الخُواري و

 

من علماء الشافعية في القرنين الخامس والسادس الهـجريين: الشيخ أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن أحمد الخُواري[1] البيهقي، إمام جامع نيسابور، المولود سنة (445)، والمتوفى في نيسابور يوم الخميس التاسع عشر من شعبان سنة (536هـ).

♦♦♦

 

وهو مِنْ شيوخ الإمام أبي سعد السمعاني (506-562هـ)، وقد لقيه في نيسابور، وسمِعَ منه الكثير، ومن ذلك:

• كتاب معرفة الآثار والسنن للبيهقي، في خمس مجلدات.

• فضائل الأوقات للبيهقي.

• مختصر السنن للبيهقي.

وقد ترجم له فقال: "إمامٌ، فاضلٌ، عارفٌ بالمذهب، مُفتٍ، مصيبٌ.

تفقَّه على الإمام أبي المعالي الجُويني وعلّق المذهبَ عليه، وبرع فيه، وكان سريعَ القلم، نسَخَ بخطه "المذهب الكبير" للجويني أكثر مِنْ عشرين مرة، وكان يكتبه ويبيعُه.

وكان سليمَ الجانب، سهلَ الأخلاق، متواضعاً، حسن السيرة، مكرماً".

ثم ذكَرَ أسماءَ شيوخه[2].

♦♦♦

 

والذي أريدُ الوقوفَ عنده هو عنايته بكتاب "المذهب الكبير" للجويني - والمقصودُ به: "نهاية المطلب في دراية المذهب"-[3] فأقول:

• طُبِعَ "نهاية المطلب" فجاء في "19" مجلداً -على نقصٍ فيه-، في "10203" صفحة، - مِنْ غير الفهارس الملحقة بكل مجلدٍ-، وقد كَتَبَ الخُواري أكثرَ مِنْ عشرين نسخة، فلو قلنا إنه كَتَبَ "21" نسخة، فيكون قد كَتَبَ ما يُعادِلُ "214263" صفحة!

وهذا يدلُّ على جلدٍ عجيبٍ، وصبرٍ غريبٍ.

 

• يبدو أنَّ عملَ الشيخ إماماً في جامع نيسابور جعله يتفرغُ لمثل هذه الأعمال. وفي هذا أسوةٌ للأئمة أنْ يستفيدوا من أوقات الفراغ الطويلة التي يُتيحها لهم عملُهم في إمامة المساجد.

 

• ونَسْخُهُ هذا الكتاب مِنْ كتبِ شيخه فيه برٌّ جميلٌ بالشيخ، ووفاءٌ له بنشر كتابهِ وإذاعتهِ في الناس.

وصحيحٌ أنه كان يستفيدُ عائداً مادياً إلا أنَّ الفائدة بتكثير نُسخ الكتاب وسيرورتهِ بين العلماء أعظمُ من فائدته الشخصية.

 

• إنَّ تمرُّسَه بهذا الكتاب ومعرفته به كان - والله أعلم - مِنْ وراءِ كونهِ "مُفتيا مصيباً" كما وصفه تلميذُهُ أبو سعد.

♦♦♦

 

وأنتقلُ بعد هذا إلى سؤالٍ مهمٍّ وهو: أين هذه النُسخُ بخط الخُواري التي هي أكثر من عشرين؟

إننا اليوم لا نعرف شيئاً منها.

وممّا يُذكرُ - بأسفٍ- أنَّ محقق كتاب "نهاية المطلب" العلامة الأستاذ عبد العظيم الديب -رحمه الله- لم يجدْ نسخةً واحدةً كاملةً مِنْ هذا الكتاب، وإنما وَجَدَ أجزاء متفرقة مِنْ نُسخٍ متعددةٍ بلغتْ ثلاثاً وعشرين نسخة، منها ما وَجَدَ منها جزءاً واحداً وهو معظمُها، وأكثر ما وَجَدَ مِنْ نسخة واحدة هو عشرة أجزاء[4].

 

وأقدمُ هذه النُّسخ مكتوب سنة (562)، وهي النسخة التاسعة عشرة، ثم سنة (565)، ثم (606)، ثم (622)، ثم (626)، ثم (633)، ثم (666)، ثم (674)، ثم (بحدود سنة 710)، ثم (714)، ثم (1330)[5].

 

وباقي النسخ لم يُحددُ فيها التاريخ، ولكنها من القرن السادس، والسابع. وهذه النُّسخ من مكتبات مصر: (القاهرة، الإسكندرية، سوهاج)، وسورية: (دمشق، حلب) واليمن، وفلسطين، وتركيا[6].

إنَّ عدم العثور على نسخة كاملة من هذا الكتاب، وعدمَ العثور على نسخةٍ أو أجزاء من نُسخة بخط الخُواري يُبيِّن مدى المصائب والنكبات التي حلت بهذا التراث المجيد.

وعسى أنْ تكشف الأيامُ عن نسخ أخرى من هذا الكتاب الكبير؛ ليُسدَّ النقصُ، ويزول الغموض المتبقي في عددٍ من المواضع[7].

 

--------------------------------------------

[1] نسبة إلى خُوار: بلدة من أعمال بيهق.

[2] انظر: المنتخب من معجم شيوخ السمعاني (2/1034-1037)، تحقيق الأستاذ الدكتور موفق عبد الله عبد القادر.

[3] انظر مقدمات تحقيق "نهاية المطلب" ص 235.

[4] وما زال في الكتاب نقصٌ. انظر قولَ المحقق في المقدمات ص379.

[5] ظهر مِنْ ترتيبي لسنوات نسخ الكتاب الوقتُ الذي كان فيه هذا الكتاب متداولاً، ثم تراجعَ تداولُه، و انظر المسافة الزمنية من سنة (714) إلى سنة (1330)!

[6] انظر التفصيل في مقدمات تحقيق "نهاية المطلب" ص377-401.

[7] تُنظر هذه المواضع في آخر كل مجلد من مجلدات الكتاب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين