الدولة الزنكية

     تمهيد: ما إن وطئت أقدام الصليبيين بلاد المسلمين؛ حتى هبَّ المسلمون بقيادة السلاجقة لقتالهم، وتطهير بلاد المسلمين من رجسهم، وبدأت المعارك الإسلامية ضد الصليبيين من أرض الجزيرة الفراتية، التي كانت أول من اكتوى بنارهم، وقد استطاع السلاجقة أن يحققوا عدة انتصارات على الصليبيين، كان من أعظمها معركة: (حرَّان، وهرقلة الأولى، وهرقلة الثانية، وساحة الدم)، وغيرها من المعارك؛ وظلَّ المسلمون يقاتلون الصليبيين بقيادة السلاجقة إلى أن ظهر على ساحة الجهاد: عماد الدين زنكي، وبظهوره بدأت مرحلة جديدة من مراحل الحروب الإسلامية الصليبيَّة.

عماد الدين زنكي

     تولى عماد الدين زنكي إمارة الموصل عام (521 هـ) وأدرك أنَّ الصليبيين يُريدون الاستيلاء على المنطقة كلِّها، وأن تواطؤ الباطنية معهم كان له أثرٌ كبيرٌ في تمكنهم من بلاد المسلمين، فوضع نصب عينيه تطهير بلاد الشام من رجسهم، وأخذ يعمل على ذلك، فنظَّم إمارته إداريًا وعسكريًا، وأسس جبهةً داخليةً متماسكةً؛ لتكون نواة دولة قوية تنهض بالأمة، وضم المدن والإمارات التي حوله إلى إمارته، وعمل على توعية المسلمين بخطر الباطنيين، ثم أخذ يُجابه الصليبيين عسكريًا.

     رأى عماد الدين أنَّ الصليبيين لـمَّا قدموا بلاد الشام أقاموا لهم أربع إماراتٍ، هي: الرها، وأنطاكيا، والقدس، وطرابلس، فعمل على تحرير الرها من الصليبيين، وكان له ذلك، ثم خاض معهم معارك عديدة، نتج عنها بعد سقوط الرها إرسالُ الصليبيين حملةً صليبيةً ثانية، لكنَّ المسلمين كانوا لها بالمرصاد، تصدوا لها وردُّوها، ففشلت الحملة الصليبيَّة الثانية، وزاد هذا النصرُ عمادَ الدين قوةً ومكانةً في أعين المسلمين، فعمل بعدها على توحيد الجبهة الإسلامية الداخلية وتقويتها، وكان من أعظم أعماله في ذلك نشر العلم، وتقريب العلماء؛ للتصدِّي للباطنية الذين توغلوا في بلاد الشام ومصر، والعراق والجزيرة العربية، الذين كان لهم الدور الأكبر في بقاء الصليبيين في بلاد المسلمين مدة طويلة، كما ذكر سابقًا.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين