الحروب الصليبية

الحروب الصليبيَّة

(488 – 690 هـ/ 1096 – 1291 م)

د. عبد المعين الطلفاح

 

تاريخ الحروب الصليبية

يعتقد الكثير من المسلمين أن تاريخ الحروب الصليبيَّة بدأ منذ نهاية القرن الخامس الهجري، وانتهى نهاية القرن السابع الهجري، أي طيلة (200) سنة فقط، وهي مرحلة الحملات الصليبيَّة التي جاءت من أوربا الغربية، وهذا اعتقاد خاطئ، بل إن هذه الـ (200) سنة ما هي إلَّا مرحلة من مراحل الحروب الصليبيَّة، التي كان لها سببها(1)، "استمرت هذه الحروب الشرسة فترة الخلافة العباسية ودولة السلاجقة، وكذلك الدولة الزنكية، فالأيوبية، فدولة المماليك، وانتهت بطرد الصليبيين الغربيين، وعودة الأراضي الإسلامية للمسلمين"(2).

الحروب الصليبيَّة بين المسلمين والنصارى بدأتْ منذ ظهور الإسلام، ومرَّت بمراحل مختلفة، وأشكال متنوعة مستمرة، وما تزال حتى هذا العصر، وقد كان أول احتكاك مباشر وحقيقي بين المسلمين والصليبيين عندما خرج المسلمون من الجزيرة العربية(3)، زمن الخليفة الراشد، أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عام (13 هـ) لنشر الإسلام -كما مرَّ سابقًا- وكان على رأس من خرج إلى الشام: أبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، وخالد بن الوليد، وغيرهم، رضي الله عنهم أجمعين، وكانت معركة اليرموك العظمى بقيادة خالد بن الوليد، التي انتصر فيها المسلمون انتصارًا عظيمًا، وانتشر بعدها الإسلام في بلاد الشام كلها، وفي شمال بلاد الشام كانت ثغور رباط الدولة الأموية فيما بعد، الذين حاولوا مرارًا فتح القسطنطينية، ولم يُكتب لهم ذلك، وبقيت دولة الروم قويةً في آسيا الصغرى، وبقيت الحروب مستمرة بينهم زمن الأمويين والعباسيين.

ثم لـمَّا بلغت الدولة العباسيَّة من الضعف ما بلغت، وتمكن منها البويهيون، وأقدموا على أسر الخليفة العباسي، ووضعوه تحت الإقامة الجبرية، ولقي المسلمون منهم في بغداد وما حولها ظلمًا واضطهادًا كبيرًا؛ جاء السلاجقة من بلاد قزوين وما حولها؛ فوحدوا تلك البلاد، وجمعوا أهلها على الإسلام، ثم توجَّهوا غربًا إلى بغداد، وأعادوا للخلافة الإسلامية مكانتها، وخلَّصوا بغداد من البويهيين الشيعة، ثم تفرغوا بعدها لقتال الروم البيزنطيين؛ فخاضوا معهم معركة عظيمة في تاريخ الإسلام، بل حتى في تاريخ النصارى، معركة غيَّرتْ موازين القوى في المشرق النصراني كله، عرفت بمعركة: (ملاذ كرد) عام: (463 ه)؛ ضعف النصارى بعدها عن قتال المسلمين في المشرق، فاستنجدوا بنصارى الغرب، فأنجدهم بابا الفاتيكان بحملة صليبيَّة عظيمة(4)؛ ومن هنا بدأتْ الحملات الصليبيَّة تأتي من أوروبا الغربية، واستمرت طيلة (200) سنة، وكانت تلك الاستغاثة من أبرز أسباب قيام الحروب الصليبية.

 

هوامش:

(1) ينظر لمعرفة أسباب الحروب الصليبية ودوافعها بشيء من التفصيل: طقوش، تاريخ الحروب الصليبية، مصدر سابق، ص: 33، وينظر: السرجاني، راغب السرجاني، قصة الحروب الصليبية من البداية إلى عهد عماد الدين زنكي (القاهرة: مؤسسة اقرأ، ط 2، 2009) ص: 60، وينظر: قاسم، قاسم عبده، ماهية الحروب الصليبية (الكويت، إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1990) ص: 47، وينظر: المطوي، محمد العروسي، تاريخ الحروب الصليبية في المشرق والمغرب (القيروان: دار الغرب الإسلامي، د. ط، 1982) ص: 29.

(2) ينظر: السرجاني، قصة الحروب الصليبية، مصدر سابق، ص: 21.

(3) وقد سبقه احتكاك زمن النبي صلى الله عليه وسلم، في معركة مؤتة وغيرها، كان أشبه بمقدمات وإرهاصات للاحتكاك الحقيقي زمن الصديق رضي الله عنه وما تلاه.

(4) سبق الحديث عن تلك المرحلة في قسم: دولة السلاجقة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين