القواعد الحاكمة لفقه المعاملات

القواعد الحاكمة لفقه المعاملات

 

يوسف القرضاوي

التقديم للبحث:

كُتب هذا البحث بطلب من الأمانة العامة للمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث؛ عن (المعاملات المالية) التي تهم المسلمين في أوربا. وموضوعه (القواعد الحاكمة لفقه المعاملات) وهو يدور حول سبع من القواعد الكبيرة التي تندرج تحتها قواعد أخرى فرعية، فضلاً عن جزئِيّات وتفصيلات كثيرة.

 

وقد استفيد مما كتبه الفقهاء السابقون؛ الذين يعنون بهذه القواعد ولا سيما الإمام السيوطي الشافعي (ت911ه)؛ وابن نُجَيم الحنفي (ت970ه) وكلاهما مصري، وقد اقتبس ابن نجيم كثيرا من السيوطي بالحرف وإن لم يُشر إليه. كما استفيد من (مجلة الأحكام) العدلية التي قنّنت فقه المعاملات على مذهب أبي حنيفة في صورة مواد على غرار القوانين الوضعية.

 

كما استفيد مما كتبه العلامة الفقيه الكبير الشيخ مصطفى الزرقا في كتابه الشهير (المدخل الفقهي العام) رحمه الله وجزاه عن الفقه والإسلام خيرًا.

 

كما تم الاطلاع بعد كتابة البحث هذا على كتاب مهم وهو موسوعة القواعد والضوابط والقواعد الفقهية الحاكمة للمعاملات المالية في الفقه الإسلامي؛ التي صنّفها الباحث الهندي الذي تخصّص في هذا المجال وعُرف به وأبدع فيه: الدكتور علي أحمد الندوي، والتي صدرت في ثلاثة مجلدات عن (دار التأصيل) التي يُشرف عليها الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن عقيل بالتعاون مع الهيئة الشرعية لشركة الراجحي للصيرفة والاستثمار وشركة المستثمر الدولي بالكويت.

 

ومن المهم للعالم الذي يُعنى بفقه المعاملات: أن يبحث عن القواعد والمبادئ التي تضبط هذا الفقه حتى لا يخرج عن إطار الشريعة التي أنزلها الله لتحقق مصالح الناس المادية والرُوحية الفردية والجماعية الآنية والمستقبلية. أو كما قال علماؤنا: مصالح العباد في المعاش والمعاد.

 

وكما أنَّ الفقه يحتاج إلى النصوص الجزئية الشرعية من القرآن والسنة يحتاج إلى معرفة (المقاصد الشرعية) المتعلّقة بالمال والتي يَتَوخّاها الإسلام في تشريعاته القانونية: ووصاياه الأخلاقية.

 

 يحتاج أيضا إلى (القواعد الكلية) التي تندرج تحتها أحكام جزئية شتى تنتظم أبواب الففه. ويرجع إليها العلماء المجتهدون؛ فيما يستنبطونه من أحكام المعاملات أو فيما يرجّحونه من الفقه الموروث الذي يتميّز بكثرة الأقوال والخلاف وتعدّد المذاهب والاتجاهات. ولا بد - لكي يحيّد الفقيه موقفه - من الموازنة والترجيح.

 

فلا ريب أن يجد الباحث هنا عدَّة قواعد مهمّة قرّرها علماؤنا لتكون حاكمة لمعاملات الناس. وينبغي للذين يتصدَّون للفتوى في معاملات المسلمين المعاصرة؛ أن يضعوها نُصب أعينهم لتعينهم على تبيّن الحكم الشرعي الصحيح، الذي يقوم على حسن الاستنباط من النص وحسن تنزيله على الواقع المعيش وقد لا يوجد نص جزئي فيلجأ الفقيه إلى القواعد فيأخذ منها الحكم، وهو مسلك أصولي معروف عند فقهاء الأمة.

 

بل هو محتاج إلى القاعدة الكلية مع وجود النصٍ الجزئي. كما هو في حاجة إلى الرجوع للمقاصد. فلا يستغني ذو اجتهاد كلِّي أو جزئي ترجيحي أو إبداعي من الرجوع إلى منارات ثلاث:

1- النص الجزئي الثابت من القرآن أو السنة.

2- المقاصد الكليّة المرعية من وراء النصِّ.

3- القواعد الكلية العامّة المستخرجة من استقراء الأحكام ورعاية المقاصد.

وهذا البحث قُدِّم للمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث سنة 2008م؛ وتنشره دار الشروق بالقاهرة.


لتحميل الملف .. اضغط هنا