرة مما يجعل القيام به أو تشريعه مخالفاً لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم باتفاق علماء الأمة.
 
 
 ثانياً: إن مشروع قانون الأحوال الشخصية الاختياري المستورد والذي تقدم به رئيس الجمهورية الأسبق الياس الهراوي عام 1998 قد أحدث شرخاً كبيراً في لبنان ومعارضة قوية من المرجعيات الدينية باعتباره مخالفاً في جوهره وفي أحكامه لمبادىء الاسلام الحنيف بشكل خاص وينبثق من خلفيات وعقائد وأفكار هي نتاج أزمات المجتمع الغربي كما يعتبر نسخة معدلة من الزواج الغربي وقد يؤدي إقراره إلى فتنة داخلية في لبنان.
 
 
 
ثالثاً: إن الزعم بجعل التقنين المقترح للزواج اللاديني اختيارياً هو أمر مردود لأنه خرق للميثاق وللدستور اللبناني وخاصة المادة التاسعة منه التي كفلت احترام أنظمة الأحوال الشخصية للطوائف ولأن هذا المشروع متناقض مع العقيدة الاسلامية فعدم الاكراه في الدين هو عدم اكراه غير المسلم على اعتناق دين الاسلام لا في أن يختار المسلم بين شريعة الله تعالى وتشريعات لا دينية في العلاقات الأسرية وذلك مصداقاً لقوله تعالى ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا﴾.
 
 
 
 
رابعاً : إن اعتماد الزواج الوضعي اللاديني يمس جوهر عقيدتنا وينتهك حرمة أحكام شريعتنا ويتحدى بشكل سافر خصوصيتنا الدينية وأعرافنا وتراثنا وبالتالي فإنه لا مجال للتسليم بإقراره مهما كانت الظروف ومهما بلغت التضحيات.
 
خامساً: ندعو المسؤولين في لبنان رئيساً وحكومة وبرلماناً وقضاء إلى عدم الاستجابة لبعض الضغوط الاعلامية وبعض الهيئات المشبوهة التي ترمي إلى إرضاء ثلة من المنادين بالزواج اللاديني وتشريعه في لبنان على حساب المبادىء الدينية والقواعد الميثاقية والدستورية وعلى حساب الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.
 
 
سادساً : تدين هيئة علماء المسلمين التعدي الفاضح على صلاحيا ت المحاكم الشرعية عبر قيام بعض كتاب العدل بتوثيق عقد زواج بطريقة غير شرعية وغير قانونية، كما تحذر من المضي في التلاعب بقيود الأحوال الشخصية المتمادي منذ عام 2009 ونطالب بوضع حد فوري للعمل بالتعميمات الباطلة وغير الدستورية وغير القانونية التي ترمي الى التلاعب بالدين عبر شطب ما يسمى بالقيد الطائفي من سجلات النفوس بناء على طلب الراغبين بذلك والكف عن الاحتيال على القوانين المرعية الاجراء في مجال الأحوال الشخصية والتي ترمي إلى إجراء الزواج اللاديني بطريقة ملتبسة ومتناقضة كما نبهت لذلك هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل ودون جدوى ونؤكد أنه على من أراد شطب مذهبه من النفوس أن يسير بالأصول القانونية ويطالب باعتماد طائفة أو فرقة بلا دين أو مذهب ولتشرع لنفسها أحكامها الشخصية كما شاءت.
 
 
 
وفي موضوع ما جرى في عرسال يهمنا أن نعلن الآتي:
 
أولاً: إن عرسال بلدة لبنانية بقاعية عريقة وأصيلة في انتمائها وتقدم خيرة شبابها للمؤسسة العسكرية حرصاً على الوطن وأمنه.ووقد أظهرت عرسال شهامتها ومروءتها في استضافة الشعب السوري المكلوم حتى وصل عددهم في البلدة ما يوازي سكان البلدة. وبالتالي فهي تستحق الشكر والتقدير لا الحصار والعقوبة وإلباسها لباس الإرهاب والتطرف.
 
ثانياً: نؤكد بأن عرسال ليست نهر البارد وليست لتصفية الحسابات السياسية ونحذر من الانزلاق الى أتون الفتنة المستوردة من النظام السوري وزبانيته بذريعة الارهاب الذي أصبح لصيقاً زوراً وبهتاناً بأهل طائفة واحدة كي يجعلهم يبررون القتل المباشر والاعدام الفظيع. وليس أدل على ذلك من حادثة قتل الشيخين أحمد عبد الواحد ومحمد مرعب وحادثة الاعدام الحاقدة بحق المواطن خالد حميد.
 
ثالثاً: تحرص الهيئة على السلم الأهلي والعيش المشترك وترسيخ مبدأ العدالة والاقتصاص من المعتدين من أية طائفة أو حزب كانوا وترفض سياسة معاقبة الضحية والمظلوم وعليه فإننا نؤكد مطلبنا الذي أعلناه منذ اليوم الأول للحادثة بضرورة تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الجريمة الملتبسة والمزدوجة بحق أهلنا في عرسال وأبنائنا في الجيش لملاحقة خيوط الفتنة ومعالجة تداعياتها خاصة وأن أموراً كثيرة لا تزال غير واضحة وأن أسئلة عديدة لا تجد أجوبة حتى الآن ليس أقلها السؤال عن سـبب دخول القوة باللباس المدني
 
 
 
 دون التنسيق مع الأجهزة الأمنية في البلدة التي نفت علمها بوجودها وسبب تصفية حميد دون توقيفه وسرقة الجثة ومن هم القتلى الآخرون الذين سلمهم الأهالي للجيش صرعى بشكل يقيني ولم تعلن أية جهة تبنيهم وأين ذهبت جثثهم؟؟؟؟.
 
رابعاً: نتوجه برسالتنا إلى المؤسسة العسكرية والتي من المفترض أن تكون عماد الوطن وسياج أمنه أن تترفع عن عدوى النظام الأسدي في الاعتقالات الجماعية وأسلوب الحصار والتعذيب والتطاول على العلماء والأهالي لقول الله تعالى: ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾، ولذلك نطالب بالاطلاق الفوري للشيخ يحيى الحجيري وسائر المعتقلين ونحذر من مأساة تكرار المعتقلين الاسلاميين الذين نؤكد على مظلوميتهم فضلاً عن رفضنا للمماطلة في محاكمتهم.
 
خامساً: نعم للعدالة مع الجميع ولا نقبل سياسة الأمن بالتراضي لا في قضايا الاغتيالات للرموز السياسية والدينية والأمنية والعسكرية. نعم للقصاص من قتلة الشيخين والمواطن خالد حميد والعسكريين وحادثة سجد وشهداء7 أيار.
 
سادساً: نحذر شبيحة النظام السوري في لبنان والمتشدقين بالتطاول على العلماء مرة بالكلام عن وضعهم بصناديق السيارات أو بالسخرية من حجاب المرأة المسلمة أو التشدق بحب الوطن والجيش على حساب إقحام الجيش في معركة مع أهله وأبنائه، ونحذره هؤلاء بأن خططهم ستبوء بالفشل كما باءت خططهم في نقل المتفجرات لتدمير وتخريب السلم الأهلي في لبنان كما دمروا المدن السورية ونذكرهم بأن ثورات الشعوب منتصرة والعاقبة للمتقين.
 
سابعاً: نطالب بعض وسائل الاعلام المأجورة بالكف عن التحريض وحملات التشهير الاعلامي المضلل ونحذر من المس بأهل عرسال رموزاً وعلماء وشباباً، ونذكر هذه الوسائل الاعلامية بالتزام الحيادية والموضوعية وإلا فإن إعلامنا هو منابر الجمعة التي أيقظت الأمة من سباتها سيكون الرد المناسب عليهم وعلى طبول الحرب التي يقرعوها، كما نشيد بالوسائل الإعلامية المتزنة والمسؤولة التي التزمت المهنية والموضوعية في تلك الحادثة وكانت حريصة على أمن البلد وسلمه الأهلي وساهمت في لجم الفتنة.
 
 
 
ثامناً: نؤكد للجميع بأننا في كل القضايا التي حصلت سابقاً سواء في عكار أو عرسال أو مجدل عنجر أو الزواج المدني أو غيره بأننا لم نلجأ إلى تجييش الشارع الإسلامي في لبنان ولا زلنا نعالج الأمور بالحكمة والحوار ونأمل من كل الأطراف الأخرى أن تعالجها بنفس الأسلوب حتى لا تصل الأمور إلى مرحلة تدفعنا لنقل جمع الربيع العربي إلى لبنان، ونؤكد أننا منفتحون على الحوار والتواصل مع كافة الجهات المعنية وفي كافة المجالات.
 
 
هيئة علماء المسلمين في لبنان
بيروت في 26/ربيع الأول/1434 هـ
موافق    6/شباط/2013 م