الموجز في التاريخ: انتقال علي إلى الكوفة ووقوع الفتنة

تغيرت الظروف السياسية في المدينة؛ فأجبرت علي بن أبي طالب رضي الله عنه على الخروج إلى الكوفة، وأثناء استعداده لذلك؛ بلغه خروج طلحة والزبير إلى البصرة؛ فاستنفر الناس، ودعاهم لنصرته، فتثاقل أكثر الناس عن ذلك، بسبب وجود الغوغاء في جيشه رضي الله عنه، ووقف عدد من الصحابة أمام عليٍّ رضي الله عنه ليمنعوه من الخروج، وأن يبقى في المدينة، منهم أبو أيوب الأنصاري، وعبد الله بن سلام، وابنه الحسن، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، لكن موقف علي كان حازمًا في هذه المسألة وواضحًا، ولم يستطع أحدٌ أن يثنيه عن عزمه، فخرج ومعه نحوٌ من سبعمئة رجل.

لـمَّا وصل علي رضي الله عنه إلى ذي قار أرسل إلى أهل الكوفة يستنفرهم، ويدعوهم إلى نصرته؛ فتثاقلوا، حيث كان أبو موسى الأشعري -والي الكوفة من قبل علي رضي الله عنه- قد ثبطهم، وحذرهم من القتال في الفتنة، فعزله علي رضي الله عنه عن الكوفة، ثم أرسل إلى أهلها ابنه الحسن، وابن عباس، وعمار بن ياسر، والقعقاع بن عمرو التميمي، يستنفران الناس من جديد، فخرج معهم آلاف من أهل الكوفة، وقد بيَّن عليٌّ رضي الله عنه لأهل الكوفة ولغيرهم لما اجتمعوا حوله في ذي قار؛ أن هدفه من خروجه هذا الإصلاح، والقضاء على الفتنة، ولم يكن القتال واردًا في تدابيره رضي الله عنه.

أقام علي رضي الله عنه في ذي قار أيامًا قبل أن يتحرك بجيشه إلى البصرة، وأرسل القعقاع بن عمرو إلى طلحة والزبير، يدعوهما إلى الصلح، فأتى عمروٌ عائشةَ رضي الله عنها، فسألها عن سبب قدومها، فقالت: الإصلاح بين الناس، فطلب منها أن تبعث لطلحة والزبير ليحضرا، ويكلمهما في حضرتها، وعلى مسمع منها، ولما حضرا سألهما عن سبب قدومهما، فقالا كما قالت عائشة: من أجل الإصلاح بين الناس، وأن إصلاحهم هذا يبدأ بالقصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه، فكلمهم القعقاع عن ذلك بمنطق صحيح، وحجة مقنعة، وكان مما قال: إن دواء هذا الأمر التسكين، حتى تنتهي الخلافات، وتجتمع كلمة الأمة على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فيتفرغ بعدها لقتلة عثمان رضي الله عنه.

تأثرت عائشة رضي الله عنها بمنطق القعقاع وحجته، واقتنع طلحة والزبير رضي الله عنهم بكلامه الصادق المخلص، ووافقا على دعوة الصلح، فرجع القعقاع إلى علي رضي الله عنه فأخبره خبر القوم، فاستعد علي رضي الله عنه للرحيل إلى البصرة، ولما وصل علي أطراف البصرة، ونزل الناس منازلهم، التقى علي وطلحة والزبير، فتكلموا فيما اختلفوا فيه، ثم اجتمعت كلمتهم على الصلح، وترك الحرب، ثم رجع كلٌّ إلى معسكره، وبات الناس على نية الصلح والعافية، وبات قتلة عثمان في شر ليلة باتوها قط، وأيقنوا أن اجتماع الناس يعني القصاص منهم، فأمرهم ابن سبأ بإنشاب القتال بين الناس؛ ليشتغل علي وطلحة والزبير عن الثأر منهم، فغدوا في الغلس إلى أهل البصرة فوضعوا فيهم السيف، فثار عليهم أهل البصرة، فظن طلحة والزبير أن عليَّاً طرقهم ليلًا، وظن عليٌّ أن طلحة والزبير طرقوه ليلًا، فنشب القتال بينهم، ووقعت معركة الجمل بينهما (*).

(*) ينظر: الطبري، تاريخ الطبري، مصدر سابق، 4/477 وما بعدها، وينظر: ابن الأثير، الكامل، مصدر سابق، 2/582 وما بعدها، وينظر: ابن كثير، البداية والنهاية، مصدر سابق، 7/233.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين