الشهيد مهيدي الصالح

بقلم صالح الحلبي 
لم يشهد التاريخ ظلماً كظلم الأسد ونظامه الذي لم يسلم منه الإنسان والحيوان، وما من ذرة او نسمة أو حبة أو طائر يطير بجناحيه إلا ويتلعن على الأسد وإجرامه.
بين يديّ قصة قصيرة في مبانيها وحروفها، طويلة في آلامها وأشجانها، وهذه القصة ليست ترجمة لعالم نحرير، ولا لمجاهد همام أو بطل مقدام، ولا لصاحب فكر ثاقب، أو سياسي مخضرم. ما هي إلا قصة لشاب بسيط لم تحفل حياته بالبطولات والإنجازات، بل هو شاب لم يعرف إلا الشاة والبعير.
 
مهيدي الصالح المولود عام 1963 شاب فطري بسيط أمي لا يعرف القراءة والكتابة، نشأ في قرية تتبع لمحافظة الحسكة على الحدود العراقية.كان عنده قطيع من الغنم يتتبع بها المراعي، وقد جاوز قطيعه ذات مرة الحدود العراقية فألقي عليه القبض من قبل هامان الجزيرة العميد محمد منصورة رئيس الأمن العسكري في القامشلي عام 1987ليقدّمه قرباناً لفرعون العصر حافظ الأسد ليثبت له جِده في عمله وولاءه وإخلاصه، ومن المعلوم أن نظام الأسد يأخذ الفتى بجريرة الأخ أو ابن العم أو القريب الأبعد ويسومونه سوء العذاب لكن هذا المسكين أخذ بجريرة شياهه التي لاكت كلأ العراق، وسببت له تهمة الانتماء لليمين العراقي، ولم يكن يعلم هذا البائس ماذا يعني يمين أو يسار بل لا يدري ماذا تعني كلمة السياسة أصلاً.
 
أقتيد إلى سجن تدمر العسكري عام 1988 وزجّ به في المهجع الخامس عشر في الباحة الثالثة ليجد نفسه في عالم غير عالمه وبيئة غير بيئته ووجد نفسه مع ثلة همهم العلم والحفظ والتقرب الى الله عز وجل.
حاول أن يدخل في نظم سلكهم لكن الأمر شق عليه وبذل جهده للتعلم لكن دون جدوى واجتهد إخوانه في تعليمه قصار السور ووجد في ذلك مشقة ومعاناة بل شق الأمر على إخوانه لما بذلوا من جهد في تعليم هذا الشاب الطيب الذي كانت سريرته كعلانيته ولا يعرف الزيف مطلقاً ويقول لمعلمه: اصبر علي.
 
وفي عام 1989 كان التعذيب في سجن تدمر على أشده ،وكانت هذه السنة من أثقل السنوات بأساً على سجناء تدمر اثناء حرب النظام السوري مع حبيب اليوم وعدو الأمس ميشيل عون في لبنان، فكان هذا الجبان يصب جام غضبه ويفرغ شحناته في هؤلاء المستضعفين.
 
تعرض مهيدي في هذه السنة لمرض السل بسبب الأحوال السيئة وسوء التغذية، وأدى الى تدهور وضعه الصحي، وقد احتار في امره المسؤول الصحي آنذاك الطبيب حسن عجم، ولم يجد له الدواء المناسب، وبنفس الوقت لا يريد أن يغامر في الإبلاغ عن وضعه لطبابة السجن لأن المريض يتعرض للضرب المبرح، وتبرز كل شجاعة المجرم على هؤلاء المساكين، ويفعل بهم الأفاعيل التي لا ترضى بها الحجارة لو كانت الحجارة تشعر وتريد، لكن حالة مهيدي ساءت كثيراً، وأدرك الطبيب أن عدم إعطاءه العلاج سيودي بحياته، ولم يكن أمام الطبيب السجين خياراً إلا أن يطلب له الدواء، فحضر على إثرها الطبيب العسكري، وطلب إخراجه من المهجع إلى الباحة، فكانت أول جرعة علاجية هي: وابل من الشتائم والسباب والشتائم والإهانات وقال له: (يا بن ........) تريد الدواء؟!
 
 إن أمثالكم لا يستحقون الا الموت ثم رفع السوط وبدأ بضربه غير مبالٍ أين يقع سوطه من جسده وهو مستلق على عازل عسكري عاري الصدر، ثم أوعز للسجانين أن يتموا له العلاج فاجتمع عليه أكثر من عشرة وحوش وانهالوا عليه ضرباً بالسياط والكرباج وقضبان الحديد، فتضرج مهيدي بدماءه وغدا جثة هامدة، ثم أعادوه الى المهجع، وقالوا لرئيس المهجع: أدخلوا هذا الكلب وأبلغونا بموته عندما يموت، وأدخلوه للمهجع لكنه كان قد فارق الحياة.يقول محدثي: لا أريد أن أصف حال المسؤول الصحي فقد أجهش بالبكاء وحمّل نفسه وزر تسليم هذا الشاب إلى أيدي القتلة على الرغم من أنه أحياناً كانوا يكتفون بضرب المسؤول الصحي وبعض الضربات للمريض.
 
استشهد رحمه الله في صحراء تدمر، ورحل عن الدنيا ليشكو لربه ظلم الظالمين على هذه الحالة المأساوية التي يشهد عليها نزلاء المهجع الخامس عشر البالغ عددهم في ذلك الوقت مأة وأربعة عشر نزيلا، وهذا نزر يسير مما فعله الطغاة الطغام ......