نسبه وولادته:
هو أبو عبد الرحمن، محمد بن الشيخ أحمد بن عيسى البالساني، وبالسان هي منطقة كردية تقع في شمال العراق، فقد رحل جده الشيخ عيسى من كردستان العراق، وأقام في أنطاكية، وهي مركز قضاء تابع ومرتبط بلواء الإسكندرون، الذي هو أحد الألوية التابعة لولاية حلب في التقسيمات الإدارية للدولة العثمانية.
ولد الشيخ محمد زين العابدين(1292هـ 1875 م)، في قرية الشيخ التابعة لأنطاكية. توفي والده(1298هـ ـ1881م) وعمره ست سنوات. ثم توفيت والدته وهو في حداثة سنه، فعاش يتيماً.
دراسته:
تلقى العلم على المشايخ في أنطاكية، ولا سيما علوم الآلة (النحو والصرف والبلاغة والمنطق..) ، ثم رحل إلى حلب ليتابع تحصيله العلمي، فنزل في المدرسة الأحمديَّة التي كان شيخها العالم المتكلِّم الشيخ حسين السردشتي الكردي، والذي استفاد الشيخ محمد زين العابدين من علومه العقليَّة والفلسفيَّة، وأجيز منه، كما استفاد من الشيخ أحمد المكتبي الكبير، ثم رجع إلى أنطاكية.. ومنها رحل إلى الأزهر الشريف بمصر.. أيام الشيخ محمد عبده ( مفتي الديار المصرية (... الذي تتلمذ عليه، وقرأ عليه التفسير، فأحبه الشيخ محمد عبده، ودعاه للإقامة في منزله، فلم يقبل، ومكث في الأزهر سنتين، ثم عاد إلى أنطاكية، ومنها إلى (بيلان).
جهاده:
ولما كانت الحرب العالمية الأولى، التحق بالخدمة العسكريَّة، ودخل الجنديَّة في الدولة العثمانية، وأدى الخدمة على أتم ما يرام.
وعندما دخل الفرنسيون بيلان، غادرها الشيخ إلى مدينة الإسكندرونة، وتمَّ اختياره من العلماء ليكون مفتياً لهذه المدينة، وقد شعر الفرنسيون بخطورة هذا الشيخ، فحاولوا استرضاءه، فاستدعاه الجنرال الفرنسي (غوبو) وعرض عليه منصب القضاء، بالإضافة إلى منصب الإفتاء، فرفض الشيخ هذا العرض، وقال له: لا أقبل منك هذا العرض لأنك كافر محتل، فغضب منه الجنرال وهمَّ بقتله، فنظر إليه الشيخ نظرة المعتز بدينه، ولم يتأثر من غضبه أو تهديده، فسكن غضب الجنرال، وقام إلى الشيخ ووضع يده على كتفه، وقال له: لو كان في البلاد عشرة مثلك لما تمكنّا من دخول بلادكم، ثم نفاه الفرنسيون إلى (بيلان) ، وفرضوا عليه الإقامة الجبرية خشية من جهاده ضدهم.
اتصاله بالأمير فيصل بن الحسين:
وسمع الأمير فيصل بن الحسين بخبر هذا الشيخ وقصته فأرسل إليه مرافقه الخاص خلسة ليخلِّصه من الإقامة الجبرية، ويأتي به إلى دمشق، وقابل الأمير فيصل في دمشق، الذي قدم له هدية ( 40 ليرة عثمانية ذهبية)، ومكث في دمشق قرابة عام، وكان يلتقي بمحدث بلاد الشام الشيخ محمد بدر الدين الحسني رحمه الله تعالى، والأمير فيصل، الذين طلبا منه أن يستقرَّ في دمشق، فاعتذر الشيخ بسبب ارتباطه العائلي في أنطاكية، وقد تمكَّن الأمير فيصل من التوسُّط، في إلغاء عقوبة النفي التي صَدَرَت بحقِّه من قبل الفرنسيين. فغادر دمشق عائدا إلى أنطاكية... بعد أن توطَّدت الصداقة بينه وبين الأستاذ الكبير محمد كرد علي، عضو المجمع العلمي بدمشق، الذي طلب منه أن يكون عضواً بالمجمع، فقبل بشرط أن تكون بالمراسلة، بسبب إقامته بأنطاكية..
أعماله وهجرته:
عمل مدرساً دينياً في جامع حبيب النجار، والجامع الجديد في أنطاكية، وبعد سقوط الخلافة العثمانية، ومجيء الذئب الأغبر مصطفى كمال أتاتورك، اليهودي الأصل، والذي لا يعرف من هو والده حتى الآن، والذي تظاهر في بادىء الأمر بالإسلام، ثم كشَّر عن أنيابه، وأخذ يَضْطهد المسلمين الأتراك عموماً، والعلماء منهم خاصَّة، وألغى الأذان باللغة العربية، وأمر بتغيير كتابة اللغة ألتركية من الحروف العربية إلى الحروف اللاتينية، حتى كتابة المصحف، الذي أجمع العلماء على عدم جواز كتابته بغير اللغة العربية ،كما أمر بتغيير أسماء الأتراك الذين أسماؤهم عربية إلى أسماء طورانية، وفرض اللباس الإفرنجي والقبعة الأوروبية ( البرنيطة )، بدلاً من اللباس الإسلامي والطاقية، ومنع الحجاب الشرعي، الذي هو فريضة على كل مسلمة وضرورة للحفاظ على شرفها وكرامتها، ومنع تغطية رؤوسهن بغير البرنيطة الإفرنجية.. ومنع تعدد الزوجات، وساوى بين الرجل والمرأة في الميراث، وحول مسجد أيا صوفيا إلى متحف، وأمر بهدم كلِّ مسجد أذن فيه باللغة العربية، ومن أقواله العدائية البغيضة للإسلام ومقدساته الإسلامية: نحن في القرن العشرين لا يمكن أن نؤمن بكتاب يتحدَّث عن التين والزيتون، وقال أيضاً: إنَّ القران نزل على العرب لينذر أم القرى ومن حولها، ونحن غير مَعْنيين به، وسمَّى نفسه: أتاتورك. معناها: أبو الأتراك.فقاوم الشيخ محمد زين العابدين، هذه الظلم والعدوان، وحصل له في سبيل ذلك اضطهاد ومضايقات، ولم يعد يحتمل هذا الأمر، فهاجر بأسرته وأولاده الكرام: الشيخ عبد الرحمن، والشيخ عبد الله ، والشيخ محمد أبو الخير، والأستاذ نجم الدين والشيخ أحمد من أنطاكية إلى حلب واستقرُّوا فيها حفاظاً على دينهم، وكان ذلك في حدود سنة ) 1357 هـ ) كما هاجر كثير غيره من العلماء والمسلمين.. فرحَّب به أهل حلب الكرام أجمل ترحيب، وأكرموا مثواه.
تدريسه في المدرسة الخسروية والأحمدية:
وعُهد إلى الشيخ بتدريس التفسير والحديث النبوي في المدرسة الشرعية، التي افتتحت في حلب أوائل العشرينات من هذا القرن الميلادي ( القرن العشرين)، عقب الاحتلال الفرنسي لسورية ولبنان، وكان اسمها المدرسة (الخسروية ) نسبة إلى خسرو باشا أحد رجالات الدولة العثمانية، وهو بانيها، وتعطَّل فيها التدريس خلال الحرب العالمية الأولى، وأصبحت ثكنة عسكرية لموقعها المهم بجانب قلعة حلب، ومزاياها، وسعة ساحاتها، وكثرة أجنحتها وغرفها. كما درس في المدرسة الأحمدَّية، علوم اللغة العربية.. ودرس في الجامع الكبير بحلب. وكان منزله قريباً من الجامع.
صفاته:
صبيح الوجه منيره، إلى الطول أقرب منه إلى القصر، ذو هَيْبة ووقار، عابد زاهد، جريء في قول الحق، لا يخشى في الله لومة لائم، كان من عادنه، حمل السلاح،لأنه كان صياداً.
وفاته:
وبقي الشيخ يدرس في حلب، عدة سنوات، ثم ألمَّ به المرض، فلزم بيته إلى أن توفاه الله تعالى،بعد حياة حافلة بالعلم والجهاد.. وشيَّعته مدينة حلب، حزينة عليه، إلى مقبرة هنانو، حيث وُوري الثرى.. ثم نقل أولاده الكرام رفاته إلى مقبرة الصالحين، في سنة ( 1400 هـ )، رحمه الله تعالى.
مصادر الترجمة:
1ــ كتاب الإحكام في تمييز الفتوى من الأحكام للإمام القرافي، تحقيق العلامة الشيخ المحدث عبد الفناح أبو غدة، رحمه الله تعالى، ( من كلمة كتبها العلامة الفقيه الشيخ مصطفى الزرقاء، عن الشيخ العلامة الصناع عبد الرحمن زين العابدين نجل المترجم له الأكبر، رحمهما الله تعالى (،في ذيل الكتاب المذكور.. بتصرف.
2ــ كتاب إعانة المُجدِّين في تراجم أعلام المحدِّثين من الشيوخ الحلبيين، المجلد الثاني، ( مخطوط ) للشيخ أحمد بن محمد سردار، رحمه الله تعالى.. بتصرف
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول