الشهيد عبد الله عطية الوهيبي

 
 
بلغني متأخِّراً بعضَ الوقتِ نبأ استشهادِ البطل عبدالله ابن المجاهد الشيخ الدكتور عطية الوهيبي ( أبو حفص السوري ) حيثُ قضى قبلَ أيَّامٍ في مدينةِ أريحا مقبلاً غير مدبرٍ وضمَّت تفتنازُ جثمانه الطَّاهر ..
الشّيخ عطيَّة هو ذلك النَّسرُ الفلسطينيُّ السُّوريُّ الذي ما يزالُ محلِّقاً في فضاءاتِ الجهادِ منذُ عقود ..
مخيَّمُ درعا وجَنَبَاتُ حورانَ تفتقدهُ منذُ ثمانينيَّاتِ القرن الماضي حيثُ هاجرَ بعدَ أن أرعبَ نظامَ حافظ الأسدِ بنشاطه الدعوي وهمَّته العالية وصوته الصدَّاحِ بالحقِّ حتى غدت مجالستُه جريمةً يُزَجُّ بفاعلِهَا في سجن تدمر السَّنواتِ الطّوال هذا إن لم يكن القتلُ هو العقابُ الأعجل ..
كانَ النَّاسُ يتهامسونَ باسمه ويتلفَّتونَ حولَهم ذعراً من الحيطانِ التي لها آذان ..
 
التقيتُه في صنعاءَ قبلَ ثمانِ سنوات للمرَّةِ الاولى بعدَ طولِ اشتياقٍ للقاءِ من رسمتُ له في مخيَّلتي صوراً شتَّى منسوجةً من خيوطِ البطولةِ والهيبةِ والرُّجولةِ والثبات فرأيتُ فيه ما يفوقُ ذلكَ بكثير ..
وعندَ عودتي إلى درعا لم أبُح لأحدٍ بأنَّني التقيتُه أو رأيتُه كما أنني نفيتُ يقوَّةٍ أمامَ المحقِّق في فرعِ الامن العسكري في السويداء الذي ألحَّ بالسؤالِ عن لقائي به مجرَّد معرفتي به فضلا عن لقائِه وشعرتُ كم هو مُرعِبٌ لهم رغم انقضاءِ عقودٍ على هجرتِه ..
الشَّيخ عطيَّة لا يملك من يعرفُه إلَّا أن يحبَّه .. هيِّنٌ لينٌ لا يحبُّ الظهورَ ولا يسعى إلى شهرة .. شاعرٌ لا يُجارى وخطيبٌ لا يُشقٌّ له غبار .. تعرفُه مواطنُ الجهادِ وتعشقُه ساحاتِ الوغى ..
سَلْ عنه حلبَ وإدلب وأريافهما والمجاهدينَ فيها فهو يتنقَّلُ بينَ الجراحِ يبلسُمها وبين الالام يمسحُ بروحه عليها فيخفِّفُ وطأتَها ويأخذُ بناصيةِ البندقيَّةِ نحوَ السدادِ والرَّشاد ..
وقد تركَ أهلَه وجامعتَه وكلَّ شيءٍ ليكونَ هو وأبناؤه في الصفوف الاولى حيثُ يليقُ بهم أن يكونوا ..
أنا على يقينٍ أنَّ حبيبَ القلبِ الشيخ عطيَّة لن يقرأَ كلماتي هذه فلا وقتَ لديه لعوالمَ مبنيَّةٍ في الهواء فهو البارعُ في مغالبةِ الأمواجِ العاتيةِ في بحارِ الحياةِ والجهادِ مهما تطاوَلَت .. ولا يعشقُ السِّباحةَ في أمواجِ هذا الأزرقِ الافتراضيّ ..
الشَّيخ عطية يودِّع ابنه عبدالله شهيداً في ساحاتِ الجهاد في سوريا ليضيفَ إلى سجلِّ شرفه وفخارِه شهادةً عظيمةً إلى سجلِّه الحافلِ بالمفاخِر ..
لكنَّها الشَّهادةُ الأغلى لأنَّها ممهورةٌ بالدَّم .. دم الابن الشَّهيد
محمد خير موسى