بيان  جمعية علماء الكرد في سوريةحول العدوان الداعشي المستمر على كوباني

 

على مدى سنة ونصف السنة من الحصار الداعشي الظالم غير المبرر للقرى التابعة لمنطقة كوباني – عين العرب – وبخاصة القرى الكردية منها، وما جرى خلاله من هجمات مسلحة على المدنيين الآمنين وممتلكاتهم، وخطف آخرين وأسرهم، واضطرار مئات، بل آلاف آخرين، للهجرة إلى خارج المنطقة، أو النزوح إلى مناطق أكثر أمناً، وعلى مدى الأسابيع الخمسة الماضية، وما جرى خلالها من عدوان داعشي سافر على مركز المنطقة مدينة كوباني – عين العرب – سقط خلاله مئات الشهداء من النساء والأطفال والشيوخ، وتشريد ما يزيد على مئتي ألف، مع تدمير مئات البيوت والمرافق الحيوية والبنى التحتية في المدينة، تحت سمع العالم المتمدن وبصره دون أن يحرك ساكناً، أو يرفّ له جفن، بالرغم من نداءات الاستغاثة وتدهور الأحوال ووقوع مآسي إنسانية لا طاقة للشعب الأعزل على تحمّلها، وكأن عذابات هؤلاء المدنيين وفقدانهم لأبسط مستلزمات البقاء على قيد الحياة لا تعني شيئاً لمن يملك القدرة على وقف هذه المآسي ووضع حدٍّ لها!!

ونحن نكتب هذا البيان فإن الأخبار الواردة من كوباني– عين العرب – تفيد أن أحياء من المدينة قد وقعت بالفعل تحت سيطرة القوات المعتدية التابعة لداعش، وأن الاشتباكات قد انتقلت إلى داخل المدينة بين الدواعش المعتدين المهاجمين من جهة وقوات الحماية الشعبية من (ب ي د PYD)و(ي ب كYPK) وأسايش المدافعة من جهة أخرى، بالرغم مما يقال إن طيران التحالف الدولي يستمر في قصف القوات المهاجمة، الأمر الذي يجعل الشكوك تحوم حول جدوى هذه الضربات الجوية، ومصادر تمويل وتسليح قوات داعش، وهل هي حقاً من القوة والمنعة بحيث لا تؤثر عليها الحمم التي تلقيها عليها أحدث الطائرات بأذكى الصواريخ الموجهة وذات الإصابات الدقيقة جداً في أرض مكشوفة ليس فيها جبال ولا كهوف ولا غابات!!!

 لقد أراد أعداء الشعب السوري وثورته المباركة من أسديين وحلفائهم الطائفيين وآخرين - نعرفهم وتعرفونهم جميعاً - أن يكون الشك وسوء الظن سيّد الموقف بين الثوار وأطراف المعارضة السورية، وأن يتحول الصراع إلى داخل الأطراف التي اكتوت بنار النظام السوري على مدى نصف قرن، بدلاً من بقاء هذا الصراع في مواجهة آلة التقتيل والتدمير والتهجير الأسدية، ولقد نجح هؤلاء الأعداء إلى حدّ كبير في تحريف بوصلة الصراع، وإشغال الثوار والمجاهدين بمعارك جانبية، وإشعال جبهات ما ينبغي لها أن تشتعل، وكانت مطية الأعداء الداخليين والخارجيين ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" داعش"، التي استنزفت طاقات للثوار في غير محلها، وحرّرت المحرّر، واتبعت أساليب فاقت في عدوانيتها ووحشيتها وابتعادها عن روح الإسلام والجهاد ما عهده الناس لدى نظام الإجرام الأسدي!!

إن عدوان داعش على كوباني وقراها، ومن قبل على محافظات الرقة ودير الزور والحسكة ومناطق واسعة من إدلب وحلب ومحافظات سورية وعراقية أخرى، ولجوء هذا التنظيم الباغي المشبوه إلى اغتيال قادة الثورة السورية، وتفجير مقرات وحواجز تابعة للجيش السوري الحرّ وتشكيلاته، وخطف الإعلاميين والسياسيين والناشطين والعاملين في مجال الإغاثة بدوافع وذرائع مرفوضة جملة وتفصيلاً قد أضرّ بالثورة السورية أيّما ضرر، وألحق بقضية الشعب السوري العادلة أضراراً لا يمكن معها التسامح أو غضّ الطرف بأي حال من الأحوال. نشخّص هذا البلاء، ولا ننسى السياسات غير الصائبة، والمجافية للمنطق وللمصلحة الوطنية والقومية التي انتهجها المسيطرون على المناطق الكردية السورية، من إقصاء وتهميش وتذويب للتيارات والأحزاب والقوى الكردية غير المؤمنة بخطهم، والتفرّد باتخاذ القرارات ذات الطبيعة الاسترتيجية دون إشراك غيرهم فيها، وانتهاج سياسات لا تختلف كثيراً عن السياسات الأسدية الظالمة، الأمر الذي أضعف الجبهة الكردية، والبيت الداخليّ الكرديّ، وقزّم الصراع الكردي – الداعشي، وصوّرته أطراف كثيرة على أنه صراع بين فئتين معاديتين للثورة السورية صنعتهما المخابرات الأسدية والإقليمية على عينها، مما كان له أبلغ الأثر على مجريات الصراع ونتائجه!!!

إننا إذ نعرض موقفنا مما جرى ويجري بسبب حماقات داعش التي لا يمكن تفسيرها إلا باعتبار أنها خيانة لدماء شهداء الثورة السورية وضحاياها الأبرياء، وطعنة نجلاء مسمومة في ظهر ثورة شعبنا التي تنشد الحرية والكرامة. فإننا نشير إلى جملة من القضايا والحقائق أمام الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، وصناع القرارات الاسترتيجيات والسياسات، آملين أن يأخذوها بعين الاعتبار:

1. إن النظام الأسدي وحلفاءه الطائفيين هم الذين أوجدوا "داعش" الدموي المتآمر على الثورة السورية، ليقول للعالم: إن البديل عني هو الإرهاب والتطرف والتكفير وقطع الرؤوس والتهجير والتدمير، والحروب الطائفية والعرقية والدينية التي لا تنتهي بين أبناء البلد الواحد.

2. إن سياسات هذا التنظيم تجاه الثورة السورية هي التي جعلت كثيراً من دول العالم تقف موقف المتفرج، أو غير المبالي، وربما المؤيِّد لاستمرار أكبر كارثة تحلّ بشعب من الشعوب طوال التاريخ الحديث والقديم.

3. إن تنظيم داعش ليس من القوة والخطورة بحيث يحتاج معها العالم إلى حشد عشرات الدول، على مدى سنوات، وربما عقود، للقضاء عليه. بل إننا نعتقد جازمين أن هذه بدعة ابتدعها صنّاع الحروب والسياسة لابتزاز حكومات المنطقة، وإيجاد طريقة شيطانية لنهب ثرواتها وتفريغ خزائنها وتكريس الذيلية والتبعية لديها، باسم مكافحة الإرهاب، وهي في حقيقتها ضرب لركائز الاستقرار في هذه المنطقة ودولها، حتى لا تقوم لها قائمة لعقود قادمة.

4. إن القضاء على عصابات متطرفة إرهابية تعمل في أرض مكشوفة، مثل داعش، لا يتطلب سوى أمرين:

 أ. توجيه كل الجهود لتقوية الجيش السوري الحر، وتوحيد فصائله، وتسليحه بالأسلحة التي يحتاجها لتغيير موازين القوى على الأرض، فهو الكفيل بالقضاء على النظام الأسدي الإرهابي الدموي والتنظيمات الإرهابية التي فرّخها ورعاها وقوّاها هذا النظام، لتكون أداته في الاستمرار في التسلط على رقاب الناس لأطول فترة ممكنة.

ب. تغيير السياسات المتّبعة تجاه هذه الشعوب والدول، بدعم الديمقراطية وإرادة التغيير لدى هذه الشعوب، والتخلي عن دعم الدكتاتوريات والأنظمة القمعية والطائفية، والتخلي أيضاً عن سياسة دعم الأقليات وتمكينها من حكم الأغلبية.

5. وحتى يتم ما ذُكِر آنفاً، لا بد من فرض مناطق آمنة يحظر فيها طيران النظام الأسدي المجرم، حتى تكون ملاذات آمنة للنازحين واللاجئين السوريين، ويخفف العبء على الدول التي تتحمّل تبعات وجود ملايين السوريين على أراضيها منذ بداية الثورة السورية قبل نحو أربع سنوات.

6. كما نأمل أن يكون ما حصل درساً وعبرة لكل من يعنيهم الأمر، في ساحتنا الكردية والسورية، الكردية والعربية، وهي أن سفينة الوطن لكل أبنائه، وأن ليس من حق كائن من كان أن يفرض نفسه قبطاناً لها، أو يعمل فيها الخروق التي يريد، لأن التيه أو الغرق سيكون مصير كل من على متنها.

7. وأخيراً لا بد من أن تتحمل الأمم المتحدة والمنظمات المنبثقة عنها مسؤوليتها الكاملة تجاه ما يجري لأبناء شعبنا، سواء في كوباني والمناطق الخاضعة لداعش، أو المناطق التي ما زالت خاضعة للنظام الأسدي وعصاباته ومرتزقته، أو في المناطق المحررة ولكنها لا تسلم يوماً واحداً من البراميل المتفجرة والصواريخ والمدفعية والغازات السامة، وتزداد معاناة الناس فيها باستمرار.

حفظ الله سورية بكل مناطقها وأقاليمها، وحفظ شعبها بكل مكوّناته، ورحم شهداءها وضحاياها الأبرياء، ومنّ على جرحاها بالشفاء العاجل، وعلى ثوارها وأبطالها الميامين بالنصر والتمكين، وجعل الهلاك والدمار من نصيب كل المتربصين بها.

الخميس 15 ذي الحجة 1435هـ

الموافق لـ 9/10/2014م

جمعية علماء الكرد في سورية    جبهة العمل الوطني لكرد سورية