السلطان ملكشاه

تولى عرش السلاجقة بعد ألب أرسلان ابنُه ملكشاه، الذي عدَّه بعض المؤرخين المؤسسَ الحقيقي للإمبراطورية السلجوقية، حيث أثبت مقدرةً فائقةً في الحرب، ورغبةً نادرةً في الإصلاح والإعمار، وإدارة شؤون الدولة، فأقام العدل، ونشر الأمن والاستقرار في أرجاء دولته، واستطاع أن يقضي على خصومه في الملك، وأحيا مشروع أبيه ألب أرسلان، في العمل على تطهير بلاد الشام من الباطنية، وضم مصر إليها، والتوسع في الأراضي البيزنطية؛ فتوسعت رقعة الدولة السلجوقية في عهده، حتى وصلت من أقصى بلاد الترك، إلى أقصى بلاد اليمن، وخطب له من حدود الصين حتى آخر الشام، ولم يمتدَّ به العمر ليقضي على الإسماعيلية النزارية في بلاد قزوين وما حولها، رغم أنه قاتلهم مرارًا، كما سيأتي ذكره.

بموت ملكشاه عام: (485 هـ) انتهى العصر الذهبي للدولة السلجوقية، وبدأ عصر الانقسامات السياسية بين ورثة العرش على السلطة، "ولم تحل سنة: (489 ه) إلا وكانت دولة السلاجقة قد انقسمت إلى خمس دول هي: سلطنة سلاجقة إيران، وسلطنة سلاجقة خراسان، وسلطنة سلاجقة الشام (حلب ودمشق)، وسلطنة سلاجقة الروم"(*)، وقعت بينها حروب مدمرة، أتت على الأخضر واليابس، وكذا فقد دخل السلاجقة في نزاعات مع الخلافة العباسية نفسها، أدى كل ذلك إلى إضعافهم، وتشتت صفوفهم أمام عدوهم، وبخاصة الباطنيين منهم، ومن ثمَّ زوال دولتهم؛ مما أخلى الطريق أمام الحملة الصليبيَّة الأولى على بلاد الشام، عام (491 ه)، التي لم تجد مقاومةً تذكر، فحققت أهدافها بسبب تلك الانقسامات، وكان أعظمها: الاستيلاء على بيت المقدس، والمسجد الأقصى.

 

(*) ينظر: طقوش، محمد سهيل، تاريخ الحروب الصليبية حروب الفرنجة في المشرق (بيروت: دار النفائس، ط 1، 1432/2011) ص: 68.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين