الشهيد أحمد لطفي وحلمه الذي تحقق

 

بقلم / رامي إبراهيم البنا
لا أستطيع القول بأن القصة بدأت، لكني سأحكي القصة من حدث قريب قد يكون هو نهايتها، وهو الحدث الأبرز في حياة الشهيد بإذن الله أحمد لطفي.
 
الشهيد عبد الفتاح منجود هذا اسم آخر غير السابق، من الممكن أن تعتبره مقدمة له.
عبد الفتاح أحد الإخوة الناشطين في فعل الخير في زاوية البرماوي بحي السيوف الذي أقطنه، عبد الفتاح كان أحد الإخوة الذين أعرفهم، شاب سمح الملامح، طويل الشعر، هادئ الطبع، لا يتكلم كثيرا، مهمته بين إخوانه فعل الخير، فكان يوصِّل التبرعات التي يجمعها للأسر المستحقة لها، وكان هذا عمله الأساسي، وقد اشترى دراجة بخارية لكي تكون أسرع له في الحركة، وذات مرة قابلته بها: فخفتُ عليه، ونصحته بأن هذه الدراجة خطيرة، وتغر صاحبها، وقد حدثت له حادثة بها، أصيبت فيها قدمه، لكن هذا لم يعقه عن مواصلة مهامه في فعل الخير، وإيصاله للناس، بهمة نادرة، وعمل دوؤب.
لم تقتصر وظيفة عبد الفتاح على بلده فقط أو إقليمه؛ بل امتدت هذه المهمة إلى الأقطار العربية الشقيقة، فذهب إلى غزة في قافلة مساعدات، كما ذهب إلى ليبيا بعد أن قامت فيها الثورة، وأوصل إليها مساعدات، وفي المرة الثانية من رحلته إلى ليبيا، وهو يودِّع إخوانه قائلا: ألقاكم عند عمر المختار يقصد بها موضع قبره في ليبيا، ولم يدر بخلَد إخوانه أن الملتقى هو الآخرة في جنات النعيم؛ نرجو ذلك إن شاء الله.
انقلبت سيارة عبد الفتاح واستشهد وهو في ليبيا، وصلى عليه جمع غفير من الناس، وقد شهدت جنازته، وكان فيها كل الفضلاء من بلدتنا الإسكندرية، وبعضهم جاء من الأقاليم أيضا.
وهذا رابط لمن أراد أن يعرف عبد الفتاح :
تركت قصة عبد الفتاح أثرا عميقا في كثير من الشباب، من هؤلاء الشباب، الشهيد أحمد لطفي؛ الذي اتبع عبد الفتاح في خطواته، لدرجة أنه أخذ دراجته البخارية وتم تحويل كل مهام عبد الفتاح إلى أحمد من إطعام المساكين وقضاء حوائج الفقراء وتوصيل المال إلى بيوت الأيتام.
وجاءت محنة سوريا، والثورة الشريفة التي قام بها السوريون، والمجازر والحرب الضروس التي تحدث أمام مرأي ومسمع العالم، ومنه العالم الإسلامي، المملوء بالشباب ذي العاطفة الحارة، والحماس المدوي، تجاه إخوانه، المتألم من تلك الحدود التي أطبقت عليه، وقطعت أجزاءه، كان يشاهد أحمد هذا ويتألّم، حتى جاءته الفرصة لكي يقوم بالدور الذي رآه واجبا عليه، وشرفا يسعى لنواله، وهبة من الله يسعى المرء لاستحقاقها، فسافر إلى سوريا، وحمل السلاح
 
حمل السلاح وجاهد مع إخوانه حتى أتته رصاصة الغدر والظلم والاستبداد، فاستشهد كما استشهد صاحبه، ولحقه كما تمنى في مساء السبت يوم 27/4/2013م، فكانت عارا على عار نظام مستبد ظالم جاهل، وشرفا على شرف شباب ونساء وشيوخ وأطفال وقفوا لقول كلمة الحق، ولإعلاء الحق، وإقامة العدل، وكانت بضاعتهم في ذلك الصدق والإخلاص، والهمة العالية التي تتضاءل أمامها كثير الكلام والفلسفات.
إن أحمد لطفي لم يكن أول الشهداء المصريين ولن يكون آخرهم، لكنه درس قاس لنا جميعا، ولمن يحكموننا، وللظلم الذي يحيط بالشعوب العربية، وللسياج المقطّع لهذه الأوصال.
إن أمثال هؤلاء الشهداء يعطوننا دروسا في لحمة المسلمين وفي لحمة العرب، في الاستعلاء على الطغيان، في الترفع عن متاع الدنيا، وهم شباب في ريعان العمر، ومنهم من ترك أطفالا صغارا، وفتاة كان يحبها.
إن هذه رسالة أيضا لإخواننا في سوريا بأن إخوانكم لا يرضون لكم الضيم، كما لا يرضونه لأنفسهم، ويتمزقون لما تلقونه من ألم.
فهذا عبد الفتاح الذي استشهد في ليبيا، وهذا أحمد في سوريا وغيرهما الكثير منهم، نسأل الله أن يتغمدهم برحمته، وينصر أهلنا في سوريا ويعجل نصرهم، ونصر الشعوب العربية أجمع.