الشهيد أبو حفص عمر بن حسن حمادي تقبله الله

 

 
الشهيد أبو حفص عمر بن حسن حمادي تقبله الله

 

بقلم: نور الدين العبيدي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد
الحديث عن بطولات وتضحيات هؤلاء الأبطال وصبرهم وثباتهم يبعث في نفوسنا الأمل، ويحرك في ضمائرنا الإحساس بالواجب.....
ومن أولئك الأبطال الشهيد أبو حفص عمر حمادة الحمصي تقبله الله في عداد الشهداء الأبرار.
أبو حفص شاب قصير القامة ذو بشرة غامقة في سمارها، بدوي من عشائر ريف حمص، عفيف يغض بصره عما لا يحل، صغير الحجم ربما يظنه من لا يعرفه طفلاً غير أنه كان جبلاً من الإيمان والتحدي، صاحب ثقافة شرعية جيدة، طيب بسيط، يمتاز بخفة دمه، ويتمتع بصفائه وإخلاصه وأدبه الجم.
الولادة والنشأة:
 في أوائل ثمانينيات ولد أبو حفص في أحضان أسرة كريمة في حي البياضة بحمص وعاش ونما فيها، وتعلم في مدارس حمص الأبية وانتسب لكلية الكيمياء في جامعتها التي كانت تسمى زرواً وبهتاناً جامعة البعث، ودرس فيها السنوات الثلاثة الأولى، وحال بينه وبين إتمام دراسته ظلم النظام الذي غيبه خلف القضبان في معتقلاته لأنه قال ربي الله.
نفذ نور الإيمان إلى قلبه وهو غض طري فتمكن منه واستقر، وكان يقوم بواجبه كأي مسلم ملتزم بدينه ومعظّم لحرمات ربه.
تعلق قلب أمه به كثيراً إذ كان أبو حفص باراً بوالديه يقوم على شأنهما ويخدمهما وينفق عليهما وعلى دراسته فقد كان يعمل أثناء العطلة على عربة صغيرة ويبيع عليها بعض الحوائج اليسيرة.
طلبه للعلم:
دأب أبو حفص على طلب العلم من خلال مطالعته للكتب وسماعه من طلاب العلم، وقد حرص على أن يدون كل ما يسمعه، واهتم بعلم مصطلح الحديث ودَرسه من كتاب الشيخ مناع القطان.
توجه أبو حفص الى حفظ الأحاديث النبوية وحفظ الكثير منها، وحفظ الأذكار المأثورة، واهتم بحفظ الشعر الإسلامي، وكان ينشده فقد كان صاحب صوت شجي جميل وكان يتغنى بترتيل القرآن، ومن الأناشيد التي كان يكثر من تردادها:
 
يا أمي أنت سقيتني      لبن التوحيد مع الفطرة
وغرست حنانك في قلبي      من أول رشقي للقطرة
 
اعتقاله:
ومن أجل التزامه الديني وتواصله مع بعض الشباب النشيطين في الدعوة ألقي القبض عليه من قبل المخابرات السورية في 1-10-2007م وزجت به في سجون النصيرية البعثية الحاقدة لأنه كان يقوم بتوزيع السيديات الدعوية والكتب الدعوية الإسلامية، وقد حكم عليه عدو الله فائز النوري خمس سنوات بتهمة الانتماء إلى جمعية تهدف إلى قلب نظام الحكم في سورية.
حياته في السجن:
لم يثن السجن من عزمه وإقباله على الله عز وجل ولم تحجبه ظلمات السجن عن نور الإيمان بل كان نموذجاً فريداً يمثّل الإنسان المؤمن بحق فقد صبر على قضاء الله عز وجل وكان يقوم من الليل ما شاء الله أن يقوم وواظب على صيام يومي الاثنين والخميس، وواظب على تحصيله العلمي والقراءة والبحث والتثبت ويتراجع عن الخطأ إن تبيّن له، ولازم دروس الشيخ بهاء الجغل التركي فرّج الله عنه، وكان من أصدقائه الشهيد عبد الباقي قطب تقبله الله الذي قُتل في مجزرة صيدنايا، وأخذ منه مبحث أمراض القلوب الذي كتبه عبد الباقي, واشتغل طيلة سجنه بالنشاط الدعوي والإقبال على كتاب الله عز وجل فقد أتم حفظه خلال فترة وجيزة وقد نظّم مع أحد إخوانه حلقة لتحفيظ القرآن الكريم فكانوا يرددونه بشكل جماعي، وكان له الشرف أن يؤم إخوانه في الصلوات الخمس يقرأ لهم بصوته الشجي ويحاكي بصوته أصوات أئمة الحرم الشريف، وكان يحفّظهم الأذكار المأثورة ويرشدهم وينصحهم ولقد قال لي أحد إخوانه: حضر إلي أبو حفص ذات مرة وصار ينصحني وتلا علي قوله تعالى ((مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) ثم قال: ينبغي أن يكون قلب المؤمن كالزجاجة كلما تغبرت ينبغي عليه أن يمسحها كي تبقى مضيئة, وكان يسليهم بفكاهته العذبة ومزاحه الطيب وبأناشيده الجميلة.
وكان وفياً مع إخوانه يقوم بحق الإخوة، ولم تكن الإخوة عنده مجرد شعارات ترفع بل كانت عنده سلوكاً نظّم له حياته، وذكر لي أحد طلاب العلم أنه جاء إليه ذات مرة أبو حفص فقال له: إني لأحبك في الله عز وجل وأنا أطلب منك أن تخصني بالدعاء, فقال له: وأنت كذلك ادع لي وخصني باسمي, ثم تفرقا بسبب الاستعصاء الذي حدث في سجن صيدنايا ونقل على إثره السجناء إلى سجن عدرا، وعندما أعيدوا إلى سجن صيدنايا قدّر الله أن يلتقي الأخوان بعد سنة من فراقهما فقال أبو حفص لأخيه الذي أوصاه بالدعاء: يا أخي من ذلك اليوم إلى يومنا هذا وأنا أخصك بالدعاء كما وعدت.
أصيب بمرض الربو وهو في السجن فعرض على الطبيب في المشفى وتبين من خلال الفحوصات الطبية أنه يعيش بكلية واحدة!، وكذلك قدّر الله عزّ وجل أن يموت أبوه وهو في سجون الظالمين وإن هذا لمن البلاء والله المستعان.
كرمه وشجاعته:
الشجاعة والكرم صفتان متلازمتان، وقد جمع بينهما شهيدنا فكان ينفق على إخوانه ويؤثرهم بطعامه وخاصة أيام الشح والمجاعة وقلة الطعام بعد حدث مجزرة صيدنايا، وبعد عودتهم من سجن عدرا، وكان يبتسم في وجوههم ولا تفارقه تلك البسمة الحانية حتى في أيام الشدة والضنك.
وأما عن شجاعته فكان شجاعاً قوياً كثير الملاسنة مع الشرطة العسكرية ولا يهابهم، ولا يعبأ بهم، وقد ظهرت منه عدة مواقف تدل على شجاعته وإقدامه فمنها على سبيل المثال:
كان يدخل السجان ويضرب المساجين ويخرج بعضهم للعقوبة، فكان عمر يتقدم إخوانه ليحمل عنهم العقوبة حتى أنه في إحدى المرات قد ألم به المرض ومع ذلك تقدم هذا الشجاع ليدفع عن إخوانه أذى المجرمين, وفي حدث استعصاء سجن صيدنايا 27-3-2008م قام السجناء بتكسير أبواب المهاجع والأجنحة، وقد تقدم بطلنا وحمل الباب مع الشباب وقد أصيب برأسه إصابة شديدة وبالرغم من صغر حجمه وحداثة سنه إلا أنه أبى أن يكون مع القاعدين, وقد أحبه إخوانه لشجاعته.
خروجه من السجن والتحاقه بركب الثورة والجهاد:
لم يهنأ أبو حفص برغد العيش بعد خروجه من السجن. وكيف له أن يهنأ وسورية تنحر من ساحلها إلى أقصى صحرائها ومن شمالها إلى جنوبها؟! فالتحق أبو حفص بمجموعة جهادية سلفية وهي مجموعة أبي العباس كي يثأر لدماء الشهداء والأطفال والشيوخ التي سالت وليأخذ لها بحقها.
كرامة الاستشهاد:
وقبيل استشهاده بساعات يسيرة سار بأهله إلى بلدة السلمية حفظاً لهم من قصف النظام ونيرانه ثم عاد إلى حي البياضة وقد اتصل به أحدهم فقال له أين أنت؟ فأنشد له على الهاتف: سوف نبقى هنا... كي يزول الألم... وبعد الاتصال بساعات يسيرة حدثت اشتباكات في حي البياضة فكان أبو حفص على موعد مع ربه ليلحق بإذن الله بركب الشهداء وليكون بين يدي خير البشر ولتسرح روحه في الجنان مع الصحب والأحباب، وقد قام المجرمون بحرق جثته وألقوه في الشارع وبقي في الشارع شهرين ولم يتمكن أحد من دفنه لوجود القناص المجرم.
فلله درك يا ابن الإسلام فقد عشت له ومن أجله ضحيت بنفسك ومن أجل دينك بذلت روحك ومن أجل عرضك وعقيدتك بذلت نفسك ولم تضح بدينك من أجل دنياك فأسأل الله عز وجل أن يجعلك الآن في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر.