الشهيد أبو صهيب أحمد عبد العزيز حمدان تقبله الله

 

 
بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم: ضياء الدين البرهاني
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المجاهدين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين وبعد :
على سفوح جبال مصيف الزبداني الجميلة أشرقت دماء الشهيد أحمد ابن الشيخ عبد العزيز حمدان مع بزوغ شمس الحريَّة لتصبغ أرض الشام بصبغة الحريَّة مع باقي دماء شهداء العزة والكرامة، ولتزهر ربيع ثورة تاريخيَّة تسطّر اسمها على جبين التاريخ باسم الثورة السورية العظمى فكان وردة من بين ورود هذه الثورة, ولتنفرط روحه مع أرواح نجوم الحرية كما ينفرط عِقد اللؤلؤ على بلاط الشهداء والملوك.
وقبل أن أشرع بسرد حياة هذا الشهيد وذكر مناقبه وسجاياه لابد لي أن أعرّف بأسطر يسيرة بوالده الشيخ عبد العزيز حمدان رحمه الله.
 
الشيخ عبد العزيز حمدان:
الشيخ عبد العزيز حمدان شريف النَّسب، وهو شيخ بلدة الزبداني, فقيه شافعي, كان ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وكان والده من وجهاء البلد، وقد دفع بابنه الشيخ عبد العزيز للمدرسة الغرَّاء بدمشق، ودرس فيها العلوم الشرعية، وتابع علومه في كلية الشريعة في جامعة دمشق وحصل منها على شهادة الدبلوم.
وكان له قبول في بلدة الزبداني، ويشهد له أهل العلم بفضله، ويذكر أن الشيخ كان يجلس ذات مرة في مجلس عزاء، وكان في ذلك المجلس الشيخ مصطفى طه -رحمه الله- فسأل أحدهم الشيخ مصطفى سؤالاً فقهياً، فقال الشيخ مصطفى: لا أُسأل والشيخ عبد العزيز بجانبي!!.
أنجب الشيخ خمسة من الأولاد: أكبرهم أسامة رحمه الله، وثانيهم عمر والد المجاهد معاذ حفظهما الله، والثالث أبو عبادة قائد كتائب حمزة بن عبد المطلب، والرابع أنس، وخامسهم وأصغرهم الشهيد أبو صهيب أحمد تقبله الله.
 
الولادة والنشأة:
في عام 1971 ولد الشهيد أحمد في أسرة  متواضعة ملتزمة بشرع الله عز وجل ينحني لها المجد إجلالاً وإكبارا، تلك الأسرة التي أبت إلا أن تقدِّم شهيداً ومجاهدَيْن في سبيل الله عز وجل.
وفي وسط هذه الأسرة المجاهدة في سبيل دينها العابدة لربها المؤمنة بقدره نمى وترعرع البطل أحمد حمدان.
جرت العادة أن يكون صغير الأسرة الأكثر حظاً من العناية والدلال من والديه وإخوته، ولذلك كان أحمد يهتم بنفسه ولباسه وأناقته كثيراً.
تعلم أحمد في مدارس البلد، وحصل على شهادة الثانوية التجارية، وفي هذه الأثناء كان والده الشيخ عبد العزيز يحرص على تربية أبنائه التربية الإيمانية، وأن ينشّأهم على المنهج الوسطي المعتدل، فكان يجمعهم ويحضهم على النشاط الدعوي في دين الله عز وجل، ويذكّرهم بأبناء الحي والبلد، ويقول لهم: إذا أنتم لم تأخذوا فلاناً إلى المسجد من الذي سيأخذه؟! وإذا أنتم لم تعملوا لدين الله من الذي سيعمل للدين؟ لماذا لا تعطون الدروس ولا تعلمون؟
يا أولادي أنا احترقت ورقتي فأنتم اعملوا, وإذا ما حان وقت الصلاة يطلب من ابنه أحمد أن يأخذه إلى صلاة الجماعة ويذكره بفضلها وبثوابها.
 
الانتماء الفكري والالتحاق بالجامعة الإسلامية:
انقسم أهل البلد قبل عام 1993 إلى تيارين: تيار صوفي طرقي، وتيار آخر هو تيار الهجرة والتكفير، والبون شاسع بين الطرفين، فاجتهد الشيخ عبد العزيز رحمه الله أن يجمع ما استطاع بين الأطراف المتناحرة على كلمة لا إله إلا الله بحق، ولم يخاصم أحدا منهم بل إنه كان يقول: أستفيد من جماعة الهجرة كذا وكذا، ويعدِّد محاسنهم، ويثني على المتصوفة في الجوانب الإيجابية فيهم، فلذلك كان له قبول عند الجميع.
وسار أحمد على منهج جماعة الهجرة، والتزم معهم، ونشط معهم، ثم رغب بالالتحاق بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، فأرسله والده إلى الشيخ عبد الله علوش في دوما ليزوِّده بكتاب تزكية إلى الجامعة الإسلامية، وقد قبل الأخ الشهيد في الجامعة الإسلامية، ودرس فيها ثلاثة أشهر، لكنه عزف عن الدراسة، وكان يتَّصل بوالده ويقول: أنا متضايق، ولا أستطيع الدراسة، وأريد العودة إلى سوريا، فكان والده يشجعه على البقاء وإتمام الدراسة ولكنه لم يصبر على ذلك  وعاد إلى سوريا، ولم يتابع دراسته الجامعية, وقد ندم على ذلك كثيراً حتى إنه كان يقول لابن أخيه معاذ: سامح الله فلانا وفلانا من أصدقائه من جماعة الهجرة ولولاهم لكنت أنا الآن من العلماء، ولكنت أنا الآن في مصاف فلان وفلان ويذكر بعض الشخصيات الدعويَّة المشهورة الذين كانوا معه على مقعد الدراسة في الجامعة كأمثال: الشيخ طلال الدوسري، والشيخ عبد العزيز الحمدان وغيرهم، وقد دامت الصلة بينه وبينهم ويلتقيهم حين يقدمون للاستجمام في الزبداني.
وبعد عودته من المدينة المنورة عمل أحمد في إحدى مصابغ الثياب فكان في تلك الفترة في مرحلة تجاذبات فكريَّة، وقد استقرَّ رأيه على اعتناق الفكر السلفي، وكان والده يراقبه ويتابعه، ويذكر أن جاءت ذات مرة امرأة إلى الشيخ عبد العزيز، فقالت له: يا شيخ عبد العزيز إني قد نذرت أن أذبح للشيخ محيي الدين إذا تحقق لي الأمر الفلاني، فأجابها الشيخ إجابة غريبة، فقال لها: اذبحي يريد بذلك أن يراقب ردة فعل ابنه أحمد، فغضب ولده أحمد وقال له : كيف تقول لها اذبحي والذبح نسك، والنسك لا يجوز لغير الله عز وجل؟! فقال الاستاذ عبد العزيز: لا تذبحي، ثم قال لولده أحمد: هات ما عندك، ثم تباحثوا في المسائل الفقهيَّة والعقديَّة إلى أن وصلوا إلى مسألة الأسماء والصفات، وقد  قال أحمد بكفر من يقول بقول الأشاعرة!! فردَّ عليه والده، وقال له: لا يجوز أن تقول هذا، فقال أحمد: بل يجوز، واستدل بأقوال نسبها للشيخ ابن عثيمين رحمه الله وغيره من العلماء، فقال له والده: لا يا بني، عليك أن تتعلم وأن تبحث، ولم تذهب كلمات الوالد مع مهب الريح بل أخذت موقعها من ذهن أبي صهيب.
وهناك أمر آخر ترك أثرا في أبي صهيب هو قراءته لكتاب العقيدة الواسطية وسماع شرحها من خلال الدروس الصوتية للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وقد فوجئ أبو صهيب بأن وجد بعض التعليقات الخطيَّة على الصفحة الأولى من الكتاب، وفي اليوم الثاني وجد تعليقات أخرى على صفحات أخرى، وفي اليوم الثالث وجد تعليقات جديدة!! ويقول أحمد: كنت أسمع شريط الشيخ ابن عثيمين ففوجئت بحضور والدي إلي! وقال لي: هل سمعت ما قال الشيخ ابن عثيمين بالشريط الفلاني؟ فهو لا يقول بتكفير من يقول بقول الأشاعرة، فخجل أبو صهيب من والده، وقال له أبوه: ألم أقل لك يا بني عليك أن تتعلم. وهذا المنهج في التلقي عن طريق الأشرطة، وقراءة الكتب دون تدرج في قراءتها، وتلقيها عن عالم ثقة بعيد عن منهج السلف ويوقع في مثل هذه المنزلقات، التي عصم الله منها أخونا أحمد بمتابعة والده له وتحذيره من تلك الأخطاء .
 
زواجه:
كان الشيخ عبد العزيز حمدان رحمه على صلة بأبي سعيد طيبة شيخاني أحد أثرياء دمشق وهو شريك في مكتبة الفارابي بدمشق، وأبو سعيد من أصدقاء الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله، وقد التقى بالشيخ أبي الحسن الندوي رحمه الله في مكتبات دمشق أثناء زيارته لدمشق، وكانت تربطه صلة قرابة بالدكتور البوطي من جهة النساء من جهة زوجته فزوجته شقيقة زوجة البوطي، وفي إحدى زيارات أبي سعيد للشيخ عبد العزيز في الزبداني رأى الشابين الوسيمين الكريمين من أولاد الشيخ عبد العزيز؛ أحمد وأبا مصعب، فقال أبو سعيد: لمَ لا تزوج هؤلاء الشباب يا شيخ عبد العزيز؟ فقال الأستاذ: أنا ليس لدي قدرة على تزويجهم، وينبغي عليهم أن يعتمدوا على أنفسهم، وأن يجمعوا المال ليستعينوا به على الزواج، فوجد أبو سعيد الفرصة المناسبة ليختار لابنته صاحب الخلق والدين، فقال: عليّ زواجهم وأنا أقرضهم المبلغ الذي يحتاجون للزواج، واختار أبا صهيب لابنته، وأبا مصعب لابنة قريبه، وقد تزوج الشقيقان في يوم واحد، وأقاموا حفل زواج واحد، حضر الحفل كثير من علماء دمشق وعلى رأسهم العلامة الشيخ مصطفى الخن رحمه الله، والشيخ سعدي أبو جيب، والدكتور البوطي، وقد كان فرحاً ميموناً غمرت الفرحة قلوب الجميع، وعمّت السعادة كل الحضور، وبذلك بنى أبو صهيب بزوجه الكريمة والتي كانت يمناً وبركة على زوجها بفضل تربية الوالد لها، وتربية أمها (القبيسية) لها، وقد أسس هذا الزواج لبنة عائلية كريمة لأبي صهيب، وقد رزقه الله منها صهيباً وعمره الآن ثلاثة عشر عاماً، وأصغر منه بيان، ثم نور، وعندما استشهد أبو صهيب كانت زوجته حاملاً ولدت له بنتاً، أسأل الله تعالى أن يحفظهم ويرعاهم ويتولاهم.
 
نشاطه الدعوي بعد الزواج:
بعد أن استقرت أمور أبي صهيب وصار يعمل في محل منظفات مع أخيه أبي معاذ حُبِّب إليه العمل الدعوي في أوساط الشباب، فكان يمضي وقته بالسماع للأشرطة الدعوية والمحاضرات العلمية لا سيما الفقهية منها، ثم أحضر إلى المحل جهاز كمبيوتر وملأه بالدروس الدعوية، وأحضر كذلك جهاز mp3 فكان يخزن فيه المحاضرات ويعطيها لأحد الشباب ويمهله فترة أسبوع، وبعد انقضاء الأسبوع يسأل ذلك الشاب: ماذا استفدت منها، وماذا عملت بعد سماعك لهذه الدروس؟
 وكان كثير النصح للشباب ويحضهم على السماع، ويقول لهم: السماع يكوّن لديكم ذخيرة علمية تنتفعون بها في وقت أنتم أشد حاجة لها، وقد ذكر أنه اجتمع ذات مرة ببعض طلاب العلم، ودار بينهم نقاش ومباحثة علمية فقال: بدأت أسرد لهم الأحاديث والأدلة دون تكلف ومن غير تحضير والفضل يعود لكثرة السماع.
ويقول أبو صهيب: كنت أنظر الى الشباب وأقول: هذا يحتاج الموضوع الفلاني، وقبل أن أناقشه في ذلك الموضوع أسمع كل ما يتعلق بذلك الموضوع.
وهكذا التفَّ الشباب حول أبي صهيب في الزبداني، وصار له قبول واسع في أوساطهم فكانوا يحضرون إليه في المحل أو إلى المسجد الذي كان يؤمُّ فيه بالتناوب مع أخيه أبي عبادة ويعرف الجامع بجامع بيت حمدان أو جامع السلفية، وكانت تبلغ حلقته قرابة الخمسة وثلاثين شخصاً تقريباً.
 
اعتقاله:
وعلى اعتبار أن أبا صهيب رحمه الله كان كالأرض الطيبة التي تشرب الماء الطيب وتزهره سنابل يافعة، وانتفع به شباب المسلمين لم يرق ذلك للمخابرات السوريَّة التي ترغب أن يكون المسلم المثالي عندها كالصخر الأصم الصلد الذي لا يشرب الماء، ولا ينبت الحشيش ولا يستفاد منه، ولا ينتفع به ويكون كظلمة الليل، وكان أبو صهيب على العكس من ذلك، فقد كان مشرقاً في الليل والنهار وبدراً في الظلام ينير النجوم التي من حوله من الشباب المسلم الفتي، وقد كان مدمّر مشروع الدولة الذي يهدف للقضاء على الإسلام وأهله، فاعتقلته قوات الأمن ليكون عبرة لمن يعتبر ولبثِّ الخوف والذعر في قلب من كان في قلبه بقية من خوف وآثار غيرة إسلامية، ولكن هيهات هيهات أن يطفؤوا نور الله بأفواههم وأغلالهم وسياطهم، وقد عُرف من شأن النظام أنه يأخذ الفتى بجريرة الأخ وابن العم والقريب الأبعد ويسومونه سوء العذاب فقد اعتقل رئيس قسم الإرهاب في فرع فلسطين العقيد الحاقد الصليبي جورج  أخاه أبا عبادة، ثم اعتقل أخاه أبا معاذ من بعده، وهذا إجراء اعتياديٌّ معهود في دولة البعث المستبدة الفاسدة، ثم أطلق سراح أبا معاذ، ثم توعَّده بالاعتقال مرة أخرى بعد خروج أخويه، وقال له: لا أريد أن أنكب جميع الأسرة الآن!! لكن يد الجبار والحق كانت سبّاقة في قصمه وقصم كل جبار عنيد فصيّرته أشلاء في عملية تفجيرية في قلب فرع فلسطين في عملية عام 2009، فجاء خلفاؤه من بعده واعتقلوا ابن عمِّه الشاب الكريم المجاهد البطل حمزة حمدان ثبته الله، ثم ألحقوا به أيضاً ابن أخيه البطل الشيخ معاذ خريج معهد الفتح الإسلامي الذي يرابط الآن في صفوف المجاهدين في " لواء الإسلام "حماه الله وأيده.
حكم قاضي محكمة أمن الدولة على الأخوين أبي عبادة وأبي صهيب بالسجن، على الأول أربع سنوات، وعلى أبي صهيب خمس سنوات ، قضوها صابرين محتسبين في سجن (صيد نايا)، وعاشوها مع كتاب ربهم حفظاً وتلاوة وتدبراً، وقد منّ عليهم الرحمن بحفظه كاملاً، ولازم أبو صهيب في سجنه الشيخ بهاء الجغل، أسأل الله أن يفرّج عنه، واستفاد منه كثيراً.
 
خروجه من السجن:
ومع إشراقة الربيع العربي في سورية، أشرقت حياة أبي صهيب من جديد، فقد منّ الله عليه بالخروج من ظلام سجون الطغيان إلى نور الحرية فكان هو أحد أشعة شموس الحرية التي أضاءت البلاد، وبخروجه من السجن عمَّت الأفراح بلدة الزبداني، وتزامن فرحهم بفرح آخر وهو مقتل مسؤول في الأمن السياسي دعساً بالأقدام في إحدى مظاهرات الزبداني.
 
كرامة الاستشهاد:
لم يرو النظام غليله من آل حمدان، بل اعتقل أفراداً آخرين منهم، وعادت الملاحقات الأمنية لآل حمدان، ولأبي صهيب بالذات لنشاطه الثوري، وفي 19-9-2011 قامت حملة عسكرية في الزبداني بالبحث عن أبي صهيب وبعض الناشطين فلجأ مع مجموعة من الفتية الثائرين إلى قبو في أسفل البناء الذي شرع ببنائه بعد خروجه من السجن، ولم يكن قد أتمَّه، وكان معه ستة عشر شاباً، ووصلت قوات المداهمة إلى ذلك البناء غير أنهم لم يهتدوا إليهم فقد اختبؤوا وراء جدار، ولم يقتنع الضابط بعدم وجودهم في هذا المكان وسمعوه يقول: لا بد أن نحضر قوة أخرى للبحث عنه بشكل جيد، وقد سمعه أبو صهيب فخرج مع مجموعته ومعهم أبو عبادة وأبو معاذ إلى سهل في الزبداني، ثم طلب منهم الصعود إلى الجبل، وطلب منه أبو معاذ أن يبقوا في ذلك السهل وألا يصعدوا إلى الجبل لوجود الثوار هناك، ورفض أبو صهيب الانصياع لأبي معاذ، فقال له أبو معاذ: صلّ الاستخارة فصلاها صلاة عازم، وصعدوا إلى ذلك الجبل الذي يقال له: كعب القلعة, فجاءهم هاتف من أحد المجاهدين يطلب منهم مغادرة ذلك المكان وأخبرهم أنه قتل قبل قليل خمسة وثلاثين جندياً من جنود الطغاة، ولم يكن مع أبي صهيب وأبي معاذ إلا بارودةً واحدة مع ثلاث قنابل ومسدسين، فجاءت قوات كبيرة من الجنود الذين جبلت طبائعهم على الغدر والخسَّة والتفُّوا حولهم وتمَّ تطويقهم من المحاور الأربعة، فأطلق عليه قناص غادر طلقة استقرت في صدر ملئ إيماناً وحباً لله، وسال دمه الطاهر على صدره وكأنه قلادة، وصعدت روحه إلى الله تشكو ظلم الظالمين، وارتفعت روحه في سماء المجد والبطولة شهيداً مقبلاً غير مدبر محباً لله ولرسوله إلى جنان الخلد مع سيِّد المرسلين والشهداء. ثم قامت قوات الأمن باعتقال أبي معاذ وأبي عبادة، وفوجئ الناس من أهل الزبداني عندما رأوا جثة الشهيد أبي صهيب على ذلك الجبل، وكان هو الشهيد الثاني من شهداء الثورة في بلدة الزبداني، وعندما أراد أهل البلد تشييعه بعرس يليق به وبأمثاله من الشهداء قامت قوات الأمن بتطويق الحي، ومنعوا الناس من الخروج في تشييع جنازته، ويحضرني في هذا الموقف قول الشيخ الشهيد عبد الله عزام رحمه الله: (فإذا كان حسن البنا قد قتل في أكبر شوارع القاهرة في ميدان رمسيس, وقضي عليه داخل غرفة العمليات، ولم يُصلِّ عليه سوى أربع نساء إلا أن الله أحيا أجيالاً في الأرض دماؤهم هي النار التي تؤجِّج صدور الجيل الذي يسعى لإقامة دين الله من جديد، وعلى طريقهم من قبل كان القسّام وسلامة وكان العز بن عبد السلام وغيرهم، هؤلاء أناروا لنا شعلة لنحملها على طريق المبادئ والدعوات، وكانت دماؤهم منارات للأجيال التي تريد أن تهتدي).
ولئن قتلوا أبا صهيب وإخوانه من المجاهدين فإن الأمة ما زالت تلد الأجيال المجاهدة جيلاً بعد جيل كل جيل منهم حياته هي نموذج للإسلام.
وإن ذلك الجبل الذي تضمخ بعبق الشهيد أبي صهيب وتناثرت قطرات دمائه على صخراته كحبات اللؤلؤ ستحكي للأجيال قصة بطل ينتمي إلى هذا الشعب المؤمن بربه ولم ترهبه قوة العدو المدجج بالوسائل القتالية والذي دعمته دول ما يسمى بحقوق الإنسان.
((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ))
حرر في 7-6-1434هـ.