الوقت

أخي المسلم:

لديك شيء لو عرفت قيمته ما فرطتَ فيه، ولرأيتَه أغلى من المال والجواهر النفيسة، بل لرأيتَه رأس مال الحياة التي تحياها، ألا وهو الوقت.

الوقت هو الزمن الذي تعيش فيه، وتأكل فيه، وتتعلم فيه، وتصلي فيه، وتصوم فيه، وتحيا فيه، فهو رأس مال الحياة حقاً، إذ لا حياة بلا وقت.

وإذا كان موقع الوقت بهذه المثابة العظيمة الغالية، فيجب عليك أن تحافظ على وقتك من أن يذهب سدى، أو يتقضى معطلاً، فإنك إن كنت كذلك تكن كمن أوتي مُلْكاً عظيماً فأضاعه، أو رُزِقَ مالاً نفيساً فأحرقه، فأتلفه على نفسه وأتلفه على أمته.

ومن أجل هذا حذَّرَ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذهب وقت المسلم هدراً فارغاً دون أن يستفيد منه، فقال: نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ. وقال سيدنا عمر رضي الله عنه: إني لأكره أن أرى أحدَكم سَبَهْلَلاً - أي فارغاً - لا في عملِ دنيا، ولا في عمل آخرة.

فالوقْتُ هو الركن الركين من حياة الإنسان، وهو الركن الركين أيضاً في بناء مدنيته وآثار وجود من يأتي بعده من الناس، فانظر - مثلاً - المكتبة الإسلامية الزاخرة، فإنها ملأت ما بين الخافقين، وما كانت تكون كذلك لولا أن علماءنا قَدَرُوا الوقتَ حقَّ قدره، فاستفادوا منه وعمروه بالتعلم والتعليم والتأليف وما إلى ذلك، حتى لقد كان مؤرخ بغداد ومحدثها الخطيب البغدادي صاحب التآليف العديدة يقرأ وهو يمشي في الطريق، كسباً للوقت حتى في أثناء المشي، وكان أبو الوفاء ابن عقيل إمام الحنابلة في عصره، كان وهو في الثمانين من عمره يقول: أنا أُقَصِّرُ بغاية جهدي أوقاتَ أكلي، حتى أختارُ سَفَّ الكعك وتحسيه بالماء على أكل الخبز، لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، توفرا على مطالعة أو تسطير فائدة لم أدركها فيه. فألَّف نحو عشرين كتاباً كبيراً، أحدها وهو كتاب الفنون بلغ ثمان مئة مجلدة، وقال الحافظ الذهبي: لم يُصنَّف في الدنيا أكبرُ من هذا الكتاب.

فاعرف - يا أخي المسلم - ما يذهب به ليلك ونهارك، واملأ وقتك بالخير الذي جاء الإسلام به، وما أكثر أنواعه وصنوفه، فإنك بذلك تنفع نفسك وأمتك في الدنيا، وتؤجر وتشكر على ذلك في الآخرة، وذلك الكسب العظيم.

من كتاب:" أيها المستمع الكريم" إعداد ومراجعة: محمد زاهد أبو غدة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين