القائد الشهيد عمر محمود رمضان التيت البيانوني

 

البطل القائد الشهيد عمر محمود رمضان التيت البيانوني
لقد أظهرت الثورة السورية نماذج رائعة من الشباب المؤمن المجاهد الذي يذكر بالرعيل الأول في ثباته وصدقه وإخلاصه وبطولته ، وسنعرض ترجمة لأحد هؤلاء الأبطال النجباء الشهداء من مدينة حلب الشهباء .
 
 
إنه القائد البطل عمر البيانوني بن محمود رمضان التيت رحمه الله تعالى وعوضه عن شبابه الجنة .
ولد هذا الشهيد في مدينة حلب في حي الشيخ مقصود في 16/8/1989 م ، ودرس المراحل الدراسية في حلب ثم انتسب إلى كلية التجارة والاقتصاد في التعليم المفتوح في جامعة حلب .
 
 
نشأ هذا الشاب المؤمن الصالح التقيُّ النقي نشأة صالحة ، وعانى من مرارة اليتم إذ توفيَ والده سنة 1993 وهو في الرابعة من عمره ، مما أكسبه قوة الإرادة والاعتماد على النفس ، وكان باراً بوالدته ، متفوقاً في دراسته من العشر الأوائل في الجامعة .
 
وكان يتميز بالمروءة والنجدة والانتصار للحق دون مبالاة بالباطل وقوته ، وقد حرم من الدراسة الجامعية لمدة ثلاثة شهور بسبب دفاعه عن بنت محجبة لم يكن يعرفها ولكنه يحترمها ويقدرها ، إذ هاجمها المدرس في الجامعة لأنها تأخرت ثلاث دقائق وأمسك المنضدة التي تجلس عليها وسحبها في الوقت الذي يتجاوز فيه عن تأخر الكثير من البنات الكاسيات العاريات ، فانتصر لهذه الفتاة ووقف في وجه المدرس الجائر فسحبت منه البطاقة الجامعية وشكلت لجنة لمحاكمته ، وقال للقاضي : (أنا أتكلم بالحق ولو على قطع رأسي ، المرأة إذا كانت محجبة يجب أن يسخر منها ! وأما السافرة فيتغاضى عنها) ، فوقف القاضي مع هذا الشاب الجريء المؤمن البطل عمر وأنصفه وأعاد له بطاقته الجامعية ، ورجع إلى متابعة دراسته .
ولما ابتدأت المظاهرات في حلب ضد نظام الإجرام والفساد والاستبداد كان من أوائل الذين خرجوا في المظاهرات في جامعة حلب وبلدة "بيانون" إذ كان روح الثورة في بيانون .
 
وعندما حاول تهريب إخوانه المشاركين في المظاهرات اعتقل من قوات الأمن المجرمة وبقيَ خمسة وسبعين يوماً وعانى من أشد أنواع الاضطهاد النفسي والجسدي وعُذِّب في أقبية المخابرات الجوية والأمن السياسي ، وكان يجابه الظالمين ويسب معبودهم بشاراً ، ويعلن لهؤلاء الجلاوزة أنه خرج في المظاهرات بسبب الظلم الواقع على الشعب السوري .
 
ووقف أمام ضابط الأمن وكلمه عن الظلم والفساد والإجرام ، وبعد خروجه من السجن بقي أربعة أشهر يعاني من آثار العذاب الذي ذاق صنوفاً منه في أقبية المخابرات .
 
وحلف يميناً بعد خروجه ألا يقول كلمة : كل عام وأنتم بخير في مناسبة العيد ، وكان يقول : كيف أقول ذلك والأحرار يضطهدون والأشرار يستأسدون ، وكان أهل حلب في تلك الآونة منغمسين في دنياهم .
وقدم له زوج أمه زجاجة عطر أحضرها هدية له ، فقال : احتفظوا بهذا العطر وأرجو أن ترشوه على قبري بعد شهادتي .
 
لقد كان حلمه أن ينال الشهادة في سبيل الله ، وبعد أن شارك في تحرير أطراف حلب والريف الشمالي كان يقتصر في إفطاره في رمضان على الخبز والبندورة ويقول: حسبي أن أقتات من هذا الطعام لأحارب الظلم .
 
أصرت أمه على أن يبقى عندها ويبتعد عن ساحات الوغى والقتال فقال لأمه وهو يودعها : هل تريد أن أكون ديوثاً ؟ أرضى بالظلم بعدما رأيت النساء يعذبن في السجون ! .
 
ولما أصرت أمه أن يستجيب لها وهددته بأن تغضب عليه إن تركها قال لها : سأصلي ركعتين وأنام ، وإذا كانت الثورة على حق فسأتابع الجهاد في سبيل الله ، فاستيقظ الفجر وجاء إلى والدته وقال لها : بقي لي سبعة مواد لأتخرج من الجامعة ، فأخرج أوراقه الجامعية وقطعها إرباً إرباً وقال : سألتحق بموكب الجهاد . فقالت له أمه : ستحرق قلبي وسأغضب عليك ، ولن أسمح لك .
 
وقدر الله أن تسمع الأم لحديث ديني مؤثر للشيخ محمد حسان المصري وهو يقول : يجب على كل أم أن تساعد ابنها على طاعة الله عز وجل وتثق بالله سبحانه ، فتأثرت بكلماته وأقبلت على ابنها وقالت له : إذا أردت الجهاد يا بني فاسلك طريقه . فقال لها : ما الذي غيَّرك يا أم الخول ( خولة ) ؟ فقالت : سلمتك لله وأنت وديعتي عنده ، فودعها والتحق بكتائب الجهاد وانقطع عنها لمدة ثلاثة أشهر .
 
كان الشهيد عمر من أهل الثراء ، وقد باع أرضاً له يملكها بعشرين مليون ليرة واشترى بها أسلحة للثورة .
 
وقد كان مع المجاهدين في حي الشعار قرب مستشفى دار الشفاء ، واستشهد اثنا عشر صديقاً من رفاقه بالحمم التي ألقاها طيران الغدر والإجرام ، وقد نجا من هذه المجزرة البشعة .
 
وما زال يطلب الشهادة بصدق ويسعى إليها ، وقد رسمت معالم الشهادة على وجهه الأنور ، وقد خاض غمار عدد من المعارك منها اقتحامه ثكنة هنانو وأصيب بشظايا وأدخل المشفى وعولج .
 
وزار أمه في رمضان الفائت (1433هـ) وودعها قبيل سفرها من حلب وتوضأ عندها وغسلت وجهه ولحيته وشربت من الماء المتناثر من وجهه ولحيته ، وصلت خلفه الفجر وأخذ يقنت ويبكي ويدعو : اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك وأنا مخلص في طلبي ( ثلاث مرات ) ، وترددت الأم في التأمين على دعائه حرصاً على سلامة ابنها وخوفاً من فراقه .
 
وبعد أن صلى الفجر ودع أمه ، وجاء رفاقه فاصطحبوه من الشيخ مقصود إلى مقره في حي الشعار ، واتجهت أمه إلى المطار وقد وعدها أن يلقاها في دوار الصاخور لكنها خشيت عليه ولم تنتظره هناك واتصلت به من المطار لتخبره بأنها راضية عليه مطمئنة على الطريق الذي يسير به نحو الجنة .
 
كان الشهيد عمر في مقدمة الذي خططوا لاقتحام مدرسة المشاة بعد حصارها ، ودخل المدرسة فاتحاً منتصراً وجلس مع "أبي الفرات" يعلن اقتحام المدرسة ونجاح الخطة الجهادية ، وظهر في شاشات التلفاز وهو يكبر ويهلل ويعلن النصر القادم والسير نحو تحرير سوريا من براثن الطغاة المجرمين .
 
استشهد البطل في مدرسة المشاة من كمين غادر وهو يصلي صلاة العصر في الركعة الأخيرة رحمه الله وأثابه رضاه ، وتقبله في عباده الصالحين .

ينظر الرابط  في مدخل مدرسة المشاة مع أبي الفرات وهو يقول مخاطباً بشار :
 
سنأتيك برجال يحبون الموت على قدر ما تحب الحياة أنت ورجالك أيها الحقير السافل .