الحاجة فلاح بنت الشيخ محمد ظافر المراد (أم أيمن)

الحاجة فلاح بنت الشيخ محمد ظافر المراد ( أم أيمن )

زوجة الشيخ الشهيد محمد بشير المراد مفتي حماة

7 / شوال / 1354هـ - 21 / جمادى الأولى / 1443هـ

1 / 1 / 1936م – 25 / 12 / 2021 م

 

بقلم ولدها : الدكتور محمد ميسر ابن الشيخ محمد بشير المراد

 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .  وبعد:

كان يقال: إنَّ كثرة الدموع وقلَّتَها على قدر احتراق القلب، حتى إذا احترقَ القلب كلُّه لم يشأ الحزينُ أن يبكي إلا بكى، والقليلُ من التذكرة يُحزنه.

وسأل رجلٌ عابداً: ما بال الحزين يجيبُه قلبُه إذا شاء، وتهطُلُ عيناه عند كل حركة؟ فقال أُخبركَ عن ذلك رحمك الله: إنَّ الحزينَ بدا به الحزن، فجَالَ في بَدَنه، فأعطى كلَّ عضوٍ بقِسْطِه، ثم رجعَ إلى القلب والرأس فسَكَنَهم، فمتى جرى القلبُ بشيءٍ تجري فهاجتِ الحُرْقةُ صاعدةً، فاستثارت الدموع من شؤون الرأس حتى تُسْلِمَها إلى العين، فتذريها فتثير الجفون، ثم خنقته عبرته فقام.

بعد مرور سنةٍ كاملةٍ على رحيلِكِ أمي كيف لي أن أرثيكِ وأنا المحتاج لمن يرثيني فيك؟!

أمي كيف يُعزَّى من فَقَدَ مِنَ الحياةِ كلَّ الحياة؟؟؟! كان الحنانُ أمي، والراحةُ أمي، والهناءُ أمي، والأملُ أمي، وكلُ جميل في حياتي كان أمي، بل كانت الحياةُ أمي ... وها قد رحلتْ.

أشتاق لعطرِ حضنِك الذي لا تعوِّضه عطورُ الدنيا كلُّها، ولمسةِ يديكِ التي لا تضاهيها رفاهيةَ العالم كله.

يغنيني طيفُك الذي يُذَكِّرُني بكل حركةٍ من حركاتك كلَّ ليلةٍ عن وجود الخلق أجمعين.

رحمك الله وأكرم نزلك أمّاه.

أمي اصطفاكِ اللهُ حيثُ يصطفي خيرةَ خلقِه بكثرة الابتلاءات التي أصابتْكِ، ولتكوني ضمنَ مَنْ عَناهُمُ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: [ أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثَلُ فالأمثل ]، فقد ابتلاكِ الله تعالى بشلل الوجه النصفي مرتين في حماة، ثم بفقد زوجكِ وولدكِ، ثم بهجرتِك وبُعدِك عن وطنك، ثم ببُعدِ بعض أبنائِك عنك، ثم بمرضِك الشديد وآلامِك التي تعجز عن حملها الجبالُ الراسياتُ، وأنتِ ترددين دائماً: الحمد لله على نعمة الإسلام، وهذا عزائي فيكِ، علِّي ألقاكِ في جنات النعيم فيكون شفاء دائي.

يا أمي إيماني بالله وباليوم الآخر سبب لصبري، وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يدخلك فسيح جناته ويقرَّ عينيك بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبزوجك الشيخ الشهيد السعيد الذي فقدتيه وأنت في ريعان الشباب، وبولدك الشهيد أحمد ماهر في جنان الخلد.

وُلِدْتِ أمي في حماة، وكانت مَنِيَّتُكِ في مدينة العين، ودُفنتِ في التربة التي منها خلِقْتِ، فقد روى البيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة عند قبر، فقال: [ قبر مَنْ هذا ]؟ فقالوا قبر فلان الحبشي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

[ لا إله إلا الله سيق من أرضه وسمائه إلى تربته التي خلق منها ] .

وروى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( يُدفنُ كلُّ إنسان في التربة التي خلق منها ).

وُلدَتِ الوالدة الحاجة فلاح بنت الشيخ محمد ظافر المراد في حماة بتاريخ / 7 / شوال / 1354هـ - 1 / 1 / 1936م/ وقد تميزت عن بقية إخوتها وأخواتها منذ صغرها بخفَّة حركتها وخدمتِها لوالديها، فنالت محبَّتهم وإعجابهم، وكانت تحظى بحب والديها وتقديرهما لها لما تمتاز به من صفاتٍ مميزةٍ، فكان جدي رحمه الله كثيراً ما يُسِرُّ لها ويشكو إليها بعضاً من همومه، ويبثُّ إليها أسراره، ليَقينه أنها صاحبةُ عقلٍ راجحٍ وفكرٍ نَيِّرٍ، فكانت رحمها الله تعالى بيتَ سرِّ أبيها وأمها.

وأتمَّتِ المرحلةَ الابتدائية "السرتفيكا"، وفي سنة / 1950م/ خطبها ابن عم والدها " الشيخ محمد بشير المراد " الذي كان قاضياً شرعياً في درعا، وكان عمرها أربعَ عشْرةَ سنة، وعندما قال والدها الشيخ محمد ظافر: هي صغيرة السن، وهناك مِنْ أخَواتِها مَنْ هي أكبرُ منها وأصلحُ لك، أجابه الشيخ محمد بشير: لك عليَّ أن لا أتعبها ولا أَشُقَّ عليها بطبخة قبل العشرين من عمرها، لكنها لم تُحْوِجْهُ إلى ذلك فقد تعلمتِ الكثير منه في سنٍ مبكرةٍ، وتزوجا في صيف تلك السنة بعد عيد الفطر في بيت والده – الذي آل إليه فيما بعد - في الطابق العلوي الذي يسمى "القصر"، وباتا ليلتين في حماة ثم سافرا إلى درعا ليلتحق بعمله في القضاء الشرعي.

كان بيتهم في درعا مفتوحاً للغادي والرائح من الأقارب والأصحاب والأحباب المسافرين إلى الحج وإلى مصر والأردن وغيرها.

وأثناء وجودهم في درعا زارهم الجَدَّان الشيخ أحمد المراد والشيخ محمد ظافر المراد، فكان أهل درعا يحتفون بهم احتفاءً كبيراً ويقولون: جاء أبو القاضي، وكانوا يُدعَوْنَ في كل يومٍ عند واحد من وجوه أهل درعا، وأثناءها كان جدي الشيخ أحمد يستغل هذه المناسبات في توجيه الناس وتعليمهم أحكام دينهم والإجابة عن أسئلتهم وهكذا كان في كل مجلس يحضر فيه.

وفي نهاية الزيارة ينزل جدي الشيخ محمد ظافر إلى سوق الغنم ويشتري كبشاً سميناً ويذبحه وتطبخه جدتي الحاجة سارة أم عدنان رحمها الله تعالى، ويدعون كلَّ من دعاهم في الأيام السابقة.

كان الوالد قد خصص يوم الخميس ليلة الجمعة من كل أسبوع في بيته يقرأ فيها البردةَ الشريفةَ، وبعضَ الإنشاد والمدائح النبوية، وموعظةً قصيرةً، ويحضرها أصحابه من أهل درعا، وبعض التجار الدمشقيين القادمون للتجارة.

في سنة /1953م/ توقف قطار الحجيج في درعا وهو متوجهٌ إلى العقبة، وكان فيه بعض علماء العائلة، فقام الوالد والوالدة بإعداد ما يناسبهم من طعام وشراب في ذهابهم وعودتهم.

وعندما نُقل الوالد نقلاً تعسفياً إلى مدينة "النبك" بسبب حادثةٍ حصلتْ له في القضاء في اللاذقية، كان يستقبلُ زوارَه وأصحابَه وأقاربَه بشكل مستمرٍ في بيته الذي كان على الشارع الرئيسي في النبك.

في حماة كثيراً ما كان الوالد رحمه الله يتصل بها من دائرة الإفتاء بعد صلاة الظهر ويسألها ما طعامنا اليوم؟ ولأنها تعلم ما وراء السؤال، فتجيبه بسؤال قائلة: وكم العدد؟ فيجيبها العدد كذا، فتقوم بتجهيز الطعام بكل سرورٍ ومحبةٍ، وهذا ما شاهدناه وبشكل دائم.

لذلك حدثني الشيخ عبد الله المسعود حفظه الله تعالى من مدينة الباب المقيم في المدينة المنورة عندما التقيت به في المسجد النبوي بعد صلاة فجر يوم السبت /9/جمادى الأولى/1441هـ/4/1/2020م/ وزرته في بيته زيارة سريعة قائلاً: كانت خدمتي للجندية في حماة، وكان والدي الشيخ محمد علي المسعود رحمه الله قد أوصاني بأن أزور الشيخ محمد بشير المراد مفتي حماة وأتعرف عليه، ونزلنا بنادي الضباط في حي الشريعة، وفي صباح اليوم التالي خرجتُ أتمشى بالقرب من النادي حتى أتعرف على المنطقة، ونظرتُ وإذا بجانب النادي لوحة كبيرة مكتوب عليها " دائرة الإفتاء " فدخلت وإذا بالمفتي "الشيخ محمد بشير المراد"، فسلَّمت عليه وعرَّفته بحالي وبلَّغتُه سلامَ والدي، فرحبَ بي كثيراً واتصل بالبيت وأخبرَ الوالدةَ بأن معي ضيفاً عزيزاً، فجهَّزتِ الغداء، وتناولتُ طعام الغداء مع الوالد الكريم في بيتكم العامر، وهكذا كان يحصل كلَّ فترة من الزمن عندما أزور الشيخ ومعي بعض زملائي فيدعونا لتناول طعام الغداء معه رحمه الله تعالى.

تعلمنا منها رحمها الله الكرمَ، وحُبَّ الضيف وكانت تقول: "الضيف ضيف الله"، وتعلمنا منها كذلك حُبَّ الفقراء والمساكين، وكما تعلمتْ في بيت أبيها وأمها علمتْنَا أنْ نتعهدَ الجيرانَ الفقراءَ بالطعام والشراب، فكانت تسكبُ من الطعام الطازج لبعض الجيران الفقراء والمساكين وبشكلٍ دائمٍ، وقد رأى جدي الشيخ محمد ظافر أحد أبنائها يحمل طعاماً لإحدى العائلات فسألها: هل هذا الطعام صنيعة اليوم؟ فأجابت بالنفي أي أنه من أمس، فقال لها بصوته الهادئ: لا يا ابنتي ليكنِ الطعامُ المقدَّمُ للفقراء من الطعام الطازج - فالطيبات لله – فصار درساً لم تنسه أبداً.

كانت تتفانى في خدمة الوالد رحمه الله تعالى وخصوصاً في السنوات الأخيرة، لأنها تعلم الضغوطات الكبيرةَ عليه، وكانت موضعَ ثقته حيث يُسِرُّ لها بأمور لا يعرفها أحد، ويستشيرها في كثير من الأمور فيجد عندها الرأي الصواب.

كان باب الدار يُفتح من بعد صلاة الفجر في أغلب الأحيان، ويأتي الناس وخصوصاً من القرى والبادية، فتقومُ بإعداد طعام الفطور لكل من حضر، ويتكرر مع كل وجبةٍ من الرجال والنساء مرتين وثلاثةً وأحياناً أربع وخمس مرات بدون ضجر أو ملل.

وفي مدينة العين بالإمارات كانت تحرص على صلة الرحم ومحبة الأقارب والأصحاب والاجتماع بهم، فلا تترك مناسبة إلا وتشارك بها، وكم كانت رحمها الله حريصةً على دعوة الأقارب من العائلة المرادية وخصوصاً في إفطار يومي عيد الفطر والأضحى، وتقول: وهل هناك أجمل من لقاء الأهل والأقارب والأحبة؟.

وكانت تُجهِّزُ طعامَ العيد المكوَّن من أفخر أنواع الأطعمة، وتضعُه بعد صلاة العِشاء على نار هادئةٍ وتتركه إلى الفجر، وترفض النوم وتقوم بالصلاة وقراءة القرآن والأذكار والأدعية إحياء لليالي العيد المباركة.

وكانت رحمها الله مرجعاً للنساء في مسائل الحيض والنفاس.

وكانت لا تترك الصلاة في وقتها مع حرصها على الجماعة إنْ وُجِدَ أحدٌ من أولادها أو أحفادها، ولا تترك قيام الليل وقراءة القرآن يومياً، بالإضافة إلى سورة يسن والواقعة والدخان وتبارك بعد المغرب دائماً، ولا تترك قراءة "التسبيحات" لجدي الشيخ أحمد رحمه الله التي تحفظها غيباً، ولا تترك قراءة دلائل الخيرات، وبعد مغرب يوم الخميس ليلة الجمعة كانت تقرأ البردة الشريفة التي تحفظها غيباً، وفي السنة الأخيرة كنا نلتقي عندها في البيت ونقرأ البردة معها.

وكانت حريصةً على فعل الخير والصدقة، فكان لها حصالة تضع فيها كل يوم ما تيسر لها من نقود، وتنوي بها الصدقةَ عن أصولها وفروعها ثم تقوم بتوزيعها كلما امتلأت على المحتاجين.

وكانت تقول هذه العبارة وترددها كثيراً: " الحمد لله على نعمة الإسلام " وتقول كذلك: " الذي بصحته وعافيته يحمد الله تعالى " وكانت عندما تتألم كثيراً وتتوجع تقول بصوت عالٍ: " يا الله ..... يا رحيم "

وفي الأيام الثلاثة الأخيرة من حياتها وضع لها الأطباء في المشفى المخدر في دوائها حتى تنام ولا تشعر بالألم فكانت تغيب وتصحو، وكان عندها أخي "عبد الباسط" وبدأ يقرأ البردة الشريفة التي تحبها، وإذا بها تردد معه " مولاي صل وسلم دائماً أبداً على حبيبك خير الخلق كلهم "، فإذا وقف عن القراءة تشير بيدها أن أكمل ولا تقف، وكانت عندما تتألم يقرأ "عبد الباسط" الرقية الشرعية بصوته، أو يضعونها مسجلةً فتسمعها وتهدأ وكأنَّ شيئاً لم يكن، وفي هذه الفترة جرى اتصال مرئي بينها وبين أشقائي "أيمن ومأمون" وكان الكلام مختصراً كعادتها، وقد أنهته بالدعاء لهما، ثم توجهت بالكلام لمن حولها قائلةً لهم: لمَ لا تُصلون على النبي صلى الله عليه وسلم؟ صلوا عليه، ألا ترَوْنَ والدي وعمي الشيخ أحمد وأبي أيمن واقفين يرددون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟ ثم غابت.

 وفي اليومين الأخيرين أي الجمعة والسبت كانت نائمةً بسبب المخدر لا نسمع إلا أنفاسها، وخرجتُ من عندها بحدود الساعة الثامنة والنصف مساءً وتوجهتُ إلى عجمان، وبعد وصولي بقليل رن الهاتف من أخي عبد الباسط وأعلمني بتوقف الأجهزة كلها، وخروج روحها الطاهرة إلى بارئها، وذلك مساء السبت / 21 / جمادى الأولى / 1443 هـ / 25 / 12 / 2021 م /.

رحمك الله أمنا الغالية الحنون التي كنتِ ملاذاً لنا عند كلِّ مُدْلَهِمَّةٍ، رحمك الله تعالى وأعلى مقامك وأسكنك الفردوس الأعلى مع زوجك الشيخ الشهيد محمد بشير المراد وابنك الشهيد أحمد ماهر المراد .

لا يزال رحيلك فاجعةً أسكنتِ الألمَ داخلي ولا زالت دموعي تنهمر في كل يوم يأتي دونك، وفي كلّ ساعةٍ أحتاجك وأصرخ بالنداء ولا أجدك.

لا زالتْ صدمةُ موتِك عالقةً بقلبي، وصورتُكِ في الكفن عالقةً بمخيلتي، ورائحةُ عطر الوداع في آخر قبلةٍ لا تفارقني. اللهم عوض أمي الفردوس الأعلى من الجنة.

وجزى الله خيرا القائل:

وكنتِ سراجَ البيتِ يا أمَّ أيمنٍ

** فصار سراجُ البيتِ رَهْنَ المقابرِ.

وهنا أنقل ما سمعتُ بعد وفاتها:

قالت إحدى الممرضات في المشفى وهي غير مسلمة: جئتُ للغرفة التي وُضِعَتْ فيها فلاح محمد ظافر المراد حتى أتأكد أنها ميتة فعلاً قبل نقلها إلى الثلاجة، وكانت الغرفة مظلمةً وحينما كشفت عن وجهها رأيت نوراً من وجهها يضيئ الغرفة كلها فراعني المنظر، وحكت لإحدى الموظفات ما رأت وقالت لها: ما قصة هذه المرأة وماذا كانت تعمل؟.

رأت ابنتي الصغيرة ذات الثلاثة عشر ربيعاً رؤيا بأن جدتها الحاجة فلاح لابسة ثوباً أبيض، وهو ثوب عرس وقد أمسك بيدها رجل، وقد عرفتْ أنه جدها الشيخ محمد بشير لأنها تعرف صورته عندنا.

اللهم إن أَمَتَكَ "فلاح" خرجت مهاجرةً من بلاد الشام مسقطِ رأسها مدينةِ حماة، واستقرتْ في الإمارات، وتوفيت ودُفنت بها، وقد سمعنا رسولك محمداً صلى الله عليه وسلم يقول: [ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ فِي غَيْرِ مَوْلِدِهِ قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ فِي الْجَنَّةِ ]. اللهم اجعلها من أهل الجنة.

اللهم إنها ماتت مريضةً بمرضٍ خطيرٍ جداً، وسمعنا أنَّ نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قال: [ من مات مريضاً مات شهيداً، وَوُقِيَ فتنةَ القبر، وغُدِيَ ورِيحَ عليه برزقه من الجنة ].

اللهم إنها ماتت مسلمةً مؤمنةً بك، لا تشرك بك شيئاً، ملتزمة بشرعك، فأدخلها الجنة برحمتك وفضلك، ولقد بشرنا جبريل عليه السلام حينما قال لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: [ بشِّرْ أُمَّتَكَ، أنه من مات لا يُشرِكُ بالله تعالى شيئاً دخل الجنة ].

عن سعيد بن جبير قال: أتى ابنَ عباس رجلٌ فقال: يا أبا عباس أرأيت قول الله ﴿ فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ﴾ فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: ( نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء منه ينزل رزقه، وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأُغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه بكى عليه، وإذا فُقد مصلاهُ من الأرض التي كان يصلي فيها ويَذْكُرُ اللهَ فيها بكتْ عليه ).

فاللهم إنها كانت مصَلِّيةً قانتةً ذاكرةً لك تاليةً لكتابك، قد وفدت عليك ضيفةً كريمةً فأكرم نزلها، ووسع مدخلها، وأنزلها منزلاً مباركاً، وأنت خير المنزِلين..

اللهم إنها كانت تحبك، وتحب حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعبادك الصالحين، فاللهم احشرها مع من أحبتهم، واخلفها في أهلها خيراً يا رب العالمين...

اللهم اجعل مرضَها وغربتَها وأعمالَها الخيريةَ -التي لا يعلمها إلا أنت- شهادةً في سبيلك، اللهم لقِّنْها حجتَها، ووسعْ مُدخلَها، واغسلها بالماء والثلج والبَرَد، ونقِّها من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدلها داراً خيراً من دارها، وأهلاً خيراً من أهلها، اللهم لا تفتنا بعدها ولا تحرمنا أجرها، واغفر لنا ولها يا رب العالمين.

رحم الله هذه المرأة الصالحة الصابرة وجمعنا بها مع والدي تحت لواء المصطفى صلى الله عليه وسلم. والحمد لله رب العالمين