الورع البارد

من تعاجيب بعض الفضلاء مطالبتنا بالرد على الناصبي عداب الحمش بالرفق واللين لكونه شريف النسب، وأبعد بعضهم فاحتج بقوله تعالى: (فقولا له قولا لينا) وتعلق آخرون بنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل العباس عليه السلام، مع أننا قابلنا الناصبي عداب الحمش في (نجعة المنتاب) باللين والرفق فلم يردعه ذلك عن سفاهته وغوايته واستطالته في أعراض السلف الأول.!

ومن فقه الدعوة والنهي عن المنكر إنه إذا لم ينجع مع المدعو لين ولا رفق لسفه أو جور، انتقل معه الداعي إلى الشدة، ألا ترى أن موسى قال لفرعون قولا لينا، فلما سفه عليه فقال: (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون) قابله موسى بمثل أسلوبه فقال له: (رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون) وقد ذكر العلماء أن للنهي عن المنكر رتبتين: اللين والشدة، فلم يمنعوا الشدة لكن ضبطوها بأن تكون على سبيل المقابلة إذا غلب على الظن عدم انتفاع المدعو باللين لصلف وسفه، وأن يكون قصد الداعي هدايته لا التشفي منه.

والاستدلال بواقعة العباس غلط لأنا لم نرد قتله كما قال بعض الفضلاء، بل قصدنا ردعه عن ظلمه وجوره على الصحابة لعموم حديث: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) على أن الصحيح أن العباس كان مسلما من السابقين لكنه أخفى إسلامه، والقول اللين لم ينفع معه فانتقلنا إلى مقابلته بمثل أسلوبه في الإقذاع لخصومه.

وعلى التنزل أنه شريف النسب، فلا كرامة له ولا حرمة إذا وقع في أعراض الصحابة والعلماء وحراس الشريعة وأمنائها، فمن (بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) والأمر كما قال ابن أيمن:

إذا القرشيُّ لم يُشبه قريشاً.......بفعلِهمُ الذي بذَّ الفعالا

فتيسٌ من تيوس بني تميمٍ...بذي العبلاتِ أحسنُ منه حالا

وهذا مثل إسماعيل بن يوسف العلوي الضال المبتدع الطاغية الذي استحل الحرم وفيه يقول الحافظ ابن كثير: (لا جزاه الله خيرا ولا قبل منه صرفا ولا عدلا) ومثل الحسن بن قنون وهو من ولد المولى إدريس وقد وصفه ابن حزم والحميدي بالطاغية.

ومثل إبراهيم بن موسى الكاظم القائم باليمن سنة مائتين، ولم يتم أمره، وكان يعرف بالجزار لسفكه الدماء كما قاله ابن خلدون في (تاريخه) ولا ريب أن العقاب يضاعف على الآل كما الأجر. 

ومثل يحيى بن يحيى بن محمد بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وقد ذكر ابن أبي زرع في (روض القرطاس) خبر تعشّقه جاريةً يهودية حتى تبعها إلى حمام، فكان هذا سبب طرد عبد الرحمن بن أبي سهل له، ومثل يحيى بن علي المعتلي الإدريسي القائم بالأندلس وقد قُتل وهو سكران كما ذكره الحميدي، وغير ذلك، وقد قال تعالى (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) وقال القطب ابن القسطلاني:

إذا طابَ أصلُ المرء طابت فروعُهُ ... ومن غلطٍ جاءَت يدُ الشوك بالوردِ

وقد يخبُثُ الفرعُ الذي طابَ أصلُهُ ... ليظهرَ صُنعُ الله في العكس والطردِ

وما أحسن ما قال ابن عساكر لأبي عامر العبدري الذي يطعن على الأئمة الكبار: نحترمك ما احترمت الأئمة، ونحن مع الناصبي عداب كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:

لئن كنتُ محتاجاً إلى الحِلم إنني ... إلى الجهل في بعض الأحايين أحوجُ

فمن رامَ تقويمي فإني مُقَوَّمٌ ............. ومن رامَ تعويجي فإني مُعَوَّجُ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين