الثورة السورية ومستقبل البشرية -13-

تابع جهاد المعركة :

2)- جنود متميزون في جنديتهم :

إن صورة المجاهد لدى الغرب ولدى البعض من أبناء المسلمين أن المجاهد هو إنسان خشن ، لا يعرف سوى لغة العنف والقتل ، ولا يفقه سوى كلام المدافع والقنابل ، ليس في قلبه رحمه ، هدفه التخريب والتدمير وقتل الأبرياء والانتقام .

وهذه صورة مشوهة لا تمت لواقع الجهاد واخلاق الجهاد بصلة ، فهي صورة تشبه صورة القتلة والمجرمين ، بل هي صورة حقيقية لجنود الغرب ، ولكنهم يلصقونها زورا وبهتانا بالمجاهدين .

إن المجاهد عندما يستعد ويتدرب ويستعمل السلاح ، ويمارس الشدة فهو عمل ايجابي وليس سلبي إجرامي وعدواني ، فهو من اجل إحقاق الحق ورفع الباطل وتحرير الإنسان ورفع الظلم .

فان حمل البندقية فلا يقاتل بها إلا من قاتله ..

وان حمل المتفجرات فلا يدمر بها للتخريب وتدمير الأخضر واليابس وإنما لإنقاذ البشرية والكائنات الحية ..

ولذا فالمجاهدون جنود متميزون في جنديتهم يتمسكون بالعقيدة السليمة ، فلا إفراط ولا تفريط ، ولا غلو ولا تكفير .

ويتحلون بالايجابية والمبادرة التلقائية إلى فعل الخير وقول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة والجدال بالتي هي أحسن .

ويتصفون بالشجاعة والإقدام والصبر على طاعة الجهاد وكل عمل يؤدي إلى النصر ، ويلتزمون بالأخلاق والآداب الإسلامية العسكرية ، عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال : كان رسول الله ( r ) إذا أمَّر أميراً على جيش أو سريَّة أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال : اغزوا باسم الله في سبيل الله , قاتلوا من كفر بالله , اغزوا ولا تغُلُّوا ولا تَغْدُروا ولا تَمْثُلُوا ولا تقتلوا وليداً .... الحديث "([1]).

قال الإمام النووي :" وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مُجَمعٌ عليها , وهي تحريم الغدر وتحريم الغلول وتحريم قتل الصبيان إذا لم يقاتلوا وكراهية المثلة واستحباب وصية الإمام أمراءه وجيوشه بتقوى الله – تعالى – والرفق بأتباعهم وتعريفهم ما يحتاجون في غزوهم وما يجب عليهم وما يحل لهم وما يحرم عليهم وما يكره وما يستحب"([2]).

واقتدى الخلفاء والقادة والجنود برسول الله e فكانت أخلاقهم العسكرية واقعا أشاد به الأعداء قبل الأصدقاء .

" ولكن الإسلام لم يكتفِ ببناء الرجال ليكونوا أعضاء نافعين في جيش المسلمين، ولم يكتفِ بإعداد جيش المسلمين مادياً ومعنوياً، بل حرص على تطبيق (الحرب العادلة) ([3]) في الجهاد.

ومن المعروف أن الجيش الذي يخوض حرباً عادلة، لإحقاق الحق وإزهاق الباطل والدفاع عن حرية نشر الدعوة وتوطيد أركان السلام، دون أن يظلم رجاله أحداً من الناس، فإن ذلك الجيش يستقتل في حربه ولا بد أن ينتصر.

حذر القرآن الكريم من انتهاز غفلة العدو المعاهَد وأخذه على غرة غدراً، قال تعالى: ? وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ?  (الأنفال : 58)

وأمر الإسلام بتلبية دعوة السلام ووقْف الحرب إذا جنح الأعداء للسلم وظهرت منهم بوادر الصدق والوفاء. قال تعالى: ? وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ*  وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ?  (الأنفال : 61 – 62) ، وقال تعالى: ?  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً ?  (البقرة: 208)

بل يصرح الإسلام بأن الثمرة من اتباع الإسلام هي الاهتداء إلى طرق "السلام" والنور، قال تعالى: ?  قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ?  ( المائدة : 15 – 16).

وحرَّم الإسلام قتل الشيخ الكبير والعاجز والمرأة والصبي ورجل الدين المنقطع للعبادة، والفلاَّح المسالم الذي لم يشترك في القتال.

وخيَّر الإسلام القائد بين أن يمنَّ على الأسرى فيطلقهم من غير فدية أو مقابل، أو يأخذ منهم الفدية من مال أو رجال، وذلك بحسب اقتضاء المصلحة العامة. قال تعالى: ? فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ?  (محمد: 4)

وقد أمر الإسلام بمعاملة الأسرى معاملة إنسانية، فلا يجوز تعذيبهم ولا التمثيل بهم ولا تعريضهم للجوع والسغب، قال تعالى: ? وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ?  (الإنسان : 8 – 9)

وعلَّم الإسلام أتباعه ، أن الحرب إذا انتهت باستسلام العدو وانتصار المسلمين ، فلا عدوان على الأعراض ، ولا تخريب للمدن ، ولا استلاب للأموال ، ولا إذلال للكرامات ، ولا اندفاع وراء الثأر والانتقام ؛ وإنما هو الإصلاح والتحرير والعدالة ونشر الخير ومكافحة الشر ([4]) ، قال تعالى: ? الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ?  (الحج : 41)

وحثَّ الإسلام بصورة خاصة على المحافظة على العهود، وأوجب الوفاء بها، وحرَّم الخيانة فيها والعمل على نقضها، وأرشد إلى أن القصد منها إحلال الأمن والسلم محل الاضطراب والحرب. وحذر أن تكون وسيلةً للاحتيال على سلب الحقوق والوقيعة بالضعفاء. قال تعالى: ? وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ? (النحل : 91 – 92)

وأمر الإسلام أن تكون الحرب لإقرار الحق وإزهاق الباطل لتحرير الضعفاء والمضطهدين ، لذلك يقتضي أن تضيق حدودها حتى لا يصطلي بنارها إلا من حمل السلاح وبدأ العدوان ، فلا تؤخذ أمة العدو كلها بجريرة جيشها أو حكامها . قال تعالى: ? وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ?  (البقرة : 190)

تلك هي مجمل الحرب العادلة في الإسلام: ابتعاد من الغدر، ووفاء بالعهود، وإقرار للسلام، ومعاملة إنسانية لغير المحاربين، وتمسك بالمثل العليا الرفيعة في معاملة المغلوبين.

فأين منها حروب القرن العشرين الميلادي؟ ([5])

 


[1]) مسلم (1731)

[2]) شرح صحيح مسلم للإمام النووي 12 / 37

[3] ) الحرب العادلة: حرب تُوَجَّه ضد شعب ارتكب ظلماً نحو شعب آخر ولم يشأ رفعه، ويشترط فيها أن تكون مطابقة للقواعد الإنسانية وتكون لغرض تحقيق سلم دائم، ووجوب احترام حياة وأملاك الأبرياء وحُسْن معاملة الأسرى والرهائن. انظر التفاصيل في (قانون الحرب والحياد في القوانين الدولية

[4] ) مصطفى السباعي: نظام السلم والحرب في الإسلام - بيروت 1373هـ.

[5] ) بين العقيدة والقيادة محمود شيت خطاب دار الفكر الطبعة الاولى بيروت 1392-1972 ص 105-108

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين