الثورة السورية ومستقبل البشرية -5-

تفتيت العالم الإسلامي

لقد عمل الأعداء على تفتيت العالم الإسلامي ، وقسمت فيما بينها أوطان دولة الخلافة قبل أن يسقطوا دولة الخلافة ، ويقيموا مكانها جمهورية علمانية معادية للإسلام ، وكان أن قسم العالم الإسلامي الذي كان معظمه تابعًا لدولة الخلافة بين عدد من دول أوربا المتحالفة ، أو المتآمرة ضد دولة الخلافة، فكان المغرب العربي أدناه في مراكش، وأقصاه في تونس، وبينهما الجزائر من نصيب فرنسا أو الاحتلال الفرنسي، أو النفوذ الفرنسي، وكانت ليبيا من نصيب إيطاليا، وموريتانيا من نصيب فرنسا، وكانت مصر والسودان والعراق والأردن وفلسطين من نصيب انجلترا، احتلالًا أو حماية أو وصاية أو انتدابًا.

وكانت سوريا ولبنان من نصيب فرنسا، وكان ما يعرف بدول الخليج العربي محميات انجليزية فيما عدا السعودية، فقد تركت آنذاك؛ لأنها ليست بمطمعٍ إذ لم يكن النفط قد اكتشف فيها بعد، وكان الشرق الإسلامي شبه القارة الهندية وأفغانستان وإيران من نصيب إنجلترا، وكانت الولايات المتاخمة لإيران وأفغانستان من نصيب ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي، الذي مات إلى غير رجعة، وكانت ست إمارات أو ولاياتٍ .

ولم يسع العالم الإسلامي إلا أن يرضخ لهذا التقسيم، بل رحب به كثير من الغافلين من المسلمين، وإن العالم العربي وحده قد قسم إلى أكثر من عشرين دولة، لكل منها حاكم ونظام وولاء لبعض دول الغرب عشرون دولة أو أكثر، مع أن بعض هذه الدول أقل من نصف مليون من البشر.

إنها فلسفة التقسيم والتجزئ وتضارب المصالح ؛ حتى لا تقوم للعرب قائمة ، وكذلك الشأن في العالم الإسلامي مزق حتى لا تقوم له قائمة ، لقد جعل الأعداء القاعدة عندهم وعندنا للأسف هي التقسيم والتجزئ ، فالهند قسمت إلى الهند وباكستان، وباكستان قسمت إلى باكستان وبنجلادش، ومصر قسمت إلى مصر والسودان، والشام قسم إلى سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، والجزيرة العربية قسمت إلى إمارات، واليمن قسم إلى شمال وجنوب، والصومال قسم إلى صومال فرنسي وآخر إنجليزي وثالث إيطالي، والسودان قسم إلى شمال وجنوب ، والمغرب يراد له أن يقسم إلى المغرب والصحراء البوليساريو .

وما تأتي به الأيام يحمل في طياته تجزيئًا وتقسيمًا، ودول الأمة الإسلامية اليوم أكثر من خمسين دولة ، وكان الأصل فيها أن تكون دولة واحدة أو متحدة، وأصبحت الصورة على النحو التالي في قارة آسيا تسع وعشرون دولة إسلامية، وفي إفريقيا الغربية ثنتا عشرة دولة إسلامية، وفي إفريقيا عمومًا تسع دول عربية إسلامية، وفي وسط إفريقيا ثلاث دول إسلامية، وفي شرق إفريقيا ثلاث دول إسلامية، أي أن في إفريقيا سبعًا وعشرين دولة إسلامية، وفي أوربا دولة إسلامية هي ألبانيا.([1])

وهل اكتفى الأعداء بهذا التفتيت والتقسيم ؟

إنهم " ينتقلون من تخطيط إلى تخطيط، ومن تهيئة إلى تنفيذ، في تحد معلن واستخفاف واضح بينما نرى الشعوب كأنهم يشاهدون رواية معلومة النهاية. فهم لا يرون فيها ما يشير إلى شيء كبير أو مثير. أما المتنفذون فإنهم قد تخطوا مرحلة الفرجة السلبية، إلى المشاركة العملية في إخراج تلك الروايات أو المخططات إلى أرض الواقع."

فالعراق ومصر وسوريا ولبنان والبلاد العربية الأخرى موضوعة على طاولة القيادات الصليبية واليهودية بهدف تحويلها إلى كيانات صغيرة طائفية ، فغزو أمريكا للعراق في حرب الخليج الثالثة عام/2003م ، بعد ضربة وشل جيشه في حرب الخليج الثانية عام/1991م، يمثل برنامجا تنفيذيا للسير نحو التقسيم. فأمريكا فرضت مناطق محظورة الطيران على الدولة العراقية ، لحماية الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال، وقد حولتها بهذا الإجراء إلى ملاذات آمنة لكلا الطائفتين، كي تتفرغا لبناء كيان المستقبل المستقل.وقد توجت تلك المساعي بمشروع قرار، وهو ما أصدره مجلس الشيوخ الأمريكي (الكونجرس) في 26/أيلول/2007م من قرار ينصح فيه الحكومة الأمريكية ولا يلزمها، بتبني خطة تقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات على أن تقدر هي الضرر أو الضرورة في ذلك. وافترض الكونجرس وهو أبرز مؤسسة لصنع القرار في الولايات المتحدة، أن هذا الإجراء هو الحل الأمثل لإعادة الاستقرار إلى العراق. وبالرغم من أن هذا القرار غير ملزم، إلا أن المستوى المرتفع للجهة التي أصدرته تجعله في عداد التوجهات الإستراتيجية الكبرى، سواء الحالية أو القادم. وخاصة أن من قدم مشروع القرار إلى الكونجرس هو السيناتور الديمقراطي (جوزيف بايدن) رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ونائباً للرئيس الحزب الديمقراطي الحالي. ومن الجدير بالذكر أن المعاون الرئيسي له في الترويج لمشروع قرار التقسيم الذي تبناه الكونجرس، هو الصهيوني (ليزلي غلب) الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية في الكونجرس، والذي طرح في 25/تشرين الثاني/2003م أفكاراً لتنفيذ مشروع التقسيم، نشرتها صحيفة (نيويورك تايمز) في مقالة بعنوان (حل الدول الثلاث). وتعاون (جوزيف بايدن) نفسه معه في شرح هذه الأفكار وتقديمها. فعليه أن للولايات المتحدة مصالحها القديمة من هذا التقسيم، إضافة إلى مصالح الدولة اليهودية وهم أكثر الأطراف اهتماماً بالأمر، حيث تقوم نظرية الأمن الصهيوني على ست دعائم وهي:-

  1. تفتيت وتقسيم الدولة العربية.

  2. تنقية الدولة اليهودية من غير اليهود.

  3. تحويل تلك الدولة إلى قلعة صناعية وعسكرية لضمان تفوقها.

  4. إخضاع الاقتصاد العربي للاقتصاد الصهيوني عن طريق التطبيع.                                                            

  5. تقسيم أو إضعاف الكيانات الإسلامية الكبرى التي تمثل عمقاً للعالم العربي.

  6. تحويل القدس إلى عاصمة عالمية مصرفية، تكون بؤرة لتوجيه سياسات الاقتصاد، ومن ثم السياسة في العالم.

ولا نستطيع أن ننسى أن مشروع غزو العراق برمته هو مشروع المحافظين اليهود الجدد ، الذين حكموا أمريكا بالشراكة مع الإنجيليين منذ بداية الألفية الثالثة. كما لا نستطيع أن ننسى أن أول حاكم عسكري للعراق بعد الاحتلال كان هو اليهود الأمريكي (جاي جارنر). على أن البذور العملية الأولى لمشروع تقسيم العراق بعد غزوه وضعت في الدستور العراقي الجديد، الذي أسندت صياغته إلى اليهود العراقي (نوح فيلدمان). وخير دليل على ذلك عندما أشار (بول بريمر) الحاكم العسكري الأمريكي الثاني للعراق بعد الغزو في مذكراته المنشورة إلى أنه اصدر أوامره بحل الجيش العراقي استجابة لرغبة صهيونية جامحة. ثم دعم (جورج بوش) ذلك التوجه. إضافة إلى اقتراح (هنري كيسنجر) حول نقل النفط العراقي والعربي إلى الغرب عبر الدولة الصهيونية من مدخل رئيسي، ألا وهو تفكيك وحدة العراق، الذي سوف يسهل على شركات النفط الأجنبية والأمريكية الحصول على النفط العراقي بيسر، لأنها ستتعامل مع دويلات يعادي بعضها بعضاً، ويوالي بعضها الغرب."([2])

وهناك مخطط لتقسيم مصر وسوريا ، وفي تقرير نشرته مجلة كيفونيم (توجهات)،14/2/1982م  التي تصدرها (المنظمة الصهيونية العالمية) في القدس ، عن خطط إسرائيل الإستراتيجية في عقد الثمانينات وما بعدها، تجاه المنطقة العربية، ومما جاء فيها بشأن مصر: "لقد غدت مصر، باعتبارها كياناً مركزياً، مجرد جثة هامدة، لاسيما إذا أخذنا في الاعتبار المواجهات التي تزداد حدة بين المسلمين والمسيحيين. وينبغي أن يكون تقسيم مصر إلى دويلات منفصلة جغرافياً هو هدفنا السياسي على الجبهة الغربية خلال سنوات التسعينات. وبمجرد أن تتفكك أوصال مصر وتتلاشى سلطتها المركزية، فسوف تتفكك بالمثل بلدان أخرى، مثل ليبيا والسودان وغيرهما من البلدان الأبعد ... ومن تم فإن تشكيل دولة قبطية في صعيد مصر، بالإضافة إلى كيانات إقليمية أصغر وأقل أهمية، من شأنه أن يفتح الباب لتطور تاريخي لا مناص من تحقيقه على المدى البعيد، وان كانت معاهدة السلام قد أعاقته في الوقت الراهن"([3]).

وجاء الكلام عن تقسيم سورية كما يلي: " إن تفكيك سورية والعراق في وقت لاحق إلى أقاليم ذات طابع قومي وديني مستقل، هو هدف دولة (إسرائيل) الأسمى في الجبهة الشرقية على المدى القصير، وسوف تتفتت سورية تبعاً لتركيبها العرقي والطائفي إلى دويلات عدة، وعليه فسوف تظهر على الشاطئ دويلة علوية، وفي منطقة حلب دولة سنية، وفي منطقة دمشق دويلة سنية أخرى معادية لتلك التي في الشمال، وأما الدروز فسوف يشكلون دويلة في الجولان التي نسيطر عليها".

وفي وثيقة (كرانجيا) التي صدرت ضمن كتاب (خنجر إسرائيل) عام 1957م؛ قضت تلك الخطة في جزئها الخاص بسورية بأن تقسَّم إلى ثلاث دويلات: سنية ودرزية وعلوية.

أما المخطط الشهير لـ (برنارد لويس)، مستشار وزير الدفاع في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر)، والذي أشار إليه شمعون بيريز في كتابه (الشرق الأوسط الجديد)؛ فقد وُضع في أواخر السبعينيات، وأشار صاحبه - فيما يخص سورية - إلى ضرورة تقسيمها، على أن يكون للعلويين دولة على امتداد الشاطئ، ودولة سنية في حلب، وأخرى في دمشق وما حولها، ودولة للدروز في الجولان وأجزاء من لبنان وفلسطين.

وقد تضمن تقرير (رالف بيترز) المنشور في مجلة القوات المسلحة الأمريكية في (عدد يونيو 2006م)، أن سورية ينبغي أن تقسَّم على النحو التالي:

1 - دويلة للعلويين على امتداد شاطئ البحر المتوسط.

2 - دويلة سنية في منطقة حلب.

3 - دويلة للدروز في الجولان المحتل يضم إليها جزء من لبنان وشرق الأردن.

ويلاحظ هنا التقارب بين محتوى الخطط المتسرّبة أو المسرّبة، وأن القاسم المشترك بين فريق " المقتسمين" أنهم جميعاً صهاينة، سواء كانوا إسرائيليين أو أمريكيين، وسواء كانوا يهوداً أو نصارى.([4])

إن ما يجري في سوريا من تدمير بفعل الوحش ومباركة الغرب الصليبي الصهيوني هو تمهيد لتقسيمها حفاظا على أمن الدولة المحتلة لفلسطين (إسرائيل) فالتقسيم يعتد في الأساس على " العقيدة البروتستانتية المتشددة في هدفها نحو السيطرة على ارض الأديان في الشرق الأوسط ومعاداة العقيدة الإسلامية والاعتماد على تثبيت اليهودية في فلسطين إلى حين أن تتم معركة (الهرمجدون) الفاصلة لمصلحة المسيحية الصهيونية بانتصارها على جميع الأديان والعقائد الأخرى ."

     وبالنظر لأهمية منطقة الشرق الأوسط دينياً يتم التركيز عليها من قبل اغلب الساسة والقساوسة من أمريكيين وغيرهم إذ إن القس بيل جراهام ظل منذ العام 1970 يحذر من أن العالم يسير بسرعة كبيرة نحو معركة الهرمجدون ، ويقول :- "يتساءل الكثيرون : أين تقع هرمجدون؟ وما مدى قربنا منها؟" ، وفي محاولته الإجابة يقول :- "حسناً إنها تقع إلى الغرب من نهر الأردن بين الجليل والسامرة في سهل يزرعيل" ، ويضيف أيضا :- "إن الكتاب المقدس يعلمنا بأن آخر حرب عظيمة في التاريخ ، سوف تخاض في ذلك الجزء من العالم : الشرق الأوسط".

      كما يتم النظر إلى منطقة الشرق الأوسط -من وجهة نظر اليمين الأمريكي– على أنها ستكون قبل العودة الثانية للمسيح مسرحاً للحروب أو الكوارث الطبيعية والانهيار الاقتصادي والفوضى الاجتماعية ، ويعتقد رموز أتباع المسيحية الصهيونية بأن هذه الأحداث مسجلة بوضوح في الكتاب المقدس ، وان المسيحيين المخلصين سوف يُرفعون مادياً من فوق الأرض ويجتمعون بالمسيح في الهواء ، ومن هذه النقطة سوف يراقبون بسلام وهدوء الحروب النووية والمشاكل الاقتصادية ، وفي نهاية المحنة سيعود هؤلاء المسيحيون المولودون ثانية مع المسيح كقائد عسكري لخوض معركة الهرمجدون ، ولتدمير أعداء الله ، ومن ثم ليحكم الأرض لمدة ألف سنة ، وذلك كله في منطقة الشرق الأوسط التي اعتبر ريغان –الرئيس الأمريكي الأسبق- في عام 1986م الاهتمام بها وإقرار السلام فيها التزاماً دينياً وذلك بقوله : " إننا معنيون بالبحث عن السلام في الشرق الأوسط ، ليس كخيار وإنما كالتزام ديني . ([5])

 

 

 


[1] ) التراجع الحضاري في العالم الإسلامي عبد الحليم محمود الطبعة الأولى دار الوفاء 1994ص 276-279

[2] ) رسالة ماجستير مستقبل العراق بين بناء الدولة و محاولات التقسيم للباحثة شنا فائق جميل الاكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك 2009 ص 192

([3] ) مجلة كيفونيم، القدس، العدد 14 فبراير 1982ص49ـ59 نقلا عن كتاب الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية– روجيه جارودى ص271– دار الشروق- ط1 1998

[4] ) الاختبارات السورية بعد حكم النصيرية مقال في مجلة البيان ،  عبد العزيز كامل العدد 307 بتاريخ 25/2/1434

[5] ) البعد الديني في الحرب الأمريكية لاحتلال العراق مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية والسياسية العدد4 السنة 1

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين