الجنة وأحلامنا الدنيوية

في حواراته مع الشباب، كان الشيخ محمد أحمد الراشد - رحمه الله - يرسم صورة للجنة تلامس واقعهم وتحفز طموحاتهم. كان يقول: "تأملوا معي، لو أن دنيانا خلت من كل ما ينغصها، ألن نرضى بها ونعدها جنة؟ فكيف بالجنة الحقيقية التي وعدنا الله بها؟" دعونا نتأمل في سبع صور من صور النعيم التي تحدث عنها الشيخ الراشد:

 

أولاً: مجتمع الصالحين

يقول الشيخ: "تخيلوا مجتمعاً لا يسكنه إلا الصالحون الأخيار." فلو عشنا في مجتمع خالٍ من الشر والحسد والكذب، ألن نعده فردوساً على الأرض؟ نسمع عن بلدان كفنلندا، حيث يعيش الناس في وئام وسلام. فكيف بالجنة التي يقول الله عنها: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾ [الحِجر: 47]؟

 

ثانياً: عالم آمن بلا جريمة

ومن روائع ما كان يصفه الشيخ: "تخيلوا عالماً لا تسمعون فيه عن جريمة أو عنف." فلو عشنا في مكان لا نخاف فيه على أنفسنا أو أموالنا، ألن نعده جنة على الأرض؟ فكيف بالجنة التي يقول الله عنها: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا﴾ [الواقِعَة: 25]؟

 

ثالثاً: صحة دائمة وبيئة نظيفة

كان الشيخ يقول: "تصوروا حياةً لا مرض فيها ولا ألم." فلو عشنا في مكان لا نعاني فيه من الأمراض ولا نخشى الأوبئة، ألن نعده نعيماً لا يضاهى؟ فكيف بالجنة التي يقول عنها النبي : «أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون» [صحيح البخاري]؟

 

رابعاً: حرية التنقل بلا قيود

ومما كان يصفه الشيخ: "تخيلوا حياةً لا قيود فيها ولا حدود، حيث أنتم أحرار مكرمون." فلو عشنا في مكان نتنقل فيه بحرية، دون حاجة لجواز سفر أو تأشيرة، ألن نعده فردوساً؟ فكيف بالجنة التي يقول الله عنها: ﴿يَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ يَشَاءُ﴾ [الزُّمَر: 74]؟

 

خامساً: بيئة نظيفة وجو معتدل

كان الشيخ يقول: "تصوروا عالماً خالياً من التلوث والغبار، حيث الهواء نقي والماء صافٍ." فلو عشنا في مكان لا نعاني فيه من تلوث الهواء أو تغير المناخ، ألن نعده جنة؟ فكيف بالجنة التي يصفها الله: ﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ﴾ [الغَاشِيَة: 12]؟

 

سادساً: طعام نقي وفاكهة طاهرة

ومما كان يصفه الشيخ: "تخيلوا فاكهة أنقى وأطهر مما نعرفه، تأكلونها دون خوف من التلوث أو المبيدات." فلو عشنا في مكان نأكل فيه دون قلق من الملوثات أو الأمراض، ألن نعده نعيماً؟ فكيف بالجنة التي يقول الله عنها: ﴿فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ﴾ [الرَّحمن: 52]؟

 

سابعاً: مجتمع راقٍ ومتحضر

وختاماً، كان الشيخ يقول: "تخيلوا مجتمعاً يعج بالعلماء والمفكرين، حيث الجميع يحترم حقوق الآخرين." فلو عشنا في مجتمع راقٍ يحترم فيه الجميع بعضهم بعضاً، ألن نعده جنة على الأرض؟ فكيف بالجنة التي يقول الله عنها: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الطُّور: 21]؟

 

خاتمة: الجنة، ما وراء الخيال

وهكذا، كان الشيخ محمد أحمد الراشد - رحمه الله - يقرب صورة الجنة إلى أذهان الشباب، قائلاً: "إن كنا نرضى بهذه الصفات في دنيانا، حيث لا فواتير تقلقنا، ولا إزعاج يؤرقنا، ولا خوف يطاردنا، ولا مرض يهددنا، فكيف بالجنة التي وعدنا الله بها، والتي هي أعظم وأجل مما يخطر على بال بشر؟"

إن تصور مثل هذه الجنة ليس ببعيد عن أذهاننا، فهي في جوهرها انعكاس لأحلامنا وتطلعاتنا نحو حياة أفضل. وإذا كان الله قد وعدنا بما هو أعظم من ذلك، فكيف لنا أن نشك في وعده أو نستبعد تحققه؟ فلنتمسك بإيماننا، ولنعمل لننال رضا الله وجنته. فما خلقنا الله عبثاً، وما وعدنا إلا حقاً.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين