الظلم ـ 1 ـ

بقلم الشيخ: مجْد مكي

 

أمر الإسلام بالعدل ورغَّب فيه وحثَّ عليه، ونهى عن الظلم نهياً زاجراً، ورهَّب منه ترهيباً شديداً... ولا شك أن كل نهي عن الظلم هو أمر بالعدل، وكل  تنفير من الظلم هو تحبيب في العدل، وكل ترهيب من الظلم هو ترغيب في العدل  ،وكل ذم للظلم هو مدح للعدل.
وكما كان العدل في الإسلام شاملاً للعدل في العقائد والعبادات، وشاملاً للعدل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، والعدل في علاقات الناس وتعاملهم... كان النهي عن الظلم شاملاً للظلم في العقائد والعبادات، وشاملاً للظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، وفي علاقات الناس ومعاملاتهم وسائر شؤون حياتهم.
والظلم أساس كل فساد في الأرض وفي حياة الخلق.. وأصل أصيل للفوضى في سياسة الأمم وقيادة الشعوب، ومسعر الفتن، وموقد الحروب، ومعول التدمير لبناء الحضارة، ومشعل العداوة والبغضاء بين الأقارب والبعداء، والعامل الأول في سفك الدماء وقتل الأبرياء...
ولذلك صبَّ الله نقمته على الظالمين فطردهم من رحمته وهي التي وسعت كل شيء ، وسجَّل عليهم لعنته وسخطه بقوله تعالى: [أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ] {هود:18} . وبقوله جل شأنه:[يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ] {غافر:52}. وبقوله سبحانه:[ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ] {الأعراف:44}.
لقد تحدَّث القرآن الكريم عن الظلم والظالمين ، وبيَّن أنواع الظلم لاتقائها ،والعقوبات التي أعدَّها الله عزَّ وجل في آيات كثيرة جداً، وبغية التحذير منه .
وأنواع الظلم ثلاثة:
النوع الأول :ظلم العبد لربِّه عزَّ وجل:
وذلك يكون بالكفر بالله تعالى يقول سبحانه:[ وَالكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ] {البقرة:254}. والظلم في العقيدة هو أفحش أنواع الظلم، لأنه إلحاد في دين الله، وعبث بأصول الدين، ومعول لهدم نظام الحياة، وطمس لإشراق الروح الإنساني، وإهدار للقيم الخلقية العليا بين الناس.
يقول سبحانه:[ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ] {لقمان:13} . حقاً إن الشرك بالله سبحانه لظلم عظيم، وذلك لأنَّ حقَّ الله على عباده أن يؤمنوا به ويعبدوه ويُوحِّدوه ويطيعوه.. فمن عبد غير الله فقد وضع عبادته في غير موضعها، وذلك ظلم عظيم لأنه يتعلق بحقِّ الله الخالق الرازق المنعم المتفضِّل المُحيي المميت سبحانه.
ويقول الله تعالى في سورة الأنعام:[الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ] {الأنعام:82} .
 وقد ورد تفسير الظلم في هذه الآية بالشرك، روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: لما نزلت: [الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ]. شقَّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا: يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس ذاك، إنما هو الشرك: ألم تسمعوا قول لقمان لابنه:[ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ] {لقمان:13}.
من أظلم الظلم
الكذب على الله عز وجل :
 1 - ومن أظلم الظلم : الكذب على الله لإضلال الناس بغير علم: :[ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ]{الأنعام:144}.
 
[وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ] {العنكبوت:68}.
ويتبع الظلم بافتراء الكذب على الله سبحانه، الظلم بسوء الاعتقاد في النبوة والأنبياء، يقول سبحانه:[وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ المَوْتِ وَالمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ] {الأنعام:93}.
الإعراض عن آيات الله :
2 - ومن أظلم الظلم  :الإعراض عن آيات الله بعد التذكير بها، وعدم الاستجابة لله فيما يدعو إليه:[وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا] {الكهف:57}.
ويقول سبحانه:[وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ المُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ] {السجدة:22}.
وقال تعالى:[ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ] {الأنعام:157}. صدف عنها ، أي: أعرض عنها.
لقد أعرضوا عن النظر في آيات الله وبراهينه، التي نصبها شاهدة على وجوده ووحدانيته وقدرته وحكمته...
كتم شهادة الحق :
3ـ ومن أظلم الظلم كذلك: كتم شهادة الحق: وخاصَّة فيما يتعلق بالحقائق الدينيَّة: [وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ] {البقرة:140}.
منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه والسعي في خرابها :
4 ـ ومن أظلم الظلم أيضا :  منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه عزَّ وجل، و السعي في خرابها بتعطيلها عن إقامة الصلاة أو بتهديمها وتخريب بنائها ، قال تعالى :[وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ] {البقرة:114} .
إنه لا ظلم أظلم من ظلم يمتدُّ إلى بيوت الله ومساجد الله، ولا أحد أظلم ممن يسعى في تخريب المساجد التي يعبد الله فيها بالصلاة والذكر، ويسبح له فيها بالغدو والآصال رجال.وتخريب بيوت الله لا يقتصر على هدم البناء المادي وإنما يشمل كذلك هدم رسالة المسجد في التعليم والتوعية والدعوة .
وانظروا إلى ما يصنع الملاحدة والكفرة وأذنابهم  بالمسلمين وبلادهم ومساجدهم ومدارسهم... فكم من مسجد هدموه على رؤوس المصلين، وعطلوه عن العبادة، وحولوه إلى مصنع أو مربط للخيول؟! وكم من مدرسة إسلامية حولوها إلى وكر لدراسة الإلحاد والكفر بالله تعالى؟ وكم من معهد ديني أقفلوه وشرَّدوا طلابه ومدرسيه... وما فعله القرامطة والباطنيون والصليبيون وما يفعله اليهود في المسجد الأقصى اليوم هو من أشد أنواع الظلم .
ومن ظلم العبد لربِّه عزَّ وجل :  تعدّي حدود الله وشرائعه التي حدّد فيها الحلال والحرام، والفروض والواجبات وتجاوز حدود الله التي حدّها لعباده معصية له، ومعصية الله ظلم لحقه على عباده: يقول سبحانه:[ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] {البقرة:229}.
[وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ] {الطَّلاق:1}.
وكل هذه الصور من الظلم لا تضر الله سبحانه ،وماذا عسى أن يلحق العبد الضعيف المغرور بقوته وجبروته بالله العلي الكبير ، فهو سبحانه لايضره ظلم الظالمين ، وإنما يعود الضر على الظالمين في دنياهم بهدم مجتمعاتهم وخراب حضاراتهم ،وفي أُخراهم بالمصير الذي ينتظرهم ، وهو سبحانه القوي الجبار الغني المتعال .
النوع الثاني :  ظلم العبد لنفسه:
وذلك بمخالفة أوامر الله عزَّ وجل بفعل ما نهى عنه أوترك ما أمر به ... و بتدنيس النفس  وتلويثها بآثار الذنوب والمعاصي والسيئات...
يقول سبحانه:[ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ] {البقرة:57}. فمرتكب الإثم والفواحش ظالم لنفسه..
 لقد نهى الله آدم وزوجه أن يأكلا من الشجرة، فإن خالفا أمره وأكلا منها كانا من الظالمين يقول سبحانه في سورة البقرة:[وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ] {البقرة:35}. ولما أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عزَّ وجل من الأكل منها، قالا: [قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ] {الأعراف:23}.
ومن ظلم الإنسان لنفسه : أن ينزلها منزلة الذل والمهانة، لأن الإسلام يطلب من المسلم أن يكون عزيزاً قوياً، وهذا الحوار الذي يقصه القرآن بين الملائكة والظالمين لأنفسهم يبين لنا هذه الحقيقة:[إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا] {النساء:97}.
فهذه الآيات صرخة مدوية في وجه الظلم والرضا به، ووعيد وتهديد لمن يقبل الظلم على نفسه، ولا يهب للدفاع عنها، وفيها ترغيب للخروج من دار الذل إلى دار العزة والقوة، حيث يتمكن المظلوم من إعداد العدة للقضاء على الظالمين واجتثاث شجرة ظلمهم.
النوع الثالث :ظلم العبد لغيره من عباد الله ومخلوقاته:
وذلك باعتداء الظالم على المظلوم في نفسه، أو ماله أو عرضه.
فمن قتل إنساناً، أو ضربه أو شتمه أو سبَّه أو آذاه فهو ظالم لذلك الإنسان ، ومن أخذ مالاً لإنسان، بغير حق، صغيراً أو كبيراً فإنه يعتبر ظالماً لهذا الإنسان، ومن عابَ إنساناً ينتقصه بذلك أو اتَّهمه بالفحش أو رماه بالزنى ، ومن غازل فتاة جاره أو صديقه أو وقع في فاحشة فهو ظالم لهؤلاء خائن لهم.
 يقول سبحانه في سورة النساء :[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا(29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا(30) ]. {النساء}.. فأكل أموال الناس الباطل وقتل النفس بغير حق عن قصد وإرادة عدوان وظلم.
وخصَّص الله أكل أموال اليتامى بالباطل وحذر تحذيراً شديداً من هذا الظلم . قال سبحانه:[إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا] {النساء:10}.
وقتل النفس بغير حق ظلم:[وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا] {الإسراء:33}.
فظلم الناس في أنفسهم وأموالهم أمره شديد عند الله وعقابه مخيف.
روى البخاري عن خولة بنت ثامر الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعترسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إن رجالاً يتخوَّضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة».
وروى مسلم قال صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام : دمه، وماله، وعرضه».
وخطب الرسول صلى الله عليه وسلم خطبته المشهورة في حجة الوداع  ،فقال فيها:«إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا» رواه مسلم عن جابر من حديث طويل...
روى البخاري عن ابن عمر: قال صلى الله عليه وسلم:«لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً». وروى مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم:«من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال رجل: وإن كان يسيراً يا رسول الله ؟ فقال: وإن كان قضيباً من أراك».
وأرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى محاسبة المسلم نفسه على الظلم ولو قضى له القاضي بما ليس له فيه حق.
روى البخاري ومسلم عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحُجته من بعض فأقضيَ له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من نار".
روى البخاري ومسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من ظلم قِيدَ  - أي :قدر - شبر من الأرض طوّقه من سبع أرضين». أي من سبع طبقات من الأرض.
روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:«من أخذ من الأرض شيئاً بغير حقه، خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين».
 ومن كمال عدل الله: أن كل ظالم يظلم غيره، فإن الله تبارك وتعالى يوم القيامة سيمكِّن المظلوم من الظالم ليقتص، ويأخذ حقه، حتى المظالم التي تجري بين البهائم. أما الحقوق الأخرى كالحقوق المالية، فإنها تؤدى من صحف الأعمال.
والظلم بالقتل أول ما يقضى به يوم القيامة، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:.«إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء».
وعدل الله لابد أن يلاحق الظالمين بالعقوبة على ظلمهم، حتى تؤدَّى الحقوق إلى أهلها يوم القيامة بما في ذلك الحقوق بين البهائم.
ومن اعتدى على غيره في أرضه، فأخذ منها بغير حق، عذب يوم القيامة بالأرض التي غصبها سواء أخذها بالحيلة أو باللصوصيَّة أو باستخدام القوة.
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« لتؤدنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد ـ أي :يقتص ـ للشاة الجلحاء ـ أي :التي لا قرون لها ـ من الشاة القرناء».
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينارٌ ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه».
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أتدرون من المفلس ؟ قالوا :المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع.- أي: ما ينتفع به من الدنيا - فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار».
وروى الإمام أحمد والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدواوين ثلاثة: ديوان لا يغفره الله، الإشراك بالله، يقول الله عزَّ وجل:[إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ] {النساء:48}.وديوان لا يتركه الله، ظلم العباد فيما بينهم حتى يقتص بعضهم من بعض.
وديوان لا يعبأ به الله، ظلم العباد فيما بينهم، وبين الله عزَّ وجل، فذاك إلى الله، إن شاء عذب، وإن شاء تجاوز عنه».

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين