الشيخ جمعة أبو زلام طيب الله ثراه (1)

حبر منبج وربانيها ومفتيها

(1321- 1406هـ = 1903- 1985م)

*قال الله تعالى:(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون...).(1)

*وقال حبيبنا ورسولنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:"من سلك طريقا يلتمس فيه علما ..."، وفيه: "وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر".(2)

*وقال عليه الصلاة السلام أيضا:"إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا؛ فسئلوا، فأفتوا بغيرعلم، فضلوا وأضلوا".(3)

*وقال أبو سعيد الحسن البصري"ت110هـ" رحمه الله:

"العلماء سرج الأزمنة، فكل عالم مصباح زمانه يستضيء به أهل عصره، ولولا العلماء لصار الناس كالبهائم" كالبهائم".(4)

*وقال الشاعر الزاهد سابق البربري (5) ت بعد 132هـ"، قال في الذكر والعلم:

و الذكر فيه حياة للقلوب كما=يحيي البلاد إذا ما ماتت المطرُ

والعلم يجلوالعمى عن قلب صاحبه=كما يُجَلِّي سوادَ الظُّلْمَةِ القَمَرُ(6)

- لهذا أحب في مقالتي المطولة هاته أن أتحدث عن أحد علمائنا الربانيين، من بقية سلفنا الصالح، وممن لهم مكانة كبرى في نفوس المنبجيين خاصة، وعارفيه عامة، ومن المؤثرين تأثيرا كبيرا في زمانهم ومكانهم "منبج وريفها خاصة"؛ هذا التأثير يعرفه الكثير ممن عاصره أو سمع عنه.

- إنه فارس هذه المقالة الشيخ جمعة أبوزلام رَحِمَ الله رُوحَه ونوَّرَ ضَريحَه.

*اسمه ونسبه: هو جمعة بن مصطفى بن ناصر آغا أبو زلام.

*والدته: مريم الجبلي؛ هي امرأة صالحة من أسرة صالحة، من أهل مدينة الباب.

*والده: هو العلامة الشيخ مصطفى بن ناصر آغا أبو زلام؛ (1848- 1944م) من كبار علماء الباب؛ كان عالما جليلا درس في حلب ثم في الجامع الأزهر بمصر، وأصبح من جلة علماء حلب الشهباء والباب، ومن كبار الدعاة إلى الله تعالى، وقد ظل يفتي الناس ويدرِّس ويعمل بعلمه في مدينة الباب ثم بمنبج حتى وافته منيته سنة 1364هـ = 1944م في مدينة منبج ودفن فيها في مقبرة الشيخ عقيل المنبجي جنوبي منبج، رحمه الله رحمة واسعة.

*مولده: ولد الشيخ جمعة في مدينة الباب التابعة لحلب والتي تبعد عنها نحو 40 كيلا، وتتوسط بين حلب ومنبج.

*فقده والدته: في الرابعة من عمره فقد أمه فامسى عَجِيًّا(7) فعانى مرارة الحرمان من الأم والاستزادة من عطفها وحنانها، وتزوج والده من زوج أخرى كانت تظلمه أحيانا؛ لكنه لم يكن يخبر أباه بذلك؟!

*نشأته: نشأ وترعرع في كنف والده العالم الجليل الصالح"الشيخ مصطفى"، وتربى لديه تربية إيمانية على الأخلاق الفاضلة والأدب الرفيع.

*طلبه العلم: بُعيد سن التمييز تعلم القرآن الكريم، كما درس الشيخ جمعة في"المدرسة العلمية الحسبية" بالباب، بعد ان رممها والده وأشرف على التدريس فيها، وكان من منتسبيها ابنه جمعة الذي درس فيها لسنوات شيئا من اللغة العربية والفقه والتجويد وبعض علوم القرآن.

*انقطاعه عن العلم وعملُه: في الخامسة عشرة من عمره عمل مع أخيه عبد الوهاب كاتبا في"طاحونة قمح" بقرية مارع التابعة لأعزاز- حلب، ثم عمل بمهنة سروج الخيل مع زوج أخته.

*التحاقه بالخسروية: في عام 1349هـ = 1930م انتسب الشيخ جمعة إلى المدرسة الخسروية بحلب؛ "أزهر الشهباء وبلاد الشام آنذاك" لحبه الشديد للعلم الشرعي ورغبة والده الشيخ مصطفى بذلك أيضا.

وكانت الخسروية يومئذ رائدة بعلمائها ومنهاجها العلمي المتميز، وكانت تضاهي "الجامع الأزهر"بمصر. ويدل لذلك قول جدي لأمي العالم والشاعرالأعزازي الشيخ عيسى بن أحمد الخطيب ت 1994م رحمه الله؛ الذي كان أحد خريجيها؛ قوله عنها:

الخسروية لا توارى نجمها=أكرم بها دارا مِنَ ابهى الدُّورِ

الجامعُ المعمور ثم المعهد الـ =ـمشهور للشامِيِّ بَلْهَ السوري

ورأيت طلاب الشريعة في حمى=ساحاتها ؛ كاللؤلؤ المنثور

يجنون أنواع العلوم بهمة=علياءَ ؛ من فقه ، إلى تفسير(8)

*درس الشيخ جمعة في الخسروية ست سنوات وتخرج فيها سنة 1355هـ = 1936م في القافلة "الدفعة" الحادية عشرة، حاصلا على الدرجة الأولى على زملائه، وحائزا شهادتها التي رُقِمَ عليها قول أساتذته ووصيتهم الرائعة الآتية:

"... وإنا نوصيه بتقوى الله في السر والعلن، والاعتصام بحبل الله، واتباع سبيل المؤمنين، وألا تأخذه في الله لومة لائم، وألا يألو جهدا في نشر العلم وبثه، وإرشاد الأمة إلى حيث الصلاح والفلاح في دينها ودنياها، والاهتمام بأمرها".

*هذا وقد درس الشيخ جمعة في الخسروية العلوم الإسلامية والعربية؛ من قرآن وتجويد وتفسير وعلوم قرآن، وفقه حنفي وأصوله وفرائض، وحديث ومصطلحه، وتوحيد وعقيدة إسلامية، ونحو وصرف وبلاغة وإنشاء وأدب عربي، وتاريخ وسيرة نبوية، ومنطق وحساب وجغرافيا وفلك.

*بعض أهم شيوخه: ومن أهم شيوخ الشيخ جمعة الذين نهل علمه منهم:

1- والده الشيخ مصطفى أبو زلام: وهو العلامة الكبير الشهيرالأزهري، وقد استفاد

منه ولده الشيخ جمعة كثيرا؛ حتى إنه رحمه الله، كان يعترف بفضل والده عليه

وعلمه الغزير، ويستصغر نفسه أمام علم والده ويقول عنه:"أنا نقطة في بحرعلمه".

2- محدث حلب ومؤرخها العلامة الشيخ محمد راغب الطباخ ت1370هـ : الذي

درس عليه علوم الحديث والمصطلح والتاريخ.

3- المحب النبوي والشاعر الشيخ عيسى بن حسن البيانوني ت 1363هـ :

وقد درسه مادة الأخلاق. 4- العلامة النحوي الشيخ محمد الناشد الحلبي الحنفي ت

1362هـ : الذي درسه علمي النحو والبلاغة.

5- العلامة الفقيه المفتي الشيخ أحمد بن محمد عساف الكردي الحلبي الحنفي ت

1373هـ : درسه أصول الفقه.

6- الشيخ فيض الله الأيوبي الكردي الحلبي الشافعي: درس عليه العلوم العقلية

والتوحيد والمنطق. 7- الشيخ أحمد بن محمد الشماع الحلبي الحنفي

ت 1353هـ : درسه التفسير.

8- العلامة النحوي الفقيه الشيخ عبد الله حماد الشافعي ت 1390هـ :

درس عليه الصرف. 9- العلامة والفقيه ومفتي الشافعية بحلب

الشيخ محمد أسعد العبجي الحلبي ت 1392هـ : درسه النحو.

10- الشيخ عمر مسعود الحريري: درس عليه علم تجويد القرآن.

11- الأديب الخطيب الشيخ محمد بن عبد القادر الحكيم الحلبي الحنفي

ت 1400هـ : درسه الأدب العربي والإنشاء.

12- العلامة والفقيه الأصولي الأديب الحنفي الشيخ أحمد بن محمد الزرقا الحلبي

الحنفي ت 1357هـ : درسه الفقه الحنفي.

يتبع...

*************

*الهوامش: (1) سورة الزمر 9.

(2) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وغيرهم عن أبي الدرداء رضي الله عنه. الترغيب والترهيب للمنذري ص 43، رقم الحديث 106.

(3) رواه البخاري في صحيحه؛ ص: 37، برقم 100، عن عبد الله بن عمرو.

(4) يُنظر: تنبيه المغترين للشيخ عبد الوهاب الشعراني ص: 19.

(5) هو الشاعر الزاهد سابق بن عبد الله البربري الرقي ت بعد 132هـ ، وهو الذي كان يتردد على عمر بن عبد العزيز، و يعظه وينشده بعض شعره، وهو صاحب القصيدة الوعظية المشهورة التي مطلعها:

النفس تبكي على الدنيا وقد علمت أن السلامة فيها ترك ما فيها والتي تنسب خطأ إلى سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه.

(6) رَ: شعر سابق بن عبد الله البربري. د. بدر ضيف ص: 27، 109.

(7) ينظر: معجم متن اللغة للشيخ أحمد رضا 4/42 مادة "عجي"، بتصرف.

(8) عن: السيرة الشخصية المفصلة لجدي الشيخ والشاعر عيسى بن أحمد الخطيب ت 1414هـ المخطوطة بيده، والتي أرسلها للأديب علي الزيبق عام 1971م بناء على طلبه، وهي ضمن ديوان جدي الذي حققته وعلقت عليه ص: 88.