الحكمة من عدم ذكر مَنْ قبل نوح

نص الاستشارة :

قال الله تعالى: [إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ] {النساء:163}. فلماذا لم يذكر الذين من قبل نوح؟

الاجابة

قال العيني في (العمدة) 1/16: فإن قلت: لم خصَّص نوحاً عليه السلام ولم يذكر آدم عليه السلام مع أنه أول المرسلين؟

قلت: أجاب عنه بعض الشرَّاح بجوابين: الأول أنه أول مشرِّع (عند بعض العلماء). والثاني: أنه أول نبيٍّ عوقب قومه، فخصَّصه تهديداً لقوم محمد صلى الله عليه وسلم، وفيهما نظر.

أما الأول فلا نُسلِّم أنه أول مشرِّع، بل أول مشرِّع هو آدم عليه السلام، ثم قام بالأمر بعده شيت عليه السلام، وكان نبياً مرسلاً، وبعده إدريس عليه السلام.

وأما الثاني: فشيت هو أول من عُذِّب قومه بالقتل.

 والذي يظهر لي من الجواب الشافي: أن نوحاً عليه السلام هو الأب الثاني، وجميع أهل الأرض من أولاده، لقوله تعالى:[وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ البَاقِينَ] {الصَّفات:77}.انتهى كلام العيني باختصار.

نقول: إنَّ الذي اختاره العيني فيه نظر أيضاً، لأنَّ كَوْنَ نوح هو الأب الثاني لا يدل على أنَّ من قبله لم يوح إليهم بشيء، والذي يظهر لنا ـ والله أعلم ـ أن الذي بقي عند الناس بعد الطوفان إنما هو شرع نوح فقط، وفي ضمن ذلك أوحى الله تعالى  إليه من الشرع الذي أنزل من قبله، فإنَّ ذلك وصل الناس عن طريق نوح عليه السلام، ولهذا خُصِّص من دون من كان قبله بقوله تعالى: [شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ] {الشُّورى:13}.

ومن جهة أخرى نقول: ليس المراد بالآية المذكورة في السؤال وجوب الإيمان بما أنزل على نوح ومن بعده دون من كان قبله، فإنَّ الإيمان بالجميع أمر ثابت. قال تعالى:[وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ] {البقرة:4}.وهذا عام فيما أنزل على نوح ومن بعده، وفيما أنزل على من كان قبله.

والظاهر من قوله تعالى:(كما أوحينا إلى نوح) التشبيه، أي: تشبيه الوحي إلى  نبينا عليه السلام بالوحي إلى نوح ومن بعده، و نحن نعلم أنَّ الوحي لم يكن مرة واحدة، فقد أخبرنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ الوحي يأتيه أحياناً يتمثَّل الملك رجلاً فيكلمه،وأحياناً يأتيه  كَصَلْصَلَة الجرس، و على كلٍّ فالله أعلم بما أراد.

الشيخ عبد الكريم الدبان ـ مجلة التربية الإسلامية بغداد ـ العدد 7 من السنة 22: (1400-1979)


التعليقات