العلامة الفقيه المحدث الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة (2)

العلامة الفقيه المحدّث الأستاذ

عبد الفتاّح أبو غدّة رحمه الله تعالى

في ذكرى وفاته في شوال 1417هـ

بقلم: محمد عادل فارس

 

الحلقة الثانية

وإليكم الآن نبذة عن حياته وجهوده العلمية:

ولد الشيخ عبد الفتاح بن محمد بن بشير أبو غدة – رحمه الله تعالى – في مدينة حلب الشهباء في السابع عشر من رجب من عام 1336 للهجرة، وهذا يطابق منتصف عام 1918 للميلاد، وإن كانت الترجمات التي تكتب عن الشيخ تقول إن ميلاده كان عام 1917م، والله أعلم.

وقد كانت أسرته التي نشأ فيها أسرة سِتْر ودين. فأبوه محمد كان رجلاً مشهوراً بين معارفه بالصلاح والتقوى والمواظبة على الذكر وتلاوة القرآن، وكان يعمل في تجارة المنسوجات التي ورثها عن أبيه. وينتهي نسب الشيخ  - رحمه الله – إلى الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه، وكان لدى أسرة الشيخ شجرةٌ تحفظ هذا النسب وتثبتهُ.

التحق الشيخ بالمدرسة العربية الإسلامية في حلب، ثم بالمدرسة الخسروية العثمانية التي بناها خسرو باشا، الوالي العثماني، والتي تعرف الآن باسم الثانوية الشرعية، وتخرّج فيها سنة 1942م، وانتقل إلى الدراسة في الأزهر الشريف، فالتحق بكلية الشريعة، وتخرّج فيها في الفترة ما بين 1944 و1948 للميلاد، وانتقل منها إلى التخصص في أصول التدريس في كلية اللغة العربية في الأزهر أيضاً، وتخرّج فيها سنة 1950 ميلادية، وكان في مراحل دراسته جميعاً من المتفوقين اللامعين.

 

شيوخه:

تلقى الشيخ عبد الفتاح – رحمه الله – على مئات الشيوخ، فكان من شيوخه في حلب: الشيخ عيسى البيانوني والشيخ إبراهيم السلقيني (وهو جد الدكتور إبراهيم الأستاذ في عدد من كليات الشريعة، والعميد لبعضها، ومفتي حلب بعدئذ) والشيخ محمد بن إبراهيم السلقيني، والشيخ محمد راغب الطباخ، والشيخ أحمد الزرقا، والشيخ مصطفى بن أحمد الزرقا، والشيخ محمد الرشيد، والشيخ محمد سعيد الإدلبي، والشيخ نجيب سراج الدين، والشيخ أحمد الكردي، والشيخ محمد الناشد.

وكان من شيوخه في مصر: الشيخ عبد المجيد دراز، والشيخ عبد الحليم محمود، والشيخ المحدث أحمد بن محمد شاكر، والشيخ حسنين محمد مخلوف، والشيخ المحدث الأصولي عبد الله العماري، والشيخ عيسى منّون، والشيخ أحمد الخضر حسين، والشيخ يوسف الدجوي.

والتقى في مصر كذلك: الشيخ مصطفى صبري، شيخ الخلافة العثمانية سابقاً، والشيخ محمد زاهد الكوثري، والإمام الشهيد حسن البنا، رحمهم الله جميعاً.

وكثير من الشيوخ الآخرين في الحجاز والهند والباكستان وغيرها.

 

تلامذته:

ويُعَدُّ تلامذته بالمئات، بل بالألوف. ويكفي أن نذكر من تلامذته المقربين الشيخ العلامة المحدّث محمد عوامة، والشيخ الأديب الأريب مجد مكي، والشيخ الداعية العالم حسن قاطرجي اللبناني، والشيخ محمد الرشيد النجدي. وقد ألف هذا الشيخ الأخير كتاباً بعنوان: "إمداد الفتاح بأسانيد ومرويات الشيخ عبد الفتاح" وهو ثَبَتٌ عظيم يعرض فيه إلى النشاط العلمي للشيخ عبد الفتاح، ويذكر فيه أسماء مئات الشيوخ الذين أخد عنهم، والمئات الذين تتلمذوا عليه.

 

الكتب التي كان ينصح بقراءتها

لقد كان رحمه الله شغوفاً بالعلم والكتب والقراءة، وكان لديه مكتبة ضخمة حافلة بالكتب المعروفة الشائعة، والكتب النادرة، والمخطوطات. وكان يحض تلامذته على القراءة والبحث. ومن جملة الكتب التي كان يوصينا بقراءتها: كتاب الاعتصام للإمام الشاطبي، وكتاب "إعلام الموقعين عن رب العالمين" للإمام ابن قيم الجوزية، وكتاب "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" للإمام ابن تيمية.

وإذا كان الشيخ معدوداً بحقٍّ من كبار علماء الحنفية، ومع ذلك كان يوصي بقراءة كتب ابن تيمية ومدرسته، فهو دليل على تجرّده وإنصافه وحبه للعلم والبحث.

 

رحلاته العلمية

قام الشيخ عبد الفتاح بالعديد من الرحلات العلمية والدعوية، يلقي الدروس والمحاضرات، ويعطي الإجازات، أو يأخذ الإجازات. وقد رحل لهذه الأغراض إلى الهند والباكستان والسودان والمغرب والعراق... وحمل في رحلاته كثيراً من علم القارة الهندية، وحقق كثيراً من رسائل علمائهم وكتبهم، وشَهَرَها بين أهل العلم. ونتيجةً لجهوده العلمية وصل إلى القارئ العربي كتب محمد عبد الحي اللكنوي ومحمد أنور شاه الكشميري وظَفَر أحمد التَّهانَوي.

          

جهوده العلمية

بعد أن أكمل الشيخ دراسته في مصر عاد إلى سورية ودرّس في مدارسها الثانوية العامة والثانوية الشرعية الخسروية، والمدرسة الشعبانية الشرعية، ثم في كلية الشريعة بجامعة دمشق، ثم عُيّن مديراً لمكتبة الأوقاف في حلب، ثم مديراً لموسوعة "معجم فقه المحلى لابن حزم"، ثم درّس في جامعة محمد بن سعود في الرياض، وفي المعهد العالي للقضاء، وعُيّن أستاذاً لطلبة الدراسات العليا، وانتُدب أستاذاً زائراً في جامعة أم درمان الإسلامية في السودان، ولمعاهد الهند وجامعاتها.

وشارك في عدد كبير من الندوات والمؤتمرات الإسلامية في عدد من الدول.

هذا فضلاً عن الدروس المسجدية التي ألمحتُ إليها في بداية حديثي.

وقد أحاط بالعلوم الشرعية، وصار من أشهر علماء العالم الإسلامي، وتبحَّر في علوم الفقه وأصوله والحديث وعلومه، وأكبّ على تحقيق الكتب النفيسة وتأليف الكتب النافعة، فضلاً عن باعه الطويل في علوم اللغة.

وقد أحصى له تلميذه البارع محمد آل رشيد ثلاثة وسبعين كتاباً، بين تحقيق وتأليف. وإذا كان عمل المحققين، في كثير من الأحيان، لا يعدو أن يكون بياناً للفروق بين النسخ المخطوطة، وشرحاً لبعض المفردات، فإن تحقيقات شيخنا تجعل مع الكتاب كتاباً، هو في الغالب لا يقلُّ فائدة عن الكتاب الأصلي، بل يزيد عليه كثيراً، فضلاً عن جلاء الغموض، وضبط الألفاظ، لا سيما الأعلام، والإتيان بفوائد نادرة. وهذا ما يجعل طلاب العلم يحرصون كل الحرص على اقتناء الكتب التي حققها الشيخ رحمه الله. انظر، على سبيل المثال، تحقيقه لكتاب "رسالة المسترشدين" للحارث المحاسبي، وتحقيقه لـ "الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة" لأبي الحسنات محمد عبد الحيّ اللكنوي.

وقد قام مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية في لندن بتكريم الشيخ، فاختاره لجائزة العلم التي قدّمها سلطان بروناي تقديراً لجهوده في التعريف بالإسلام وإسهاماته في خدمة الحديث النبوي الشريف.

وكان من آثار تعلقه بالعلم، وشغفه به، أن خصص عدداً من مؤلفاته لشؤون العلم والعلماء، مثل: "صفحات من صبر العلماء" و"قيمة الزمن عند العلماء" و"الرسول المعلم".