الشهيد المقدام محمد فيصل الإمام

محمد فاروق الإمام


ودعت يوم أول أمس الجمعة 12 تشرين أول الشهيد الثالث من أسرتي خلال أقل من شهرين.. وكان آخرهم قائد ميداني شهد له كل من عرفوه ومن عملوا معه على إخلاصه وسمو أخلاقه وعمق إيمانه، وتفرغه دون العائلة والأهل والعشيرة لعمله الذي نذر نفسه له، وهو مقارعة هذا النظام الباغي حتى إسقاطه وتحرير سورية من رجسه وبوائقه ومظالمه.

ودعت يوم أول أمس رجلاً ولا ككل الرجال نبلاً وشهامة وشجاعة وفداء.. استشهد وهو منتصب القامة مقبلاً غير مدبر، ويحق لي أن أفتخر به وأسخّر مداد قلمي للحديث عنه.. إنه ابن ابن أخي القائد (أبو فيصل) محمد فيصل الإمام عضو المجلس الثوري في مدينة حلب وريفها.. استشهد وهو يقوم بالواجب اليومي الذي اعتاده بشظية قنبلة برميل أتت على البناء الذي كان يقيم في (قبوه) في مدينة تل رفعت تحسباً لأي قصف عشوائي، فانهار البناء المكون من أربعة طوابق فصعدت روحه إلى السماء تشكو إلى الله ما يفعله مجرم سورية بالشعب السوري، من قتل وذبح ونهب وتخريب وتدمير واعتقال وسجن وتهجير، وحصار للمدن وقطع الماء والغذاء والدواء والاتصالات عنها، وكانت الفاتورة التي قدمها الشعب السوري لينتزع الحرية من مغتصبيها عالية جداً: (40 ألف قتيل، مئة ألف مفقود، مئة ألف جريح، مئتي ألف معتقل، 3 ملايين نازح داخل المدن السورية، نصف مليون مهجر إلى الدول المجاورة، تدمير مدن وبلدات وقرى تدميراً كاملاً أو جزئيا، تخريب وتدمير البنى التحتية والمؤسسات الحكومية ودوائر الدولة ومؤسسات التعليم والثقافة، حرق وتخريب المعالم الأثرية لمعظم المدن والبلدات والقرى السورية، حرق المحاصيل الزراعية والغابات، وتجريف الأشجار واقتلاعها).

وكل هذا يحدث أمام نظر العالم والمجتمع الدولي وسمعه، دون أن تحرك هذا العالم وهذا المجتمع شلالات الدماء اليومية المتفجرة من أجساد الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين الأبرياء في كل المدن السورية وبلداتها وقراها ومزارعها على مدار أربع وعشرين ساعة منذ أكثر من ثمانية عشر شهراً، ما شهد مثيلها أي شعب في العالم لا قديماً ولا حديثا.

البطل الشهيد لم أره في حياتي فقد باعدت بيني وبينه الحدود وظلم النظام وقانون العار رقم (49) الذي أصدره طاغية سورية الأسد الأب عام 1980، والذي يُحكم بموجبه على كل منتم لجماعة الإخوان المسلمين بالإعدام بأثر رجعي.. لم ألتق معه ولكن كانت روحي تعيش معه في سكناته وحركاته عبر الهاتف والسكايب ممنياً النفس في قرب لقائي به على أرض سورية التي حُرمت من تنفس هوائها وملامسة ترابها لأكثر من واحد وثلاثين سنة، لا يعلم إلا الله كم كانت ثقيلة على نفسي كثقل الجبال الراسيات.

وداعاً أيها البطل فقد فزت ورب الكعبة بأعز وسام.. إنه وسام الشهادة.. وسام الكبرياء والعزة والفخر، حيث مكانك في عليين بصحبة الأنبياء والمرسلين والصالحين.. أما أعداؤك.. أعداء الشعب السوري.. فلن يحصدوا إلا العار والشنار والخزي والبوار وسوء القرار، فكم حدثنا التاريخ عن أمثالهم وما آلت إليه أحوالهم، وما الأمس عنا ببعيد، ونهاية طاغية ليبيا هي أقل ما يمكن ان يؤول إليه مصير طاغية سورية!!

وداعاً أيها الشهيد البطل فأنت حي لم تمت ببشرى آيات نزلت من السماء خصك الله وأقرانك بها حيث قال:
 
 
(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) صدق الله العظيم.