المرجعية الإسلامية والتغيير من الداخل

 

 

عندما خاطب القرآن الكريم البشر بقوله تعالى: [إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ] {الرعد:11}. لفت نظرَهم إلى أن سُنَّة التغيير العظمى تقتضي أن يبدأ التغيير من الداخل، وصيغة الجمع التي جاءت بها الآية الكريمة تدلُّ على أنَّ تغيير ما بالنفس لا يقتصر على تغيير البشر أنفسهم كأفراد، إنما كذلك تغيير أنفسهم كجماعات ونُظُم، وشواهد التاريخ في صعود الأمم وهبوطها يدلُّ على أن تفتّت الأمم وانحلالها يبدأ كذلك من الداخل، فبعدما كانت المجموعة العربية الإسلامية في قمة عطائها في الماضي، انحدرت في الزمن المعاصر إلى الحضيض ليس بفعل القوى الخارجية فقط , ولكن عندما تحلَّلت قيمها وأسن داخلها، ومنذ ذلك الحين نشأ سؤال يطرح نفسه بقوة، لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟؟ وكيف نُغير واقعنا؟!!

يقول أصحاب الفكر الليبرالي: أننا أمة تعيش في الماضي، ونُقارع أمجاد حاضر الأمم بأمجاد أسلافنا، ونُقدس تراثنا بنظرة ماضوية يجب التخلص منها والبدء من حيث انتهى الآخرون.

 

لكن عندما ننظر لواقعنا نرى أنه قد فشلت كل القوى والنخب القومية والليبرالية واليسارية والبعثية من إنجاز التقدم، لأنها تجاوزت كل الخصوصيات الثقافية والحضارية للأمة، وفرضت نماذج قسرية للتغيير، في إطار الانسلاخ والاستلاب والقطيعة التامة مع ذاكرتها الحضارية.

 

لقد اعتقدت تلك القوى أن تحقيق النهضة يمر عبر إلغاء التراث والذاكرة الجمعية للأمة، ونسيت أنه لا يمكن لأي مجموعة بشرية أن تُحقق تطلعاتها وهي فاقدة لذاتها.

 

 فالشرط الأول لقيام النهضة هو حضور الذات القادرة على تحريك كل عناصر المجتمع الفاعلة والمؤثرة؟ ، وأن ذلك لا يتم إلا بمصالحتها، وسبر أغوارها واكتشاف معدنها الأصيل وتحفيزها.

 

نحن بحاجة إلى تغيير ما بأنفسنا، أي إلى ذاتنا الفاعلة التي تأخذ على عاتقها التغيير من داخل المنظومة الإسلامية،ومن خلال التعاليم الإسلامية, باستلهام أجمل ما في التراث، وأحسن ما في القيم الإنسانية المشتركة، لممارسة القيم الإسلامية الأصيلة التي تتبنى ثقافة العدل والتعايش وإعلاء قيمة النفس البشرية.

 

إنَّ تحديد العلاقة السليمة بين الماضي والحاضر يقينا من الازدواجية القلقة التي يعيشها الكثير منا، فلا تقديس مطلق للماضي، ولا انبهار جارف بمنجزات العصر، وحدها القراءة الواعية للتراث، ومزاوجته بإنجازات الحضارة المعاصرة يؤهلنا لدفع مسيرة الأمَّة نحو الانجاز والشهود الحضاري.

 

إنَّ إعادة الاعتبار لتراث الأمة وحضارتها وهويتها والتصالح معها، ليس عيشاً في الماضي وهروباً من الحاضر (كما يزعم البعض) ، وإنما هي عملية واعية لتحفيز الأمة على فعل الشهود الحضاري من داخل قيمها وتوفير كل شروط الانطلاقة الحضارية المنشودة.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين