العلامة الدكتور عناية الله إبلاغ الأفغاني 

ثلمة أخرى

توفي اليوم شيخنا العلامة المحقق والفهامة المدقق المتكلم المنطقي والمفسر النحوي الاستاذ الدكتور عناية الله إبلاغ الأفغاني البشتوني عن عمر قارب التسعين عاما قضاها في التعلم والتعليم والإصلاح والإرشاد.

ولد شيخنا عام ١٩٣٠ ونشأ في بيت علم ومجد وانتسب إلى دار العلوم العالية بكابل وتخرج على والده العلامة المحقق الشيخ عبد الغني إبلاغ وغيره من المحققين وقد درس المتون العلمية وكتب الدرس كلها دراسة تحقيق على الطريقة القديمة...

ثم رحل إلى مصر والتحق بالأزهر فأعجب به علماء الأزهر لما رأوا من تمكنه في علوم الآلة والمعقول فحصل على الماجستير والدكتوراه وطبعت رسالته الماتعة الدقيقة عن (الإمام الاعظم أبي حنيفة وآرائه في العقيدة الإسلامية) بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وطبع بمصر ايضا كتابه عن (جلال الدين الرومي بين الصوفية وعلماء الكلام) وانتشر هذان الكتابان واشتهرا ولقيا القبول ودرّس الشيخ بجامعة القاهرة اللغة الفارسية التي يتقنها وألقى محاضرات في الأزهر أيضا.

بلغ الشيخ الغاية في جلالة القدر وعلو الكعب في العلم مع تقوى واستقامة واتزان فكان عالما محققا وومتكلما مدققا ووجيها نبيها، وعضوا في المجلس الاعلى للقضاء بجمهورية افغانستان الاسلامية ورئيسا لمحكمة التمييز التجارية والشرطة ورئيس لجنة تقصى أحوال المسجونين في حكومة الرئيس الافغاني داود خان وعضو مجلس الشورى في الدورة الثالثة عشر ورئيس اللجنة الثقافية، وأستاذا قي جامعة كابل، حتى صار صدرا من صدور العلماء، ومرجعا للخاص والعام.

ثم انتقل الشيخ بعد ذلك للعمل بجامعة الكويت بعدما استعرت نار الحرب في بلده وشارك في تأسيس كلية الشريعة والدراسات الإسلامية ودرس بها وألقى خارجها الدروس العلمية الرفيعة العالية في التفسير والنحو والبلاغة والمنطق والكلام فأقرأ الفوائد الضيائية للملا الجامي في شرح كافية ابن الحاجب وشرح النسفية وتفسير البيضاوي وعمدة القاري شرح صحيح البخاري وغيرها من الكتب العالية بحسن تقرير وتحقيق وتحرير .

وقد ترك الشيخ مؤلفات تدل على غزارة علمه ودقة نظره، منها ما سبق ذكره، ومنها: (المفرد والمركب في كلام العرب بين المنطق واللغة) و(التصور والتصديق) (معاني الإيمان في القرآن دراسة مقارنة بين أقوال المفسرين والمحدثين وآراء علماء العقائد) وأبحاث أخرى.

وقد أسعدني زماني فلقيت الشيخ وزرته ببيته مرارا وأهداني بعض كتبه مع الإجازة، فرأيته كريما وألفيته ذا خلق حليما، وكان يتعمد الصلاة بمسجدي وسماع خطبتي أحيانا على الرغم من وجود مسجد آخر أقرب الى داره فأسعد بلقياه وتقبيل يديه، وسردت عليه ببيته ثلاثة أجزاء من تفسير البيضاوي تقريبا، وحضرت عليه طرفا من شرح الكافية مع أخي الشيخ أحمد عبدالمنعم بمسجده وآخرين، قبل أن يشتد عليه المرض الذي تناهبته أسقامه منذ خمس سنوات تقريبا فصبر واحتسب وكان آخر أمره أن مكث في المستشفى ثلاثة شهور مغمى عليه حتى لقي ربه صباح هذا اليوم الخميس ٢٠١٩/٦/٢٠ وسينقل جثمانه إلى كابل ليدفن قرب والده وأجداده.

رحم الله شيخنا رحمة الأبرار وأجزل مثوبته وأعلى في العلماء الربانيين مقامه.

ولولا أني بعيد عن مكتبتي ومحل إقامتي لصورت لكم خطه ونورت الفيس بأغلفة كتبه.