الحرية هي البوصلة



في أجواء الربيع العربي والثورات تتداخل الآراء والاجندات... وعلينا أن نعترف منذ البداية أن اختلاف الآراء أمر طبيعي ومسوغ ولكن علينا أن نقر جميعا بأن الكلمة الأخيرة يجب أن تكون للشعب، فهو الذي يختار ممثليه ويختار من التشريعات وفقا لمبادئه ومعتقداته ومصالحه وبرأي الاكثرية عندما تتعدد الآراء وبمراعاة الحرية والكرامة والعدالة والمساواة، ولا يسمح لأي كان أن يفرض نفسه على الشعب خارج صناديق الاقتراع مهما بلغ من تضحياته وسابقته الجهادية والثورية...
اليوم هناك اختلال كبير في المعايير، وتداخل كبير في الرايات... ففي الساحة سنة وشيعة، وعرب وفرس، وايران وخليج، ومستبدون ومقهورون...
هل حربنا سنية ضد الشيعة؟ أم عربية ضد الفرس؟ أم خليجية ضد ايران؟ أم ثورة حرية ضد المستبدين؟...
لا شك أن ثورتنا هي ثورة حرية وكرامة ضد المستبدين الفاسدين قبل كل شيء ...
ولو ساهم الشيعة في قتلنا في هذه المعركة فنحن نقاتلهم لانهم معتدون وليس لانهم شيعة...
ولوساهم الفرس في قتلنا فنحن ندفع عن أنفسنا ليس لأنهم فرس بل لأنهم معتدون أو يساندون المعتدين...
ولو ساهمت ايران في دعم قاتلينا لا نعادي الايرانيين بل نتصدى للسلطة الايرانية المعتدية علينا فهناك الملايين في ايران لا يقبلون الظلم مثلنا ويشكون من ظلم السلطة الايرانية كما نشكو...
لو ساعدتنا اميركا واوروبا والخليج ودول صديقة كثيرة مساعدات قليلة أو كثيرة نشكر لهم مساعدتهم ونطالبهم بالمزيد ولا نتدخل في شؤونهم الداخلية، وليس شكرنا لهم "كرتا اخضرا" للمارساتهم في بلدانهم ولا للممارساتهم في قضايا اخرى كثيرة غير قضيتنا، فاولويتنا قضيتنا حتى نتحرر، ومواقفنا بعد ذلك ترسمها الحكومة الشرعية المنتخبة، ولكل زمان دولة ورجال...
لو قاتلَنا الشيعةُ لاننا سنة نرد عدوانهم ليسوا لانهم شيعة بل لانهم معتدون... لو قاتلَنا الفرسُ لاننا عربا نرد هجومهم ليس لانهم فرس بل لانهم معتدون... الشيعة والفرس والحوثيون والعلويون وحزب الله شركاؤنا في الأوطان علينا أن نتعايش معهم بحقوق وواجبات متساوية لا علاقة لها بكفرهم وايمانهم او بكفرنا وايماننا، مشكلتنا معهم هي قيام بعضهم أو كلهم بالعدوان والاستبداد والفساد...
عائلة الاسد العلوية اعتدت على الحياة السياسية في سورية ومارست الاستبداد والفساد والتوريث عقودا طويلة مستعينة بقطاع كبير من الطائفة العلوية للسيطرة على الجيش والامن والمرافق العامة... وكان من واجب هذا القطاع الكبير أن يربأ بنفسه أن يكون القاعدة الاساسية في ترسيخ هذا النظام الطائفي المجرم... ولازالت أمامه فرصة ذهبية ليصلح ما أفسد ولينحاز الى الوطن والشعب ويتخلى عن منظومة الاستبداد والفساد، ومشكلتنا مع ذلك ليست مع الطائفة العلوية بل مع عائلة أسد المستبدة والقطاع العلوي الكبير الذي سخرته لتحقيق مآربها ظلما وفسادها...
الحوثيون استخدموا السلاح والقوة ليس لينشروا الحرية والديمقراطية بل ليسطروا بانفسهم على اليمن وليطردوا حكومة جاءت نتاج الثورة على علاتها...
حزب الله استخدم السلاح الذي زعم انه معد لمحاربة العدو الصهيوني لاحتلال بيروت واخضاع السلطة المنتخبة لابتزازاته وتعطيلاته... ثم ساهم في دعم عصابة أسد بعد أن تخلخلت، وساهم بقتل الشعب السوري تارة باسم الدفاع عن نفسه وتارة باسم حماية العتبات المقدسة وتارة باسم الممانعة!!! ...
العامل المشترك في الصراعات حولنا هو طرف معتدي يحاول سرقة الحرية ونشر الاستبداد والفساد وطرف ينافح لنيل حريته وكرامته... واطراف خارجية تساهم في الصراع باجندات ومصالح تتقاطع مرة مع الحرية ومرات مع الاستبداد... خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، لا ندخل في نياتهم ونأخذ منهم ما ينفعنا ونتجاوز عما لا يناسبنا...
عندما تضع الحرب اوزارها ستدرك ايران حجم الخطأ الكبير الذي تسببت به في مباشرة العدوان وعون المعتدين ومحاولة تصدير ثورتها ومبادئها بالقوة... إنه خطأ استراتيجي لثورة زعمت أنها جاءت من أجل الحرية والكرامة فلم تترك ظالما مواليا لها الا وسارت في ركابه وشاركت في ظلمه وباطله، والظلم لا يبقى وعاقبته وخيمة...
والحديث عن اسلوب ايران في نشر نسختها من الاسلام الثيوقراطي بالقوة يقودنا للحديث عن داعش وأمثالها التي تطمح لاستخدام نسخة اخرى من الفهم المتطرف تطبقه بالقوة، وقد يكون هناك اتجاهات اخرى قومية او عشائرية تسعى ايضا بعد النصر للحكم بالقوة... نحن لسنا ضد الاتجاهات السياسية المتنوعة على اختلافها ولكننا ضد سعيها للحكم بالقوة... نهج استخدام القوة هذا مرفوض من أي جهة كانت، فبعد نجاح الثورة وعبور مرحلة انتقالية تقدر بقدرها، تكون الكلمة للشعب وللمؤسسات المدنية وليست للمتغلبين مقاتلين كانوا أو سياسيين، فطعم الظلم مرفوض جملة وتفصيلا، وقد يكون ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من طعم الحسام المهند...

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين