السؤال:
من الأسئلة الشائعة لدى
غير المسلمين عن الإسلام: لِمَ
لا تُوجد مساواة بين الذكر والأنثى عند الإدلاء بالشهادة، حيث إنّ شهادة رجل واحد
تعدل شهادة امرأتين؟
الجواب:
1- يُشترط للشهود في الإسلام شروط؛ يُقصد
منها ضمان ضبط المسائل، وتحقيق العدالة، ووصول الحقوق إلى أصحابها. وهذه الشروط
لم تُبْنَ على أساس الذكورة والأنوثة، بل بُنِيَت على عدّة أسس، من أهمّها:
أ.العدالة، فمن كان كذّابًا لا تُقبل
شهادته، وكذا من كان مشهورًا بالفسق كفعل الفواحش وشرب المسكرات ونحوها لا تقبل
شهادته؛ لأنّ هذه الأشياء تُخلّ بعدالته، وتُوقع الشكّ في صدقه.
ب.
الضبط،
وهو أن يُدرك ويَعي ويَتذكّر تفاصيل ما سيشهد عليه، فلا تُقبل شهادة مَن لم يشهد
رؤيةً أو سماعًا، ولا مَن كان كثير النسيان. ومَن كانت القضية ليست في دائرة
اهتمامه فلا يتفرّد بالشهادة؛ لاحتمال أن ينسى أو تختلط عليه بعض الأمور؛ فلا بدّ
من شاهد آخر معه يكمّل ما نقص من شهادته.
ج.
اكتمال
العدد، فمثلاً لا يُقبل في إثبات جريمة الزنا إلا أربعة شهود، أمّا في غيرها فيُقبل
شاهدان، وقد يكتفى بشاهد واحد في بعض الحالات بضوابط معيّنة. وبيان هذه الشروط
مذكور في كتب الفقه الإسلامي بالتفصيل.
2- ذُكر الشهود في القرآن الكريم في
عدة مواضع، ولم يُحددوا بكونهم من الرجال أو النساء، والموضع الوحيد الذي ينصّ على
أنّ شهادة المرأتين تعادل شهادة رجل واحد هو قوله تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ
أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي
عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا
فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا
يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ
وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ
فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ
إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282].
وهذه الآية ليست
في الشهادة بشكل عام، بل هي في الإشهاد على دَيْنٍ خاص، والخطاب فيها موجّه لصاحب
الدَّيْن؛ ليستوثق لدَيْنِه ويضمن حقّه من خلال ذكر الصفات الأكمل في الشهود.
3- علّل العلماء كون شهادة المرأة على
النصف من شهادة الرجل في هذه المسألة بأنّ المرأة ليس من شأنها الاشتغال
بالمعاملات المالية، ولذا فإنّ اهتمامها قد يكون ضعيفًا؛ فتنسى، فمن باب الاحتياط
في الأموال جاء الأمر بإشهاد رجل وامرأتين، فإذا نسيت إحدى المرأتين ذكّرتها
الأخرى.
4- علّةٌ أخرها ذكرها بعض العلماء وهي:
أنّ المرأة بطبيعتها العاطفية تكون مظنَّةَ التأثر بملابسات القضية، وبمن ستشهد له
أو عليه؛ فربما تجانب الحقيقة بقصد أو بغير قصد، ولذا جاء التشريع الرباني بأن تكون
معها امرأةٌ أخرى تذكّرها أو تصحّح شهادتها؛ فتظهر الحقيقة جليّة.
5- علّة ثالثة كشف عنها العلم الحديث
يتعلّق بطبيعة تركيب دماغ المرأة، والذي يختلف تمامًا عن دماغ الرجل، فالرجل عندما
يُسأل عن شيء: يبدأ بالتذكّر فإذا اكتملت المعلومة عنده بدأ بالحديث عنها، بخلاف
المرأة التي تبدأ بالكلام بمجرّد بدء عقلها بالتذكّر؛ وربّما تكلّمت بأمور كثيرة حول
القضية ومجرياتها منذ بدء حصولها، ولذا قال العلماء إنّ التعبير القرآني في هذه
المسألة دقيق جدًّا، حيث قال الله تعالى: {أَنْ
تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}، ولم يقل:
تنسى، فهي بطبيعتها وطريقة تفكيرها وطريقة إدلائها بشهادتها ربّما ضلّت أي ابتعدت
عن الموضع المراد الإدلاء بالشهادة حوله، فتذكّرها المرأة الأخرى التي جاءت
للشهادة معها وتوجّهها.
6- في بعض الحالات لا تُقبل شهادة
الرجل، بل لا بدّ من شهادة المرأة! أو تُقدّم شهادة المرأة على شهادة الرجل! ومن ذلك:
الشهادة على الأمور التي تخصّ النساء، ومسائل الرضاع، فمثلاً يكتفى بشهادة امرأة
واحدة لثبوت الرضاعة، سواء كانت المرضع أو غيرها؛ ليترتّب على ذلك أحكام الرضاعة
المعروفة في الشريعة الإسلامية.
7- تُقبل رواية المرأة الواحدة للحديث الشريف
الذي هو أحد مصدري التشريع مع القرآن الكريم، ومعلوم أنّ الرواية تقارب الشهادة في
كثير من الأمور. وقد روت عائشة -رضي الله عنها- 2210 أحاديث، تفرّدت برواية الكثير
منها، وهي أحاديث صحيحة مقبولة معتمدة لدى المسلمين.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول