تأليف: شهيد الدعوة الإسلامية في نيجيريا أبو بكر تفاوا بليوا
ترجمة الدكتور مصطفى حجازي السيد
عرض وتعليق: يحيى بشير حاج يحيى
قصة من أدب الهوسا الإسلامي، عنوانها (الشيخ عمر) وتدور أحداثها حول تجارة العبيد، وكيف كانت تتم الإغارة على القرى الآمنة، فتثير الرعب في قلوب سكانها، وكيف كانوا يعيشون مهددين في كل وقت، فأثر هذا في حياتهم تأثيراً كبيراً!! وكيف كان يستهين المغيرون بحياة من يقتنصون، حتى إذا دبّ الخلاف بينهم على غلام واحد اقتنصوه، قام أحدهم بتقطيعه إرباً كما تقطع أوصال الدجاج ليوزعها على رفاقه أشلاء ممزقة! وما يعانيه الرقيق في الطريق عبر الصحراء الكبرى من سوء الأحوال الجوية والعواصف الرملية، كما تصف المعاملة غير الإنسانية التي يلاقيها هؤلاء من مختطفيهم ومن مالكيهم.
وملخص هذه القصة أن تلاميذ الشيخ عمر قد استرعى انتباههم طلاقته في اللغة العربية، وعدم وجود شبه بينه وبين أهل المدينة التي يدرس فيها ؛ فانطلق الشيخ يحدثهم عن نشأته وأصله ويتمه، وكيف حطّت به الرحال في بلدهم ؛ فقد كان طفلاً يتيماً تزوجت أمه من رجل فاضل اسمه " ماكو "، اضطر إلى ترك دياره بعد ما أوقع المغرضون بينه وبين أمير المنطقة ؛ فسافر وتغرب حتى وصل إلى منطقة استطاع أن يدبر فيها عملاً في الزراعة، وهو يأمل أن تلحق به زوجاته وأولاده، وكانت زوجته أم الطفل (عمر) قد ذهبت لتزور أهلها في مدينة أخرى، وبعد عودتها علمت أن أحد اللصوص سرق ابنها ليبيعه في سوق الرقيق، فلم يقر لها قرار وهي تجهد في البحث عنه، وأصبح من نصيب " جميزو " الذي باعه لرجل عربي قادم من مصر (عبدالكريم)، يريد أن يحرره، ويقدمه إلى زوجته ليكون لها ابناً، فخشي عمر أن يكون سفره إلى مصر سبباً في ترك بلاده بشكل دائم، وفقد الأمل في لقاء أمه، لكن عبدالكريم وعده أن يحضره معه كل عام!
فرحت زوجة عبدالكريم بقدومه واعتنت به وبعثت به إلى الشيخ مسعود ليتعلم القرآن والكتابة ؛ فحفظ القرآن في عامين وأصبح مضرب المثل في الذكاء والخلق الكريم، فقربه الشيخ وصار نائباً ثم شيخاً للتلاميذ بعد وفاته.
واستطاعت أمه أن تصل إلى جميزو فهدّأ خاطرها وأعلمها بمكانه، فتلحق بإحدى القوافل المتجهة من (كانو) إلى صعيد مصر، فيخدعها قائد القافلة ويبيعها في الطريق، ثم تباع من تاجر إلى تاجر، وتتحمل ألوان العذاب سنين، حتى تلتقي بابنها فجأة بعد خمسة عشر عاماً في طرابلس، وهو في طريقه إلى مدينة كانو للبحث عنها!
وبعد عدة أيام تتوفى الأم، فيتابع عمر طريقه مع قافلة، ويفاجؤون بعاصفة رملية تهلك كل من في القافلة وتدفنهم في الرمال، ووجد عمر نفسه وحيداً، وقد نفد ما معه من الماء، فأوى إلى مكان ينتظر فيه الموت، وفي اليوم الرابع فتح عينيه فوجد جمله يقبل عليه، فأخذ الماء وشرب وانطلق الجمل به وكأنه يعرف الطريق، حتى وصل إلى بئر، فوجد جماعة من المسافرين متجهين إلى بلده، وفي الطريق مات الجمل، فاتجه سيراً على الأقدام، وفي مدينة (روتا) علم أن ماكو قد مات، ولم يبق له أقارب هناك، فمكث فيها ينشر العلم، وعرف التلاميذ حين انتهى من قصته سبب إقامته في بلدهم.
أثارت هذه القصة قضية الاسترقاق التي كانت سائدة قبل أكثر من مائة عام، وموقف الإنسان المسلم منها، من خلال التاجر المسلم عبدالكريم، الذي عامل عمر معاملة الابن، فيما كان الأوربيون يسوقونهم سوق البهائم رجالاً ونساءً.
كما يلاحظ تأثر الأدب الهوساوي بالأدب العربي في تلك الفترة ـ 1934م ـ فيقوم الراوي برواية الأحداث وهو يجلس بين المستمعين.
ويظهر أثر الثقافة الإسلامية: قرآنية وحديثية في الألفاظ والأفكار، فتقترب القصة في حادثة فقد الطفل وبيعه من قصة يوسف عليه السلام، كذلك في أمل الأم التي لم تيأس يوماً من لقائه، وفي عودة جمله وعليه أحماله على غرار ما ورد في الحديث الشريف الذي وصف فرحة الله بتوبة عبده " لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة "
* الشهيد أبو بكر تفاوا بليوا رئيس وزراء نيجيريا،اغتيل على يد الانقلابيين عام ١٩٦٦
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول