الشعر العربي في وداع رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

و بعد

فهذه صفحات مشرقة بما حوت من بعض ما قيل في وداع رمضان في الشعر العربي

يستقبل المسلمون شهرهم المبارك بالبشر و الفرح و الابتهاج و الود و الترحيب و ما هي إلا ( أيام معدودات ) حتى نرى هذا الشهر الحبيب المبارك قد راح يقوض خيامه و يجمع متاعه مزمعا الرحيل

و يبادر المسلمون إليه مودعين تخنقهم العبرات يحفون به متمسكين بأذياله يرجونه البقاء و المكث أو التريث و التمهل وهم يبكون بعيون دامعة و قلوب واجفة

و إنهم في الحق إنما يبكون نادمين تقصيرهم و تفريطهم و عدم القيام بحقه و يندبون عدم اغتنام أويقاته الجميلة و سويعاته الميمونة و لياليه المباركة الشريفة

لا جرم انهم يبكون أنفسهم و لا يبكونه فهو عائد -- بإذن الله -- عام قابل و لكن هل سيجدهم حينما يعود أو أنهم قد رحلوا

رمضان سوف يعود ( إن شاء الله ) و لكن من يدري من سيحظى به

ومن هنا علا نحيب الباكين و ارتفع نشيج المودعين لهذا الموسم العظيم

يودعونه بألم و حرقة وأسى و شجن

و كما كثر شعر الاستقبال و الترحيب به فقد كثر شعر وداعه و النحيب على بعده و فراقه

و قد اتفقت مشاعر المسلمين في بكائه و معاناة ألم فراقه

و لا تزال أطياف هاتيك الصور الحزينة المؤثرة ماثلة في الأذهان حاضرة في نفوسنا و نحن أطفال صغار صور توديع رمضان

كانت مشاعر تختلط فيها الحسرة و الحزن مع مشاعر الفرح و الابتهاج

الحزن و الأسى لوداع رمضان و السعادة و الحبور لاقتراب العيد و استقباله

كنا نستبق غرفة المؤذن في الجامع لنشهده و هو يترنم بصوته العذب المطرب الحزين مع جوقته بالأناشيد الشجية في وداع رمضان

لم نكن نعي ما هموم الدنيا و لا نكبات الحياة و مصائبها بل نحن كما قال أمير الشعر و الشعراء :

خيلون من تبعات الحياة=على الأم يلقونها و الأب

حقا كنا نأسى لفراق رمضان و نحن أطفال كما نحن الآن لكننا كنا نمني أنفسنا بفرح العيد و بهجته و ملابس العيد وكعك العيد و حلوى العيد ( البيتية ) ( الكرابيج و الناطف و المعمول و أقراص بعجوة و الغريبة و رائحة البيت المتميزة من جراء ذلك

كانت المشاعر مختلطة في زحام ( الوقفات) و هي الأيام القلائل التي تسبق العيد و ازدحام الطرقات في الحي و ازدحام المساجد و المسلمون يصلون التراويح يهللون و يكبرون و يعجون بالتسبيح ( سبوح قدوس رب الملائكة و الروح اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك و بعفوك من عقوبتك و بك منك لا نحصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك)

و كذلك كانت الأسواق تعج بالحركة و كذلك الجلبة في البيوت

و الدنيا كلها تعج بالحركة البهيجة

النساء في المنازل لا يهدأن و الرجال في ذهاب و إياب

يستكملون الحوائج و اللوازم و الصغار يلهون فرحين مسرورين مستبشرين بحلول العيد

هكذا كانت الدنيا في أيام رمضان الأخيرة

المساجد عامرة و الدكاكين تضيق ببضائعها من كل صنف و لون

و مآذن المساجد تصدح بالأناشيد العذبة الشجية ( فودعوه ثم قولوا له يا شهرنا هذا منا عليك السلام

شهر الصيام قد عزم على الرحيل

و ما بقي لنا منه إلا القليل

فحسبنا الله و نعم الوكيل.. . .. . . )

و لم تغب هذه المشاعر الشجية الجياشة عن أذهان الشعراء فثارت قرائحهم معبرة عن هذه المواقف المؤثرة بشعر جم غزير جدا اجتزأت بعضه عن جله

فمنه الجزل الفصيح و منه ما هو دون ذلك و لكن صدق العاطفة و سمو المعنى يشفع له

أدعو الله تعالى ان يعيد علينا و على المسلمين أجمعين هذه الأيام المباركة الطاهرة بالخير و السعادة و العزة و التمكين و ألا يحرمنا أجر هذه الأوقات الفضيلة وبركتها

إنه سميع قريب مجيب الدعوات

و صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين و آخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين.

تحميل الملف