الحلقة التاسعة من الحوار مع فضيلة الشيخ محمود ميرة

في هذه الحلقة التاسعة في الحوار مع فضيلة الشيخ محمود ميرة حفظه الله تعالى يحدثنا فيها عن مرحلة تدريسه في حلب في مدرسة الغزالي التي كانت تجربة من أنفع التجارب في ميدان العلم والتربية والدعوة ، ثم عن انتقاله للتدريس في ثانوية حارم ، ثم انتقاله إلى التدريس في ثانوية دارة عزة ، ثم دعوته للعمل في الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة .

_ الآن انتهينا من الشام وأهم شيء فيها ، ورجعنا إلى حلب وكنتم تُدَرِّسون في الغزالي وفي العلمية وفي الإعدادية وفي معهد العلوم الشرعية ؟.

_ من كان معكم من الأساتذة في مدرسة الغزالي ؟

الأساتذة: عبد الرحمن عُطْبَة، وعبد الرحمن حمود، والغوري، والأستاذ عبد الحميد الأصيل،وشيخنا الشيخ عبد الفتاح، والأستاذ إبراهيم يسّوف وغيرهم.

_ كنتم تَدْرُسون في كلية الشريعة وتركتم الدوام فيها بطلب من الشيخ عبد الفتاح ودرستم بالانتساب وتخرجتم ؛ في أي عام تخرَّجتم ؟

_ تخرجت في عام 1960 م ، ثم تابعت الدراسة في كلية التربية ونجحت سنتها وحزت على شهادة دبلوم التربية.

_ وماذا بقيتم تدرسون هنا ؟

_ بعد الانتهاء من دراستي اقتصرت في التدريس على ثانوية الغزالي فقط لأسباب منها: أنني لو ذهبت للتوظيف في المعارف سيوظفونني في القرى النائية بعيداً عن حلب، وثانياً: كان راتبي في حلب ضعف الراتب الذي سآخذه في توظيفي في المعارف، وهناك أمور ثانوية أخرى.

_ كم عاماً بقيتم في ثانوية الغزالي ؟

بقيتُ مدرساً فيها من عام 1957 إلى عام 1962 م إلى يوم استيلاء الدولة عليها فتفرَّق مدرسوها وأنا واحد منهم، وتقدَّمت لوزارة المعارف وأُجريت لي المقابلة ونجحت وعُيّنت في محافظة إدلب، فاختارتني إدارة التعليم في إدلب مديراً لثانوية الدانا، وداومت في الإدارة لمدة شهرين، ثم طلبت نقلي إلى مدرسة أخرى، فنقلت إلى ثانوية حارم. وقد استرحت فيها كثيراً لأن البلد تناسبني، فهي دافئة في الشتاء لا تحتاج لإشعال موقد، وفيها فواكه وخضار. وفيها بساتين من أجمل بساتين الدنيا، أينما التفت ترى البلابل تغرد ، وهي واحة وجنة، فاستأجرت بيتاً فيها قريباً من المدرسة، فكنت أصلي الفجر في الجامع ثم أخرج إلى جولة في بساتينها أسمع تغريد البلابل على الأشجار ولم أسمع حقيقة تغريد البلابل على طبيعته إلا في هذه البلدة.

_ كم عاماً بقيتم في حارم ؟

بقيت في حارم من عام 1962 إلى عام 1964 ، وكنت أقوم بتدريس الطلاب بعد الدوام متبرعاً لوجه الله ، كنت أدرسهم دروساً في اللغة العربية، فحضر عندي في يوم من الأيام وزير التربية، وكان الوزير آنذاك هو: الدكتورمصطفى الحداد، وهو من قرية (سلقين) وهي ملاصقة لمدينة حارم تبعد عنها قرابة ثلاثة أكيال، وقال بعدها لي: أهل قرية حارم يمدحونك ويثنون عليك، وأنا فعلاً جئت أتأكد، فوجدت كلامهم صحيحاً ، وأنت إذا احتجت شيئاً فهذا رقم هاتفي فاتصل بي، وإذا كان لك مطالب فأنا مستعدّ لمساعدتك، فقلت له: لي مطلبٌ وحيد وهو أن تنقلني إلى حلب ، فقال لي : أنا فرحٌ بوجودك هنا، وقد استفاد أهل البلد منك، ومع ذلك سَأُلبِّي لك الطلب، وفعلاً لبـى رغبتي ونقلني إلى مديرية حلب، وكان مدير الذاتية في حلب الأستاذ أحمد جمعة فوجَّهني إلى ثانوية قرية (دارة عزة)، وذهبت إليها مدرساً أولاً ثم مديراً لها. فقلت له: ياأستاذ نقلت إلى حلب لأستقرَّ بقرب عائلتي وأولادي، فقال: والله ما عندنا في حلب شواغر، و(دارة عزة) أفضل لك من حلب، وفرح أهلها عندما علموا أني من حلب من حي الكلاسة، والكلاسة تضمُّ كثيراً من العوائل التي انتقلت من (دارة عزة) إليها فأكرموني واحترموني، ودرّست عندهم في أواسط عام 1963 و1964، ففي عام 1964

كان مدير المدرسة الأستاذ نصّار كسّاب، وكان مهملاً، ونقل بعد جولة تفتيشية لمََسَتْ تقصيره فنقلوه مدرساً وعُينت بدلاً عنه مديراً لثانوية دارة عزة، وكنت أجمع بين الإدارة وتدريس مادتي التربية الإسلامية واللغة العربية.

ثم في مطلع عام 1965/1966م الدراسي تعاقدت مع السعودية مدرساً في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ولهذا قصة طويلة مفصلة تحتاج إلى شرح وتفصيل واختصارها أن الجو التدريسي اضْطَرب وخشيَ الوالد عليّ بعد امتناعه عن الموافقة على سفري إلى السعودية قبل عام. لكن الوالد في هذا العام سمح لي فقال: اذهب إلى السعودية، وتأخَّر مندوب الجامعة الإسلامية وزارني في (دارة عزة)، وجاء بصحبته ابن عمتي: مصطفى عنجريني رحمه الله ، وكان مندوب الجامعة وقتئذ الشيخ محمد صالح المزروع ، فجاء وقال لي: جئتُ أتعاقد معك بناءاً على وعدك في السنة الماضية ، فقلت له : إذا وافق الوالد فليس لدي مانع، فقال لي : اركب في سيارتي، فنزلت برفقته إلى حلب، ثم توجهنا إلى بيتنا ووصلناه بعد المغرب، فاستغرب الوالد قدومي في هذا الوقت المفاجئ لأن عادتي كانت أن أعود إلى البيت مساء يوم الثلاثاء، فقال: خيراً إن شاء الله، فقصصت عليه القصة، فقال لي: توكّل على الله، فقلت له: الأولاد أحمد ومحمد داوما في المدرسة وهما يحضِّران لنيل درجة الإعدادية والإبتدائية، فقال الوالد: أنا أبقى وأمك معهما وفي نهاية السنة آتي بهما إلى المدينة، وتمَّ هذا فعلاً. واذهب أنت وخُذْ معك زوجك وأولادك الخمسة، فأخذتُ معي أولادي الخمسة، وقلتُ للمندوب : يجب أن نأخذ الإذن من وزارة المعارف. قال: أنهيت أنا ذلك وذلَّلتُ لك الأمر، وقال: تعجّبت أنا من موافقة وزير المعارف على اسمك، وقال لي: أنا تقدَّمت بكثير من الأسماء فلم يسمح الوزير لغيرك، فقلت له: وزير المعارف كان قد زارني من قبل في حارم وقد وعدني بالمساعدة بعد معرفته بي لذلك سمح لي.

سافرت إلى السعودية بعد ثلاثة أيام، والشيخ المزروع أثابه الله كان مندوب الجامعة الإسلامية ، وكان قد أخذ مني جوازي وأمَّن لي كل راحتي.

وفي مساء يوم الأربعاء وصلت المدينة المنورة في المملكة، فاستقبلني في المملكة الشيخ الدكتور محمود الطحان حفظه الله تعالى، وكان قد جاء إلى المملكة قبلي بسنة هو والشيخ الدكتور نور الدين عتر، وأنا كنت لا أعرف الشيخ نور الدين من قبل إلا معرفة خفيفة، فلقد التقيت به في الكلية الشرعية يوم بيعت كتب الشيخ الجبريني مُفرَّقة في باحة الكلية.

_ هل درسكم الشيخ الجبريني ؟

_ لا ، لم يدرسنا، لكنه كان أستاذاً في الشرعيَّة رحمه الله ، فلما باعوا كتبه في الكلية الشرعية كان الشـيخ نور الدين موجوداً واشترى بعض كتبه، وبعض الكتب كنا لا نشتريها لأننا لم يكن معنا ثمنها، وكنا نعلم أنها مفيدة لكن لا نملك الثمن، والشيخ نور الدين كان مليئاً واشترى كمية كبيرة من الكتب من مكتبة الجبريني فعرفته من ذاك الوقت، وتوثَّقت الصلة به في المدينة المنورة، والشيخ نور الدين جاء في السنة التي سرحوا فيها الشيخ الألباني من المملكة، والشيخ ناجي عجم جاء بعدنا، وتعيّن في الجامعة معنا، وكان يُدرِّس في المعهد الثانوي مادة الفرائض، وبقي في المعهد إلى أن حصل على الدكتوراة من مصر، فانتقل بعد ذلك للتدريس في جامعة الملك عبد العزيز بجدة.

_ والآن وصلنا إلى حلقة المدينة وسنتابع اللقاء فيما بعد عن ذكريات المدينة وعن الدكتوراه في مصر لننتقل بعدها إلى قضايا علمية نسألكم عنها.

ونحن اليوم في يوم الثلاثاء 16 / صفر الخير / 1428 هـ في بيت فضيلة الشيخ الدكتور محمود ميرة في حيِّ الريَّان في الرياض مع الأخ عبد الرحمن حجار، والأخ أسامة بن أحمد بن محمد بشير الحداد الحلبي .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

وإلى الحلقات القادمة التي يحدثنا فيها الشيخ عن حصوله على الدكتوراة وتدريسه في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ثم انتقاله إلى الرياض وعن أهم مشاريعه العلمية حفظه الله تعالى وأمد في عمره ونفع به .

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين