الموجز في التاريخ: عبد الملك بن مروان

هو أول خليفة متغلب في تاريخ المسلمين، انتزع الخلافة من عبد الله بن الزبير، الذي بايعته أكثر الأمصار الإسلامية، بعد وفاة يزيد بن معاوية، ثم استطاع عبد الملك التغلب على كل الحركات المناوأة لحكم الأمويين في العراق، كحركة التوابين الشيعية، وحركتي الخوارج: الأزارقة، والصفرية، وثورة ابن الأشعث، التي كانت من أكثر ما أتعب عامل الأمويين على العراق: الحجاج بن مسلم الثقفي، والتي قامت ردًا على ظلم الحجاج، وتجاوزاته في العراق، وانضم إليها عدد كبير من العلماء والفقهاء، على رأسهم: الصحابي الجليل: أنس بن مالك رضي الله عنه، واستطاع ابن الأشعث هزيمة جيش الحجاج مرارًا، ولكن الحجاج استطاع في النهاية التغلب عليه، وذلك عام: (83 ه)، كما استطاع عبد الملك بن مروان هزيمة جيش مصعب بن الزبير في العراق وقتله؛ بعد أن كان مصعب قد قضى على حركة المختار الثقفي الكذاب في العراق، وكذا قتل عبد الملك ابنَ عمه: عمرو بن سعيد بن العاص (الأشدق) لما انقلب عليه في دمشق.

وجَّه عبد الملك بعد ذلك عدة حملات إلى الحجاز؛ لأخذ البيعة من ابن الزبير، إلا أنها باءت كلها بالفشل؛ فأرسل حملة بقيادة الحجاج بن مسلم الثقفي؛ فضرب مكة بالمنجنيق، وهزم ابن الزبير، وقتله ثم صلبه، وأخذ البيعة من أهل مكة لعبد الملك بن مروان، وبايعه ابن عمر أيضًا.

كان من أعظم أسباب فشل عبد الله بن الزبير وهزيمته؛ إبقاؤه مركز الخلافة في مكة، وهي مدينة تعتمد على تجارة الأمصار: العراق ومصر والشام؛ لذا استطاع الأمويون محاصرتها اقتصاديًا، ومن ثمَّ إخضاعها لهم، وكذا ضعْفُ إعلام ابن الزبير رضي الله عنه، واستهانتُه بأعدائه الأمويين، وغير ذلك من الأسباب.

بلغت الدولة الأموية زمن عبد الملك بن مروان الذروة قوةً واتساعًا، واستطاع عبد الملك إدارتها بكفاءة عالية، أعاد لها وحدتها، بقضائه على خصومها؛ فازدهرت فيها الزراعة والتجارة، والصناعة والعمارة، وتطورت فيها النظم الإدارية والعسكرية، والعلوم بشتى أقسامها، وكان من أعظم أعماله الإدارية الباهرة: تعريب دواوين الدولة، خاصة ديوان الخراج، أهم دواوين الدولة، الذي كان حكرًا على غير العرب، القبط والروم والعجم، وكان ذلك وضعًا شاذًا في الدولة؛ فجاء عمل عبد الملك هذا فصحح الوضع، وفتح المجال أمام العرب المسلمين للعمل في هذا الديوان، والتدريب على شؤون المال والاقتصاد؛ ولهذا وغيره عُدَّ عبد الملك بن مروان: المؤسس الثاني للدولة الأموية؛ بعد مؤسسها الأول: معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين