الخطاب الإسلامي ودوره في تأصيل الوسطية ومناهضة الغلو

التقديم للبحث:

تُعدُّ ظاهرة التطرف الفكري واحدة من أبرز المشكلات والتحديات الفكرية التي تواجهها الأمة ويواجهها العالم، وخاصة حين ينتقل هذا التطرف من الفكر إلى السلوك والممارسة من خلال استخدام العنف والقتل والاعتداء على المخالف الفكري أو الديني.

وهذه الظاهرة وإن كانت ليست بالجديدة في التاريخ الإنساني، فموجات التطرف والعنف ما تكاد تتوقف حتى تظهر من جديد مرتدية أثواباً ومسميات جديدة، كما أنها لا يمكن أن تنسب إلى أهل دينٍ واحدٍ أو فكرٍ واحدٍ، إلا أنها أخذت زخماً أكبر في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الأمة والإنسانية، سيما مع الفضاءات الإعلامية المفتوحة والتقارب بين الأمم والشعوب مما يجعل انتقال الأفكار والأخبار وتدوالها وتدويلها أمراً سهلاً وسريعاً.

 ولقد شهد العالم عموماً وأوروبا خصوصاً في السنوات الأخيرة مجموعة من الأعمال الإرهابية كما حصل في (تركيا، فرنسا، ألمانيا بلجيكا، لبنان، باكستان وغيرها) وقد أساءت هذه الأعمال إلى الإسلام وتسببت في حرجٍ كبير للمسلمين المقيمين في الغرب، خاصة مع استغلال بعض من يضيقون بهذا الوجود، لهذه الأعمال الشاذة – التي يتبرأُ منها ويستنكرها عموم المسلمين مؤسساتٍ وأفراداً قبل غيرهم- لتشويه صورة الوجود الإسلامي في الغرب، والذي حقق نجاحات كبيرة في مسيرة الاندماج الإيجابي والإسهام الحضاري في هذه القارة التي صار المسلمون جزءًا لا يتجزأُ منها ومكوناً أساسياً من مكوناتها الاجتماعية والدينية.

وبغض النظر عن التضخيم والاستغلال الإعلامي والسياسي لمثل هذه الأحداث من أجل مصالح سياسية أو انتخابية، أو من أجل زيادة التضييق على المسلمين سواءً كأقليات دينية أو كحكومات، وبغض النظر أيضاً عن مدى استخدام  وتوظيف هذه المنظمات الإرهابية المنتسبة زوراً إلى الإسلام من خلال ترك بعض المساحة لها وعن الشكوك حول جدية الرغبة في القضاء عليها ومن يقف وراء ذلك بشكل أو بآخر كما تقول بعض التحليلات، إلا أن هذا لا يمنعنا من الاعتراف بأن هذا الفكر المتطرف العدواني موجود بالفعل وبقناعات ودوافع دينية وله وجود في عدد من الدول الإسلامية والغربية وإن كانت قليلة.

إنه لمن السذاجة والمغالطة أن نرمي بالمسؤلية الكاملة على نظرية التآمر التي تحاك ضد الإسلام، أو أن نكتفي بتبرير مثل هذه الأفكار المتطرفة على أساس أنها مجرد ردات فعل لما يجري في سوريا والعراق وأفغانستان وما جرى ويجري في فلسطين وميانمار وأفريقيا الوسطى وإن كان ذلك لا يمكن استبعاده بالكلية أيضاً ضمن خارطة الأسباب والعوامل، مضافاً إليه الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي.

إن الاكتفاء برمي المسؤلية عن نشأة مثل هذه الأفكار المتطرفة على أنها مجرد ردات فعل لقضايا عادلة يعد هروباً من مواجهة الحقيقة والواقع.

وإن أكثر المتضررين من نار الإرهاب والتطرف هم المسلمون أنفسهم، فمعظم أعمال العنف وقعت وتقع في البلاد الإسلامية نفسها، بل لقد راح ضمن ضحاياها علماء دين مسلمون ودعاة ومصلحون في العراق وسوريا واليمن وغيرها.

هذا كله يستدعي مزيداً من الجهود للوقوف بصرامةٍ أمام هذا الفكر الذي يهدد البشرية ويسيئ إلى الإسلام والإنسان على حد سواء.

وفي هذا الإطار وإسهاماً في معالجة هذا التحدي وهذه المشكلة الكبرى يأتي هذا البحث  الذي يتناول عنوان – الخطاب الإسلامي ودوره في تأصيل الوسطية ومناهضة الغلو–  ضمن مواضيع وأبحاث الدورة العادية السادسة والعشرين للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقدة بمدينة إستانبول في تركيا في الفترة من: 3-7 محرم 1438هـ الموافق لـ 4-8 تشرين الأول (أكتوبر) 2016م، والتي حملت واحداً من أهم العناوين: “منهج الإسلام في إقرار السلام والأمان ودفع الظلم والعدوان “ والذي يحاول المجلس من خلاله الإسهام في معالجة هذه الظاهرة وإبراز رسالة الإسلام كرسالة سلام شاملة.

إن المسؤلية على الأئمة والدعاة والمؤسسات الإسلامية في الغرب لتتضاعف بحجم تضاعف الوجود الإسلامي الذي صار جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الأوروبي، وبحجم التحديات الناتجة عن انتشار مثل هذه الأفكار المتطرفة والتي أضحت مصدر قلقٍ وخوفٍ، حتى أصبح بعض العامة يتساءل عقب كل عملية عنف: ترى أين ستكون المحطة القادمة للإرهاب؟

وينبغي علينا هنا أن نعترف بأن الخطاب الإسلامي عموماً وفي الغرب على وجه الخصوص لا زال بحاجة إلى الكثير من المراجعات والنقد المنهجي الجريء، وبحاجة إلى تحديث وتطوير مستمر في الوسائل والمضامين والمفردات والإهتمامات، سواء كان ذلك الخطاب موجهاً إلى المسلمين في المراكز والمساجد والملتقيات الخاصة بالمسلمين، أو موجهاً للرأي العام.

وقد جاء البحث في مبحثين:

المبحث الأول: بيان المصطلحات (الخطاب الإسلامي- الوسطية – الغلو- التطرف)

المبحث الثاني: دور الخطاب الإسلامي في تأصيل الوسطية ومناهضة الغلو 

 

تحميل الملف